لما أيقن الصحافيون الأمريكيون ألاّ فائدة ترجى من محاولة زحزحة دونالد ترامب عن الموقف البائس البئيس المتمثل في تبرئة، بل تنزيه، المسؤول الأول عن مقتل الصحافي جمال خاشقجي، ولما ثبت لديهم أنه سوف يظل متماديا في التظاهر بعدم معرفة من الذي أصدر الأمر بالقتل، سأله أحدهم: «إذن من الذي ينبغي أن يحمّل المسؤولية عن الجريمة الهمجية التي اقترفت في القنصلية السعودية في اسطنبول؟»، فأجاب الرجل من فوره: «ربما وجب إلقاء المسؤولية على عاتق العالم لأن العالم مكان وحشي. أؤكد أني أمقت هذه الجريمة وأمقت محاولة التستر عليها. بل إني أقول لك هذا: إن ولي العهد يمقتها أكثر مني».
هكذا. ربما وجب إلقاء المسؤولية على عاتق العالم! هذا العالم بمحيطاته وقاراته وسكانه السبعة ألف مليون هو المسؤول عن مقتل الصحافي المغدور. أما الذي أصدر أمر القتل فعلا، فليس بمسؤول. وما هو دخل العالم؟ لأنه مكان وحشي.وفي ترجمة أخرى: لأنه مكان يعج بالشرور والخبائث. القصد إذن: دعكم أيها الناس من معوجّ القوانين، من حمورابي إلى نابليون ومن الرومان إلى الانكليز، فها قد أتاكم القانون الجنائي الجديد الذي ستسعد به الإنسانية: كلما ارتكبت جريمة قتل، فلتعلموا أن المسؤول عنها ليس الآمر بها. كيف يمكن لمن أصدر الأمر بالقتل أن يكون هو المسؤول؟ هذا غير معقول. لا بد من تمايز الأدوار: هنالك الآمر. وهنالك المنفذ. ثم تأتي حكاية المسؤول… هذا إن كنتم مصرّين على ضرورة وجود مسؤول. إذ إنكم لو وسّعتم زاوية النظر لرأيتم كيف أنه يمكن للجريمة أن تقع دون أن يتحمل مسؤوليتها أحد. أما إذا ظللتم على تعنّتكم، متمسكين بالمسؤولية باعتبارها مبدأ أو ضرورة، فلكم ذلك ودونكم وما تريدون، شرط أن تعلموا علم اليقين أنه كلما ارتكبت جريمة قتل، فإن المسؤول عنها ليس الآمر بها، ولا حتى منفذها، وإنما هو العالم. تسألونني ما العالم؟ إنه هذا «المكان» الجغرافي أو الكوني، فيزياء الكم أو كيمياء البشر… إنه الدنيا.
إذا كانت حكمة «ملعون أبو الدنيا» للمعلم نونو، الرجل الجاهل الحشاش الذي يصبح صديقا لأحمد عاكف بعد انتقاله مع عائلته إلى حي الحسين في رواية «خان الخليلي» لنجيب محفوظ، فإن حكمة ترامب النابعة من عمق التفكّر والتدبّر في صروف الدهر وصنوف البشر أفعالا وأحوالا وأهوالا هي: مسؤول أبو الدنيا
هنا بالضبط يتضح المعنى من إقدام بعض دور النشر على إصدار أربعة دواوين أو خمسة من إبداع «الشاعر» دونالد ترامب! وقد تمثل جهد محرري الدواوين في جمع خطب ترامب وتصريحاته وتغريداته التويترية لاستخراج ما تبعثر في دهاليزها، التي تتحدى معروف المنطق ومألوف البلاغة، من مقاطع قدّروا أنها يمكن، لطرافتها أو غرابتها أو عميق حكمتها، أن تنسب إلى قصيدة النثر أو عمود الشعر. ولم لا؟ هكذا صدر أولا ديوان “شاعر الصفقات”، وأتى بعدها ديوان «جعل الشعر عظيما من جديد» (في تنويع على شعار ترامب الانتخابي «إعادة أمريكا عظيمة من جديد»)، وديوان «دونالد ترامب موزونا ومقفى»، وديوان «رئيس بلادي يقول شعرا»، ثم ديوان «أشعار دونالد ترامب الجميلة» الذي يتضمن قصائد من الطراز التالي: «أنا الأفضل/ تنبأت أن قيمة أسهم آبل ستنهار/ سوف أبني جدارا عظيما عظيما/ أشيد مباني علوّها 94 طابقا/ يداي. هل هما صغيرتان؟»
قريحة فذة وأشعار جميلة يعزّ الإتيان بمثلها. ومع ذلك فقد تفوق ترامب أخيرا على نفسه وأبدع رائعة عمره عندما أنشد ارتجالا تلك القصيدة التي مطلعها: «العالم هو المسؤول لأن العالم مكان»…. إذ انطلق الشاعر من حيثيات المناسبة ـ أي الاستماتة الرئاسية في المرافعة البزنسية عن زبون سخي ـ ليتجاوزها فيحلّق في أعالي التأملات حول أحوال العالم وسماجة الشر وظلمات الوجود الإنساني. فإذا كانت «ملعون أبو الدنيا» هي حكمة المعلم نونو، الرجل الجاهل الحشاش الذي يصبح صديقا لأحمد عاكف بعد انتقاله مع عائلته إلى حي الحسين في رواية «خان الخليلي» لنجيب محفوظ، فإن حكمة ترامب النابعة من عمق التفكّر والتدبّر في صروف الدهر وصنوف البشر أفعالا وأحوالا وأهوالا هي: مسؤول أبو الدنيا!
إلا أن من نكد الدنيا على هذا الشاعر، الحر في اضطهاد الشعر، العبد لبريق المال، أن النقاد والقراء لا يأخذون «قصائده» مأخذ الجد، بل إن جميع المحررين ما تصدوا لمهمة قص ولصق هذه المجموعات الشعرية الترامبية إلا بغية التهكم والبكاء من الضحك. ذلك أن معظمهم من السيناريست المتخصصين في تأليف التمثيليات والمسلسلات الفكاهية..
كاتب تونسي
لا بد إذاً من وضع العالم القاسي هذا في السجن و من ثم تنفيذ حكم الاعدام به !
.
ترامب يمهد لنفسه نوع التخريجة ، فيما لو اضطر يوماً ما إلى ارتكاب جريمة !
لكن مهلاً ، أعني فيما لو انكشفت يوماً ما احدى جرائمه أمام الملأ !
.
ترامب برأيي تجاوز مرحلة محاولة التستر ، إلى مرحلة التستر الفعلي وبات شريكاً فعلياً في الجريمة ما لم يتدارك نفسه ، علماً أنه متيقن تماماً أن م.ب.س هو من أصدر الأمر.
.
اما نحن فما زال لدينا السيسي الذي فاق الاولين و الاخرين من الحاكم بامره الى قراقوش الى ترامب. و ما زال السباق مستمرا
المشكلة هي عدم وجود دور نشر قوية و قراء و لكن التاريخ سينصف صاحبنا حتما