تجمعت المعطيات لدى نواب الحزب الديمقراطي للضغط سياسيا على دونالد ترامب لإخراجه نهائيا من المشهد السياسي للبلد. وواجهوا بسبب موقفهم هذا العديد من الشكوك، بينما بدا موقف الحزب الجمهوري متذبذبا وغير محسوم، فهل سيدينون ترامب في دعوى العزل التي طالب بها الديمقراطيون؟ أم سيقفون معه في محاولة لإغلاق هذه الصفحة الإشكالية من تاريخهم.
موقف الحزبين الأمريكيين من دعوى عزل وإدانة الرئيس السابق ترامب يمكن قراءتها بايجاز كما يلي؛ الحزب الديمقراطي طالب باتهام دونالد ترامب لأنه حرّض أنصاره على استخدام العنف في الهجوم على مبنى الكابيتول يوم 6 كانون الثاني/يناير، لذلك رأى الديمقراطيون أن ترامب يمثل خطرا على الحياة السياسية وقيم الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية. في المقابل كانت حجة معظم أعضاء الحزب الجمهوري في الدفاع عن ترامب، هي نفي قيامه بالتحريض على العنف، وأن إثارة موضوع العزل قبيل انتهاء ولاية الرئيس بأسبوع واحد فقط وبهذه الطريقة، لن يخدم جهود المصالحة التي يدعو لها الرئيس بايدن، كما أفاد الجمهوريون بأن العملية ستجري بسرعة ومن غير تحقيقات كافية، لذلك هم يفضلون طي هذه الصفحة مع خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض.
بعد تسلم الرئيس بايدن مهامه، توقع البعض أن الأمر قد انتهى، ولا حاجة للاستمرار في إجراءات عزل الرئيس، الذي بات خارج البيت الأبيض، إلا أن صقور الديمقراطيين أصروا على المضي قدما في إجراءات محاكمة وإدانة ترامب، والانتقال للخطوة الأهم وهي المطالبة بالتصويت على منع الرئيس السابق من تولي أي منصب فيدرالي مستقبلا، وبذلك يتم القضاء على مستقبله السياسي ومنعه من الترشح لدورة رئاسية مقبلة.
طعن عدد من الجمهوريين في مجلس الشيوخ، بدستورية المحاكمة، كونها المرة الأولى التي تتم المطالبة فيها بعزل رئيس هو أصلا خارج سلطاته الرئاسية، وبالتالي لا معنى منطقي للمحاكمة، وأن الدستور الأمريكي وفقراته الخاصة بعزل الرئيس لا تنطبق على حالة دونالد ترامب، ما حدا بمجلس الشيوخ يوم 9 شباط/فبراير إلى التصويت على دستورية إجراء المحاكمة، وتم تمرير قرار الاستمرار بالمحاكمة بالحصول على الأغلبية البسيطة، إذ حصل التصويت على موافقة 50 عضوا من الحزب الديمقراطي، بالإضافة إلى موافقة خمسة أعضاء من الجمهوريين، وبناء على ذلك تم تحديد موعد المحاكمة، وانتظر المراقبون الإجراءات التي ستتم مع توقعات بعدم قدرة الديمقراطيين على تمرير قرار الإدانة. ابتدأت إجراءات المحاكمة يوم 10 فبراير، ومنح كل جانب (الادعاء والدفاع) 16 ساعة لتقديم مرافعاتهم. قدمت الشهادات والدفوع، وعرضت تسجيلات فيديو لأحداث اقتحام مبنى الكابيتول، الذي قام به أنصار ترامب الذين كانوا يرتدون قبعات حملته الانتخابية، ويرفعون اللافتات المؤيدة له، وعلى مدى ثلاثة أيام لاحقة تناوب فريق من تسعة نواب على استعراض أدلة أحداث الشغب التي وقعت مصحوبة بخرائط مبنى الكابيتول، التي أظهرت كم كان المقتحمون قريبين من ساسة أمريكيين، بينهم نائب الرئيس السابق مايك بنس. لكن محامي دفاع ترامب أصروا على أن الرئيس السابق، لم يوجه أو يطلب من مؤيده القيام بهذا السلوك، ولا يوجد إثبات على تحريضه على العنف. تم تمديد وقت المحاكمة، نتيجة طلب الديمقراطيين لتقديم المزيد من الشهادات، ما يعني أن محاكمة ترامب كانت ستستمر لأيام أخرى لاحقة، لكن تغير القرار بشكل مفاجئ إلى عدم الاستمرار بالاستماع لشهادات جديدة، والذهاب للتصويت على قرار الإدانة. تم التصويت على القرار في مجلس الشيوخ الأمريكي يوم 13 فبراير، ولم يحصل إلا على 57 صوتا أيدوا إدانة ترامب مقابل 43 صوتا مع براءته، وبذلك لم يحصل قرار الإدانة على أغلبية الثلثين، فتمت تبرئة ترامب من جميع التهم المنسوبة إليه.
يتوقع المراقبون أن يواجه ترامب تهما بالفساد واستغلال السلطة في قضايا قبول هدايا وامتيازات، يمنعها الدستور الأمريكي
لم ينته الأمر عند هذا الحد من وجهة نظر بعض المراقبين، الذين توقعوا ما وصفوه بالعاصفة القضائية، التي تنتظر دونالد ترامب بعد خروجه من البيت الأبيض، إذ أن هنالك العديد من القضايا التي استطاع ترامب وهو في سدة الرئاسة من التأثير فيها وإغلاق ملفاتها، ومن بينها ملف التهرب الضريبي، والعديد من القضايا المالية المعقدة التي تواجه امبراطورية ترامب العقارية في نيويورك، ومن المتوقع أن يقدم ترامب طعناً أمام المحكمة العليا ضد طلب تسليم إقراراته الضريبية، وربما تتم هناك تسوية الأمر، لكن يبقى الأمر محفوفا بالمخاطر، إذ علق جوناثان تورلي أستاذ القانون في جامعة جورج واشنطن على هذه النقطة في تصريح صحافي قائلا؛ «أهم التحقيقات الجنائية هي تلك التي تبحث في سجلات دونالد ترامب الضريبية والمصرفية، ولكن هل هناك قضية جنائية، هذا أمر لم يتضح بعد». كذلك قادت المدعية العامة لولاية نيويورك ليتيتيا جيمس منذ مارس/ آذار 2019 تحقيقاً مدنياً بشأن ما إذا كانت مؤسسة ترامب قد قامت باحتيال عقاري، وتعود جذور هذا التحقيق إلى تصريحات مايكل كوهين محامي ترامب السابق، الذي أخبر الكونغرس في جلسة استماع وتحقيق في فبراير2019 ، حين قال كوهين إن ترامب قام بتضخيم قيمة أصول ممتلكاته لتأمين قروض، ثم قلل من قيمتها لتخفيض ضرائبه. وقد أعطت شهادة كوهين أسباباً لجيمس كي تطلب الاطلاع على معلومات بشأن امبراطورية العقارات التي يملكها ترامب، وعليها الآن أن تحارب داخل المحاكم من أجل الحصول على تلك المعلومات. كما يتوقع المراقبون أن يواجه دونالد ترامب اتهامات متنوعة من بينها تهم بالفساد واستغلال السلطة في قضايا قبول هدايا وامتيازات، يمنعها الدستور الأمريكي، بالإضافة إلى خمس قضايا تتعلق بسوء السلوك الجنسي.
ميتش ماكونيل زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ تقلب موقفه في غضون الأسبوعين الفاصلين بين تصويت مجلس النواب على إدانة دونالد ترامب، وانتقال الأمر لمجلس الشيوخ للتصويت على الإدانة، فبعدما صرح عدة تصريحات أضمرت موقفا سلبيا من ترامب، بعد أزمة اقتحام مبنى الكابيتول، تغير موقفه إلى دعم ترامب في التصويت في مجلس الشيوخ، أو على الأقل سعى لطي هذه الصفحة بكل مشاكلها. لكنه عاد بتصريح ناري يوم 13 فبراير قال فيه، إنه على الرغم من تصويته لتبرئة الرئيس السابق في قضية التحريض على التمرد، إلا أن ترامب «مسؤول عملياً وأخلاقياً» عن الهجوم الدموي الذي أوقع خمسة قتلى. وذهب ماكونيل أبعد من ذلك، مشيراً إلى أن ترامب قد يواجه اتهامات بعد تركه منصبه، مشدداً على أن الأخير «لم يُفلِت من أي شيء بعد». وقال ميتش ماكونيل أن إتاحة المجال لترامب في الانتخابات المقبلة غير وارد، مؤكدا أنه هو الذي سيؤثر في اختيار المرشحين الجمهوريين. وقال لموقع (بوليتيكو)؛ «قد يكون البعض أشخاصا يحبهم الرئيس السابق والبعض الآخر قد لا يكونون كذلك، الشيء الوحيد الذي يهمني هو أن يتمكنوا من الفوز».
هذا التصريح أجج غضب ترامب، الذي دعا يوم 16 فبراير، أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين إلى عزل زعيمهم ميتش ماكونيل. وقال في بيان، إن الحزب الجمهوري لن يتمكن من أن يكون مجدداً قوياً مع «زعماء سياسيين من أمثال ماكونيل على رأسه» وأضاف أن «ميتش سياسي متجهّم وعبوس ولا يبتسم، وإذا كان أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون سيبقون معه، فلن يفوزوا مرة أخرى». وفي بيانه، قال ترامب إن استطلاعات الرأي تشير اليوم إلى أن «أرقام ماكونيل هي أدنى حتى مما كانت عليه في السابق، إنه يدمر الجهة الجمهورية من مجلس الشيوخ، ويلحق أضراراً جسيمة ببلدنا». ولم يكتفِ ترامب بذلك، بل وسّع نطاق هجومه ليشمل زوجة ميتش ماكونيل وزيرة النقل السابقة إيلين تشاو، المولودة في تايوان، والتي كان ترامب قد عينها وزيرة للنقل في منصب استمرت فيه تقريباً طوال سنوات عهدته الرئاسية. وجاء في البيان أن «ماكونيل لا يتمتع بأي مصداقية في ما يتعلّق بالصين، بسبب المصالح التجارية الكبيرة التي تمتلكها أسرته هناك».
كل هذا الهجوم الذي تعرض له ترامب في غضون الأيام الماضية لم يمنعه من الاحتفال بانتصاره الثاني بعد التصويت في مجلس الشيوخ بعدم إدانته، وصرح في بيان صحافي، هاجم فيه خصومه، وقال؛ «إن مشواره السياسي قد بدأ للتو.
كاتب عراقي
الترامبية ستستمر بين أتباع الحزب الجمهوري لسنوات عديدة!
لن ينسى هؤلاء شعارات ترامب العنصرية!! ولا حول ولا قوة الا بالله