تركيا تطوي عام العمليات العسكرية الخارجية وتأمل بعام من السلام الدبلوماسي والاقتصادي 

إسماعيل جمال
حجم الخط
2

إسطنبول- “القدس العربي”:

كان عام 2020 لتركيا بمثابة عام “الدبلوماسية الخشنة” والعمليات والتحركات العسكرية الخارجية من سوريا إلى العراق وليبيا وشرق المتوسط وصولاً لأذربيجان، حيث لجأت أنقرة لإشهار قوتها العسكرية المباشرة في العديد من الساحات الخارجية ضد ما تقول إنها تهديدات إرهابية ومحاولات لمحاصرتها وإعادة رسم خريطة المنطقة، وهو ما أدى إلى أزمات دبلوماسية مع العديد من دول العالم الأمر الذي انعكس بدوره بشكل واضح على الاقتصاد التركي.

في المقابل، تأمل أنقرة التي تشير تقديراتها الداخلية إلى أنها نجحت في تحقيق أهداف التحركات العسكرية في أكثر من ساحة خارجية، أن يكون عام 2021، عام حصاد نتائج هذه التدخلات، واتّباع دبلوماسية جديدة تتيح إعادة ترتيب العلاقات مع الدول التي تراجعت العلاقات معها، وذلك من أجل تحقيق حالة من الاستقرار السياسي والدبلوماسي لإتاحة الفرصة أمام الاقتصاد التركي للاستقرار والتحسن.

عام المواجهات العسكرية  

مع بدايات عام 2020 وجدت أنقرة نفسها أمام تحدي إصرار روسيا والنظام على السيطرة على إدلب التي ينتشر بها آلاف الجنود الأتراك وتعتبرها أنقرة عاملاً مهماً في منع كارثة لجوء جديدة وحماية أمنها القومي ما دفعها لاتخاذ قرار المواجهة الذي زجها لأول مرة لتكون في مواجهة مباشرة مع روسيا والنظام السوري في إدلب، استخدمت فيها كافة الأسلحة ما أدى إلى مقتل عشرات الجنود الأتراك، وبالنتيجة استطاعت تركيا تعزيز انتشارها العسكري بالمحافظة والحفاظ على حدودها الأخيرة حتى اليوم رغم حصول بعض الخروقات.

وبناء على مذكرة التفاهم البحرية والعسكرية الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية، بدأ الجيش التركي بإرسال قواته إلى طرابلس مقدماً الدعم الجوي والبحري والبري لحكومة الوفاق التي تمكنت تدريجياً من هزيمة وطرد قوات حفتر التي كانت على بعد خطوات قليلة من حسم المعركة والسيطرة على وسط العاصمة طرابلس، حيث جرى تطهير أحياء العاصمة وصولاً لقاعدة الوطية الاستراتيجية ولاحقاً ترهونة وبني وليد وصولاً إلى خط سرت الجفرة الذي كاد أن يتحول إلى حرب إقليمية مع تزايد احتمالات التدخل العسكري المصري والتحركات الإماراتية والفرنسية التي حاولت إنقاذ مليشيات حفتر ومنع حكومة الوفاق من حسم المعركة عسكرياً في عموم البلاد.

وليس بعيداً عن ليبيا، فتح اتفاق ترسيم الحدود بين أنقرة وطرابلس الباب واسعاً أمام صراع هو الأكبر شرقي البحر المتوسط بين تركيا واليونان وقبرص بدرجة أساسية حول الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية وكاد أن يتحول لصراع إقليمي في ظل التحركات الفرنسية والمصرية، حيث نشرت تركيا قوات عسكرية غير مسبوقة في المنطقة، وبدأت عمليات تنقيب واسعة عن الموارد وتصاعد صراع كبير كاد أن يتحول أكثر من مرة لاشتباك عسكري مباشر، وصولاً لفرض عقوبات أوروبية على تركيا بسبب تحركاتها وسط إصرار تركي كبير على “حماية حقوقها وحدودها البحرية مهما كلف ذلك من ثمن”.

وفي ظل هذه التطورات، لم تتوقف على الإطلاق العمليات العسكرية التركية ضد تنظيم “بي كا كا” شمالي العراق، بل توسعت لتشمل مناطق أعمق داخل الأراضي العراقية، وضربات جوية ضد معسكرات التنظيم في سنجار، والتحول الجديد باستخدام الطائرات المسيرة لتنفيذ اغتيالات بحق عناصر وقيادات التنظيم في مناطق مختلفة من العراق، وهو ما أشعل أزمة بين أنقرة وبغداد.

وكللت تركيا تحركاتها العسكرية الخارجية عام 2020 بتقديم الدعم العسكري الكبير إلى أذربيجان في حربها ضد أرمينيا في إقليم قره باغ، وهو ما مكّن أذربيجان من طرد القوات الأرمينية من معظم الإقليم وانهاء الاحتلال الذي استمر 30 عاماً، قبل أن يشارك أردوغان في “احتفالات النصر” موجهاً رسائل قوة إلى روسيا وأمريكا وفرنسا التي اتُهمت بدعم أرمينيا طوال سنوات احتلالها، وفتح عهداً جديداً من النفوذ التركي في آسيا الوسطى.

وخلال 2020 أعلن الاتحاد الأوروبي التوافق على فرض عقوبات على تركيا بعد أشهر طويلة من التلويح والتهديد بسبب عمليات التنقيب التركية شرقي البحر المتوسط، وبالتزامن مع ذلك مرر مجلس النواب الأمريكي ميزانية وزارة الدفاع التي تتضمن فرض عقوبات على تركيا بسبب شرائها منظومة S400 الدفاعية الروسية، وهو ما يجمع مراقبون على أنها ستدفع أنقرة لتفعيل المنظومة الروسية وإدخالها الخدمة وما يحمله ذلك من أبعاد استراتيجية كبيرة سواء على صعيد تعزيز الدفاعات التركية وقوتها في المنطقة، أو على صعيد المناورة التركية في تحالفاتها بين واشنطن وموسكو.

تحولات متوقعة  

وإلى جانب التصريحات المعلنة للرئيس التركي بأنه يرغب في إجراء إصلاحات واسعة وإعادة بناء العلاقات مع العديد من الدول والأطراف الدولية وتحسين الأوضاع الاقتصادية، فإن أبرز مؤشر على ذلك جاء على شكل إجراء تغييرات واسعة جداً على مستوى السفراء الأتراك حول العالم، وشمل العديد من الدول الهامة، وإعادة سفراء إلى دول مختلفة كانوا قد سُحبوا منها بسبب الخلافات السياسية.

ففيما يتعلق بالإدارة الأمريكية الجديدة في عهد جون بايدن، تعتقد أوساط رسمية تركية بأنه وعلى غير ما يعتقد بشكل عام أن الصدام سيكون عنوان المرحلة، فإنه يمكن لتركيا أن تفتح صفحة جديدة للعلاقات الأمريكية التركية لا سيما وأن بايدن سياسي قديم ويعرف تركيا عن قرب. وبينما جرى تغيير السفير التركي في واشنطن، يجري الحديث عن إمكانية إجراء تغييرات أوسع على مستوى وزارة الخارجية لفتح صفحة جديدة في الحوار مع واشنطن.

ومع بريطانيا، نجحت أنقرة في تحييد لندن عن الخلافات التركية الأوروبية في ظل خروج بريطانيا من الاتحاد، وحافظت على علاقات جيدة معها، ويتوقع أن تتوسع وتتطور خلال المرحلة المقبلة لا سيما مع التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، والسعي لتوسيعها لرفع مستوى التبادل التجاري الذي وصل إلى 25 مليار دولار.

ومع الاتحاد الأوروبي، ورغم الخلافات الحادة التي وصلت حد فرض عقوبات أوروبية على تركيا، إلا أن أنقرة أبدت رغبتها في الانفتاح مجدداً على الاتحاد وسط اتصالات متقدمة مع ألمانيا ودول أوروبية أخرى، ومن شأن أي تهدئة في ملف شرق المتوسط أن تفتح الباب واسعاً أمام إمكانية إحداث تقدم في العلاقات التركية الأوروبية يمكن أن ينعكس على الاقتصاد بشكل سريع.

ومع دول الخليج العربي، شملت تغييرات السفراء الأخيرة معظم دول الخليج. وجرى تسمية سفير تركي في الإمارات، ومع اقتراب المصالحة الخليجية والمؤشرات الكبيرة التي ظهرت على وجود مساعٍ لتقارب تركي سعودي خلال المرحلة المقبلة، فإن سيناريو تراجع الخلافات والانتقادات الحادة دبلوماسية وإعلامياً بالحد الأدنى بات وارداً جداً خلال العام الجديد.

ومع الزيارة الأخيرة للوفد المصري إلى العاصمة الليبية طرابلس عقب ساعات من زيارة الوفد العسكري التركي والحديث عن عودة العلاقات بين مصر وحكومة الوفاق، فتح الباب واسعاً أمام التكهنات حول إمكانية وجود تفاهم تركي مصري حول الملف الليبي لا سيما في ظل تراجع الخيار العسكري، وذلك عقب الأنباء عن وجود اتصالات انتقلت من مستوى المخابرات إلى المستوى الدبلوماسي بين القاهرة وأنقرة لتجاوز الخلافات بين البلدين ولو تدريجياً خلال المرحلة المقبلة.

وفي سوريا، يسود الهدوء في الأشهر الأخيرة كافة الجبهات، وباستثناء بعض الخروقات لروسيا والنظام في إدلب، إلا أن خطر المواجهات العسكرية الكبيرة تراجع بدرجة كبيرة. وعلى الرغم من عدم وجود أي تقدم حقيقي في مسار الحل السياسي النهائي، إلا أن تراجع احتمالات المواجهات العسكرية الكبيرة يعطي مؤشرات إيجابية نحو الاستقرار وإزالة جانب كبير من الصعوبات التي خلفتها الأزمة السورية على السياسة التركية الداخلية والخارجية.

وبعد أن سادت خشية من تحول الاشتباكات في قره باغ إلى صراع إقليمي تكون تركيا جزءاً منه، وعلى عكس التوقعات، نجحت أذربيجان من خلال الدعم التركي من حسم المعركة عسكرياً والتوصل إلى اتفاق سياسي حقق لباكو وأنقرة مكاسب حقيقية، وهو ما منح تركيا مكاسب سريعة وأدى لاستبعاد سيناريوهات المواجهة، بما يخدم توجهات الحكومة للتهدئة وتقليل مناطق الاشتباك وملفات الخلاف خلال المرحلة المقبلة، ومنح أنقرة مكاسب استراتيجية في آسيا الوسطى ستظهر على شكل مكاسب اقتصادية بشكل تدريجي.

وفي شرق المتوسط، وبعد أن وصل خطر الاشتباك الواسع إلى مرحل متقدمة، عاد الهدوء تدريجياً مع التوصل إلى آلية لتجنب الاشتباك في إطار الناتو، وإلى اتفاق على استئناف المباحثات الاستكشافية بوساطة ألمانية. وعلى الرغم من أن الأزمة ما زالت قائمة بقوة، إلا أن أنقرة ربما تنجح في تهدئة التوتر شرقي المتوسط، وتتوجه نحو الحوار بشكل أوسع، بما يمنحها مزيداً من المؤشرات الإيجابية التي ستنعكس على الاستقرار العسكري والسياسي وبالتالي الاقتصادي.

يضاف إلى ذلك كله، المؤشرات المتزايدة على إمكانية حصول تقارب تركي إسرائيلي خلال المرحلة المقبلة، فعقب تعيين سفير تركي في تل أبيب، وإعلان أردوغان عن وجود اتصالات على المستوى الاستخباري، تشير تقديرات إلى إمكانية استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بحلول مارس المقبل وإمكانية توقيع البلدين على اتفاق لترسيم الحدود البحرية بينهما.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سوري:

    لم تعد تخفى على أحد أطماع الرئيس التركي، والتي بسببها زج بجنوده إلى القتل خارج البلاد، ليعودوا إلى وطنهم في توابيت، ما دفع المعارضة التركية إلى الوقوف في وجه الوجود العسكري التركي في ليبيا وسوريا، وهو ما رد عليه أردوغان: قائلا: «لقد قدمنا الشهداء في غزوة بدر، وأحد، وحنين، والخندق، وفي دولة السلاجقة، وفي الدولة العثمانية وفي جناق قلعة، وسنستمر في تقديم الشهداء من بعد الآن»، ما يعني أن الجالس على عرش الحكم في تركيا لا يرضى سبيلا سوى المزايدة وسفك الدماء..

  2. يقول adly Abu Hajar:

    السيف اصدق انباء من الكتب

إشترك في قائمتنا البريدية