إسطنبول- “القدس العربي”:
عادت الأرقام اليومية لعدد الوفيات والمصابين بفيروس كورونا في تركيا للارتفاع بشكل كبير في الأيام الأخيرة في مشهد وصفه وزير الصحة فخر الدين قوجا بأنه “ذروة الموجة الثانية” من انتشار الفيروس وسط تشديد الإجراءات الوقائية وعودة تدريجية وحذرة للإغلاق خشية الآثار المؤلمة على الاقتصاد التركي الذي يعاني من صعوبات متزايدة بفعل عوامل مختلفة أبرزها ضريبة انتشار الفيروس والإغلاق الذي رافقه.
وبعد أن تراجعت أعداد الوفيات اليومية إلى أقل من 18، والإصابات إلى أقل من 900 يومياً خلال الشهر الماضي، عادت للارتفاع تدريجياً، ووصلت الثلاثاء أعداد الوفيات إلى 52 والإصابات إلى 1761، فيما وصل عدد الحالات الحرجة في عموم البلاد إلى 1159، وهي الأرقام التي دفعت كافة المستويات الرسمية في البلاد للتحذير من مخاطر “الموجة الثانية” وسط دعوات متصاعدة للالتزام بالإجراءات الوقائية وعودة تدريجية للإغلاق.
وقبل أيام، قال وزير الصحة التركي إن البلاد تشهد ذروة ثانية لتفشي فيروس كورونا بسبب “الإهمال” في حفلات الزفاف وغيرها من المناسبات الاجتماعية، وقال الوزير في تصريحات أدلى بها بعد اجتماعه مع الفريق العلمي المكلف بمتابعة الوباء، إن العاصمة أنقرة شهدت أعلى معدل زيادة في حالات الإصابة بالفيروس في الآونة الأخيرة، إذ وصل إلى ضعف عدد الحالات التي شهدتها إسطنبول التي كانت في السابق بؤرة تفشي الوباء في تركيا، ما دفع المغردين لوصف العاصمة بأنها “ووهان الجديدة” في إشارة إلى المدينة الصينية التي كانت المنبع الأول لانتشار الوباء.
ومضى قلائلا: “نمرّ بثاني ذروة من الموجة الأولى لفيروس كورونا. الإهمال في حفلات الزفاف والمناسبات الدينية في عطلات نهاية الأسبوع، كل ذلك أوصلنا إلى هذه النقطة”. لكنه استدرك بالقول إن فرض إجراءات العزل العام لكبح تفشي الفيروس ليس على جدول أعمال الحكومة الآن.
وعاودت أنقرة فتح الاقتصاد ورفعت القيود التي كانت مفروضة على أنشطة عطلات نهاية الأسبوع وعلى بعض الفئات العمرية أوائل يونيو/ حزيران، ولكن مع ارتفاع أعداد الإصابات والوفيات مجدداً بدأت الحكومة بإعادة فرض الإغلاق تدريجياً وتشديد الرقابة والمتابعة على تطبيق الإجراءات الوقائية في عموم البلاد.
والثلاثاء، أعلنت وزارة التعليم التركية أنها ستقلص خطط إعادة فتح المدارس في وقت لاحق من هذا الشهر بالبدء في استقبال التلاميذ الأصغر سنا لمدة يومين فقط في الأسبوع، وذلك بعد أن كان الوزير ضياء سلجوق أعلن الشهر الماضي أن المدارس، ومعظمها مغلق منذ مارس/ آذار، ستبدأ في فتح أبوابها اعتبارا من 21 سبتمبر/ أيلول، وهو ما لم يعد وارداً مع ذروة الانتشار الجديدة للفيروس.
وأوضح الوزير أن المدارس ستفتح أولا لرياض الأطفال والصف الأول الابتدائي فقط مع تحديد خطط التوسع في إعادة التلاميذ بناء على فترة تقييم مدتها ثلاثة أسابيع، مضيفاً: “ندعم بداية محكمة وتدريجية في بلدنا وستمزج الدراسة بين نظامي الحضور والتعلم عن بعد”، وتابع: “سيذهب تلاميذ الصف الأول الابتدائي لمدة يوم واحد فقط في أسبوع التكيف” ثم ليومين في الأسابيع التالية. وقال إن أولياء الأمور الذين لا يريدون إرسال أطفالهم للمدارس يمكنهم اختيار الاستمرار في التعلم عن بعد.
وطوال الأسابيع الماضية أطلقت وزارة الداخلية التركية العديد من الحملات الواسعة على مستوى عموم البلاد لتفقد التزام المواطنين بإجراءات الوقائية من الفيروس، وفرضت غرامات مالية على المواطنين الذين لا يرتدون الكمامات وعلى المطاعم والمقاهي والفنادق التي لا تلتزم بالمعايير، لكن ذلك لم يساهم أيضاً في منع تزايد أرقام الإصابات الجديدة.
والثلاثاء، أصدرت الوزارة تعميماً جديداً يتضمن تدابير إضافية للحد من تفشي فيروس كورونا، وشدد التعميم على ضرورة تكثيف جولات المراقبة على المحلات التجارية والأماكن العامة، وبموجبه تم حظر الفعاليات الموسيقية في المطاعم والأماكن المشابهة بعد الساعة الثانية عشر ليلا، وتم منع سائقي الحافلات الصغيرة من أخذ ركاب أكثر من عدد المقاعد الموجودة في حافلاتهم، وغيرها من القرارات الجديدة.
وتشير هذه الإجراءات إلى أن الحكومة ما زالت ترفض بقوة فكرة العودة إلى الإغلاق العام في البلاد، وذلك لأسباب مختلفة يعتبَر الاقتصاد أبرزها، حيث تخشى الحكومة مزيدا من الآثار “المؤلمة والصعبة” على الاقتصاد الذي يعاني من صعوبات في الآونة الأخيرة لأسباب مختلفة أهمها الآثار التي ترتبت على الإغلاق السابق، لا سيما السياحة التي أعيد فتحها ونجحت خلال هذه الفترة في جذب قرابة 10 مليون سائح يساهمون في دعم قطاعات اقتصادية مهمة في البلاد.
وتراجعت قيمة الليرة التركية إلى مستويات قياسية جديدة في الأيام الأخيرة، ووصل سعر الصرف إلى 7.49 ليرة مقابل الدولار الواحد، لأسباب منها ارتفاع نسب التضخم والسياسات النقدية وتراجع احتياطات البنك المركزي إلى جانب المخاوف من حصول نزاع مسلح مع اليونان في ظل التوتر غير المسبوق بين البلدين في شرق البحر المتوسط.
ورغم ذلك، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الإثنين، إن بلاده ستخرج من جائحة كورونا باقتصاد أقوى، ودعا الأتراك إلى اتباع إجراءات التباعد الاجتماعي والنظافة الشخصية.
وأضاف: “تركيا تبلغ أهدافها اعتمادا على انتهاء معركتها مع فيروس كورونا بنجاح”. وكرر أردوغان وجهة نظره بأن تركيا بمقدورها الاستفادة من تغير الاقتصاد العالمي بسبب الجائحة.