يعتبر رجل الأعمال، أو رائد الأعمال إعمالاً للموضة الرائجة في الحديث عن هذه النوعية من الأثرياء، أصحاب النجومية الواسعة، أحد النجوم الذين يشغلون العالم بأخبارهم، بل وأيقونة لمئات ملايين من الحالمين، الذين أخذوا يعتبرون ريادة الأعمال كلمة السر، التي تشبه مصباح علاء الدين في القصة الأسطورية.
تربط إيلون ماسك علاقة غامضة مع الولايات المتحدة الأمريكية، فشركته حصلت على كثير من الدعم الحكومي، على أساس تقديمها لحلول صديقة للبيئة، وتمكنت من الحصول على حصة سوقية متسارعة، وفي الآونة الأخيرة استطاعت هذه الشركة الناشئة أن تتخطى في قيمتها السوقية مجموع شركتي فورد وجنرال موتورز العريقتين في صناعة السيارات، ومع أن رئيس الشركة كان من الأصوات العالية، لإعادة فتح الاقتصاد الأمريكي بما يتجاوب مع هوى الرئيس الأمريكي، الذي لم يجد كثيراً من الحلفاء لتجاوز التدابير الصحية، إلا أنه في الوقت نفسه يلعب بشكل مفتوح مع الصين، ويتحصل على تمويلات قياسية من قبلها. تمكن ماسك مؤخراً من إطلاق صاروخ للفضاء الخارجي، يحمل رواد فضاء أمريكيين بالتعاون مع وكالة الفضاء (ناسا) وبمباركة من الرئيس الأمريكي، وهو ما وضعه تحت الأضواء بوصفه رائداً لتغيير العالم، وتدشين عصر جديد، ربما يشكل ترامب نفسه أحد معارضيه، بوصفه سادناً للرأسمالية الأمريكية التقليدية.
بجانب ماسك، أظهرت أزمة كورونا صعوداً إضافيا لأغنى رجل في العالم جيف بيزوس، مؤسس ورئيس شركة أمازون، لتقفز ثروته الشخصية إلى حدود 140 مليار دولار، وكانت الشركة التي تهدد عالم أعمال التجزئة التقليدية، هي إحدى الشركات القليلة التي تستقطب العمالة بأكثر من مئة ألف فرصة عمل، في ذروة أزمة كورونا، بالطبع يسعد ذلك ترامب مرحلياً، ولكنه سيضع على المحك ملايين فرص العمل، التي قد تهدر مع تغير العادات الاستهلاكية، والتوجه للتبضع عبر الإنترنت، وبالطبع لم يغب عن المشهد الملياردير المعروف بيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت، الذي لاحقته اتهامات كثيرة تتساوق مع نظرية المؤامرة، حول مسؤولية مفترضة عن الفيروس، خاصة أنه حذر من جائحة صحية قبل سنوات، ويخصص أموالاً طائلة في عمليات تطوير لقاح لفيروس كورونا.
العالم أمام تغير تقني كبير سيفرض أنماطاً جديدة للحياة، والصراع بين الإقطاع والرأسمالية يتكرر
قبل المضي قدماً في استعراض لحظة الصراع المحتملة بين هذه الفئة من الأثرياء الجدد وتصوراتهم حول عالم المستقبل، لا بأس من الرجوع في التاريخ، لأكثر من قرنين من الزمن، وفي بريطانيا وهولندا، للتأمل في صور الآلاف من الرجال والنساء والأطفال الهائمين في الطرقات، بعد طردهم من العمل في الأراضي الزراعية التي كانوا يشغلونها، بوصفهم أقناناً لدى الملاك الإقطاعيين، حيث أدى الطلب على الصوف، الذي ترافق مع تطور عملية التصنيع إلى تفضيل الملاك لتربية الأغنام على استثمار الأرض في الزراعة، ووجدت الصناعة في هذه الحالة المزرية، فرصة للحصول على عمالة رخيصة، في عالم أخذت تتغير متطلباته، وبدأت الصناعة تقنع الناس باقتناء منتجاتها، التي لم يكونوا يعرفونها أو يحتاجون إليها، وهم يتدبرون حياتهم في الإقطاعيات الزراعية، حيث يمكنهم الوصول إلى السكن والغذاء، من دون الحاجة إلى مخرجات الصناعة.
توجد نقاط تشابه كبيرة بين المرحلة الحالية وتلك الأزمنة التي شكلت حياتنا اليوم، فالعالم أمام تغير تقني كبير سيفرض أنماطاً جديدة للحياة، والصراع بين الإقطاع والرأسمالية يتكرر في صراع بين الرأسمالية التقليدية وما بعد الرأسمالية التي تتشكل اليوم، وكما وعدت الرأسمالية سابقاً بأن تقدم الحلول لمشكلة الإنسان والندرة، فإن الوعود التي تطلقها مرحلة ما بعد الرأسمالية تصور عالماً يمنح الإنسان فرصة للاسترخاء والمتعة، ولكن التاريخ لا يعزز ذلك، فالمكتسبات التي تحققت للعاملين على حساب الرأسماليين لم تكن منحة أو هبة، ولكنها نتيجة كفاح طويل وصعب، فالوصول إلى ساعات العمل المحددة، والعطل السنوية كان نتيجة لنضال من العمال الذين اضطروا أن يعملوا لأربع عشرة ساعة يومياً، في معامل خانقة تفتقد لأدنى الشروط الإنسانية، من أجل ما يسد رمقهم، وعممت الرأسمالية البؤس أيضاً من خلال حروبها العنيفة، والبحث عن مستوطنات رخيصة العمالة من أجل تعظيم هوامش أرباحها.
ربما يأتي يوم ينظر فيه إلى الرئيس ترامب بوصفه الرجل الذي حاول إنقاذ الرأسمالية، ولكن التقدير سيكون متبايناً جداً بناء على ما ستفعله ما بعد الرأسمالية، وهو ما لا يبدو مشجعاً للتفاؤل، فهذه الفئة الصاعدة تعرف اللعبة جيداً، واستطاعت أن تستثمر أزمة كورونا إلى الرمق الأخير، بواسطة تأثيرها على وسائل الإعلام، سواء من خلال ملكيتها لبعضها، أو تواجدها الصاخب على مواقع التواصل الاجتماعي، ولذلك أخذ الرئيس ترامب في المرحلة الأخيرة يتحرك بصورة غامضة أيضاً، ويصعد تجاه اجراءات تحد من سطوة التواصل الاجتماعي على المشهد.
تدور المعركة في ظروف من التشويش الكامل، وتؤسس لمرحلة جديدة من الفوضى، التي لا يمكن التكهن بالمسار الذي ستتخذه، ويبدو أن على طرفي الصراع رجالا لا يمكن الوثوق كثيراً بميلهم للمغامرة، أو حتى المقامرة، فكيف يمكن الوثوق في عالم يرسم ملامحه اليوم رجل مثل ترامب، وآخر مثل ماسك، خاض جدالاً قانونياً ليسمي ابنه X AE A-12 وهو ما رفضته الجهات الحكومية، ولكن إلى متى سيستمر الرفض، ومتى سنجد أسماء البشر شبيهة بأرقام السيارات؟ ربما في زمن ليس بعيداً عن اليوم.
كاتب أردني