لم يكن هذا هو اليوم الأكثر نجاحاً لنتنياهو؛ فالمؤتمر الذي عقده أمس مع وعود إصدار إعلان مفاجئ ومدوٍّ.. مشكوك في أنه قد غير توجه تصويت ناخب إسرائيلي واحد. وليست بادرات حسن النية التي توقعها من الإدارة الأمريكية هي الوحيدة التي لم تأت بعد، بل إن من يؤيده في واشنطن أقيل قبيل انعطاف مهم في السياسة الأمريكية تجاه إيران. وللتحلية.. في الوقت الذي كان فيه نتنياهو يلقي خطابه في الاجتماع الانتخابي بأسدود، استقبله الفلسطينيون – كما يبدو الجهاد الإسلامي – بصواريخ كاتيوشا من القطاع موجهة نحو أسدود وعسقلان. لن يكون من المفاجئ إذا تبين أن العملية الأخيرة كانت نتيجة استفزاز إيراني مخطط، قبل أسبوع من موعد الانتخابات. هذا يحدث في ساحة يكون فيها نتنياهو هشاً بصورة خاصة من ناحية جماهيرية، ويؤكد فشل حكومته المتواصل في معالجة أمن سكان غلاف غزة.
إن إطلاق الصواريخ من القطاع قد ضبط نتنياهو بوضع محرج جداً، ويمكن استغلاله أيضاً بدرجة كبيرة من قبل خصومه. لقد تم توثيقه وحراسه من الشاباك يخلونه عن المنصة إلى مكان آمن. لقد جرب للمرة الأولى ما جربه بصورة دائمة سكان الجنوب خلال السنة الأخيرة (وبين فترة وأخرى منذ عام 2001). نتنياهو وعد أمس بحدث دراماتيكي، لكنه وجد نفسه في دراما مختلفة تماماً.
مرة أخرى نصف عنوان. مشاكل رئيس الحكومة بدأت قبل ذلك، فللمرة الثانية خلال أقل من يوم ظهر الرئيس الأمريكي ترامب وهو يخرج الهواء من بالون الانتخابات المناوب الذي أطلقه نتنياهو. مساء أول أمس عقد نتنياهو مؤتمراً صحافياً استثنائياً بين فيه اكتشافات جديدة حول المشروع النووي الإيراني. ولكن ترامب، مع أو بدون علاقة، أعلن بعد مرور ساعتين تقريباً عن رغبته الصادقة في الالتقاء بالرئيس الإيراني حسن روحاني.
الأمور كررت نفسها أمس. مرة أخرى وعد مكتب رئيس الحكومة بإعلان دراماتيكي. ومرة أخرى ردت وسائل الإعلام بانفعال، ومرة قدم نتنياهو نصف عنوان: وعد ضبابي بإعلان السيادة الإسرائيلية على الغور، وربما على يهودا والسامرة أيضاً، إذا فاز في الانتخابات الأسبوع القادم.
استندت التوقعات التي تطورت حول أقوال نتنياهو إلى التقدير بأن خطوته هذه نُسّقت مع الإدارة الأمريكية. ولكن بعد ذلك، بعد أقل من نصف ساعة على إنهاء خطابه، ألقى ترامب القنبلة، كعادته في تغريدة على “تويتر”: جون بولتون ذاهب إلى البيت، مستشار الأمن القومي الثالث الذي ودع الرئيس في أقل من ثلاث سنوات.
حسب تقارير وسائل الإعلام الأمريكية، تردد ترامب بشأن بولتون من البداية. كان هناك ادعاء بأنه خشي بشكل عام من شاربه الكثيف، لكن هذه الأمور متعلقة كما يبدو بتماهي بولتون مع معسكر المحافظين الجدد الذي دفع الرئيس جورج بوش الابن نحو حروب في العراق وأفغانستان، بعد الهجمات الإرهابية في 11 أيلول، في مثل هذا اليوم قبل 18 سنة. ترامب يقول بأثر رجعي بأنه عارض حرب الخليج الثانية التي كان بولتون من مؤيديها الأساسيين.
في الأشهر الأخيرة ظهرت خلافات كبيرة بين ترامب وبولتون في مواضيع عدة. المستشار أحرج الرئيس عندما وعد ببث حي بانقلاب لم يتحقق في فنزويلا، وأغضبه عندما احتج على جهود السلام التي يبذلها في أفغانستان، واختلف معه بخصوص المصالحة مع كوريا الشمالية. ويبدو أيضاً أنه عارض بشدة العملية التي يتم طبخها حول استئناف المفاوضات مع طهران.
ترامب الذي كبح توصيات اتخاذ خطوات عقابية عسكرية ضد إيران بعد مهاجمتها لناقلات النفط في الخليج وإسقاط الطائرة الأمريكية بدون طيار، يخشى من حرب مع طهران. وإقالة بولتون حتى لو نبعت من اعتبارات عدة في ساحات مختلفة في العالم، لا تعتبر أخباراً جديدة لنتنياهو. إن إبعاد المستشار عن الطريق يمكن أن يكون علامة أخرى على استعداد الرئيس للذهاب إلى مفاوضات مع إيران.
عملياً، العقبات الأساسية أمام المحادثات هي الآن في إيران وليست في واشنطن. الإيرانيون يطلبون رفع العقوبات كشرط مسبق لاستئناف المحادثات (أمريكا تعارض ذلك، لهذا تقترح فرنسا اعتماد 15 مليار دولار كبديل عن ذلك). إضافة إلى ذلك، تحفظ الزعيم الروحي علي خامنئي من فكرة اللقاء بين روحاني وترامب. في المقابل، قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو أمس إن الولايات المتحدة مستعدة لإجراء مفاوضات بدون شروط مسبقة.
هذا لا يعني أن معركة صد نتنياهو لهذا الشأن قد أصبحت خاسرة تماماً. الميزة الأساسية لسياسة النظام في السنوات الأخيرة هي المزاج المتقلب الشديد. مع ذلك، يبدو انتهت تلك الأيام التي كان فيها ترامب يردد صفحة الرسائل الأسبوعية التي تصدر من القدس.
ولا يحدث هذا لأن ترامب غير جلده تجاه إسرائيل، بل هناك سبب آخر، وهو أن اليمين في إسرائيل صمم على عدم الاعتراف به خلال سنوات شهر العسل.. وهو أن ترامب يهتم قبل أي شيء بترامب نفسه. وهو في هذه الأثناء بحاجة إلى إنجازات سياسية وليس إلى حروب جديدة في الشرق الأوسط.
صورة الانتخابات
في الأيام الأخيرة ساد في جهاز الأمن الإسرائيلي قلق شديد من احتمالية تصعيد آخر في الجبهة الشمالية. إيران تواصل بصورة ثابتة محاولاتها لتهريب صواريخ دقيقة إلى حزب الله في لبنان، وفي الوقت نفسه إنشاء خطوط إنتاج لسلاح دقيق على أراضي لبنان. الاحتكاك بين الطرفين يزداد إزاء تصريحات إسرائيل عن نيتها منع الخطوات والهجمات الكثيرة التي تم الإبلاغ عنها في العراق وسوريا ولبنان. ولكن المواجهة الجديدة في ذروة مناورة كبيرة لهيئة الأركان تحاكي حرباً متعددة الجبهات، جاءت أمس من الجنوب من خلال إطلاق صواريخ من قطاع غزة. المتهم الفوري هو الجهاد الإسلامي الذي يقف من وراء عدد كبير من إطلاق الصواريخ في الأسابيع الأخيرة. في هذه الحالة، هذا استفزاز شديد، فهو ليس إطلاقاً آخر على غلاف غزة، إنما على عسقلان وأسدود في ذروة خطاب نتنياهو في المدينة الشمالية.
حتى الآن كان الرد العسكري محدوداً في حجمه وقوته. سلاح الجو هاجم 15 هدفاً لحماس، لكن لم يتم الإبلاغ عن إصابات في غزة. هل سينجر نتنياهو مع كل ذلك إلى عملية أوسع في القطاع حيث بقيت ستة ايام على موعد الانتخابات؟ خلال الأشهر الأخيرة حيث وقف رئيس الحكومة أمام تردد مشابه، واختار ضبط النفس. ميله الطبيعي قد يكون كذلك، ولكن حين يكون مستقبله السياسي على كفة الميزان، فإن الظروف ستتغير. في ظل غياب صورة مختلفة حالياً، فإن مشهد إخلاء نتنياهو عن المنصة يقدم صورة هذه الانتخابات. يجب أن تكون قديساً من أجل أن تميز هذه الليلة بين الاعتبارات الأمنية والاعتبارات السياسية.
في الأسبوع الماضي سئل مصدر رفيع في جهاز الأمن عن احتمالات التصعيد في القطاع، قال: “في السنة المقبلة ستزداد احتمالات أن تجد إسرائيل نفسها في عملية عسكرية أخرى في القطاع. إذا حدث ذلك فبسبب الجهاد الإسلامي”.
بقلم: عاموس هرئيل
هآرتس 11/9/2019