بغداد ـ «القدس العربي»: جددت السلطات التركية، تمسكها بمحاربة مسلحي حزب العمال الكردستاني “بي كا كا”، الذين تعدّهم أنقرة “إرهابيين”، ضمن الأراضي العراقية، في وقتٍ وصف ائتلاف “دولة القانون”، بزعامة نوري المالكي، موقف الحكومة العراقية مما اعتبره “الانتهاك التركي” بالـ “الخجول”، فيما رجّح مراقبون تدخل حلف شمال الأطلسي “الناتو” لحسمّ التوتر القائم بين العراق وتركيا.
وأول أمس، أعلنت قوات “الدفاع الشعبي”، مقتل اثنين من عناصر “حزب العمال الكردستاني” في منطقة خواكورك، شمالي محافظة أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق في الأول من يوليو/ تموز الجاري، خلال مواجهة مع الجيش التركي.
وقالت القوات، في بيان صحافي، إن “المقاتلين اللذين قتلا هما ماسيرو بوتان، وشاهو جاف”.
وأضافت، أن “معارك عنيفة اندلعت بين تشكيلاتها والجيش التركي في ساحة أرموش الواقعة في منطقة خاكورك”، وأنها “تمكنت من توجيه ضربات موجعة لتركيا”.
وتابعت: “تصدى اثنان من رفاقنا الكريلا (ماسيرو وشاهو) لهجمات العدو بكل شجاعة وبسالة ونالا شرف الشهادة دفاعا عن كردستان”، على حدّ البيان.
وسبق أن اعتبرت الحكومة العراقية أن العمليات التركية “تسيء” للعلاقات بين البلدين، وفيما طالبت بـ”وقفٍ فوري للاعتداءات”، ملوحة باللجوء إلى “المجتمع الدولي”.
على إثر ذلك، ردت وزارة الخارجية التركية مساء الأحد على موقف الحكومة العراقية، مجددة التأكيد أن أنقرة “ستدافع عن نفسها ضد أي نشاط تخريبي ينطلق من الأراضي العراقية، وذلك في إطار القانون الدولي، وستتمسك بحقها في اتخاذ الإجراءات اللازمة”.
جاء ذلك في بيان صدر عن المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، حامي أكسوي.
وذكر بيان المتحدث باسم الخارجية التركية: “سبق وأن أجبنا على المواقع العراقية بخصوص عمليتي مخلب النسر ومخلب النمر اللتين تستهدفان منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية الملطخة أياديها بالدماء، وتتخذ من العراق معقلاً لها. لكننا وجدنا مؤخراً بيانات جديدة لا أساس لها تنشر في المواقع العراقية”.
وقال أكسوي: “مرة أخرى نذكّر أننا مستعدون للتعاون والتصدي المشترك لحزب العمال الكردستاني، الذي يعرض أمن العراق للخطر وينتهك سيادته”.
وأكد المتحدث باسم الخارجية التركية أن: “طالما انتظرنا ولم يصدر رد، فإن تركيا وفي إطار القانون الدولي للدفاع المشروع عن النفس، ستتصدى لكل نشاط تخريبي ينطلق من أراضي العراق، وستستمر في اتخاذ الإجراءات اللازمة للرد على تلك النشاطات”.
موقف خجول
في الأثناء، استغرب النائب عن ائتلاف “دولة القانون”، منصور البعيجي، موقف الحكومة العراقية “الخجول” مما يجري من احتلال للأراضي العراقية من قبل الجانب التركي و”انتهاك” سماء البلاد من قبل الأمريكان مقابل “صمت” من قبل الحكومة جراء ما يحصل .
وأضاف في بيان صحافي، أمس، إن “تركيا تقوم بعمليات عسكرية داخل الأراضي العراقية تحت ذريعة محاربة حزب العمال الكردستاني، وهي في واقع الأمر تقوم بعملية احتلال للأراضي العراقية، ولم نر أي رد يرتقي بالمستوى من قبل الجانب العراقي، فأين اليمين الذي أقسموه على حماية البلد من أي اعتداء خارجي او داخلي”. وطالب، رئاسة مجلس النواب بـ”عقد جلسة طارئة للبرلمان العراقي من أجل مناقشة الخروقات التركية والأمريكية ووضع حد لهذه الخروقات، لأن الأمر لا يحتمل التأخير، وعلى اعتبار أن هذا الحدث كبير ويجب وضع حد أو القيام بإجراء رادع من قبل الجانب العراقي لمنع هذا التمدد التركي داخل أراضينا ولأي سبب كان” .
وتساءل: “هل يقبل الجانب التركي أن تقوم القوات العراقية بعمليات عسكرية داخل أراضيهم تطارد الإرهابيين عبر الحدود؟ بالتأكيد لن يقبلوا لذلك. أي دولة لن تسمح أو تقبل بتدخل قوات بلد آخر داخل أراضيها، لذلك، يجب استخدام كافة الوسائل لإخراج القوات التركية من أراضينا ومنع القوات الأمريكية من استخدام أي مناورات أو تدريبات عسكرية داخل أراضينا دون موافقة الحكومة الاتحادية حصرا”.
وتوقع مراقبون احتمالية تدخل حلف شمال الأطلسي “ناتو” من أجل إنهاء ملف حزب العمال الذي تحاربه تركيا داخل العراق، فيما حملوا حكومة الإقليم شيئاً من المسؤولية بذلك.
وقال مدير المركز الجمهوري للدراسات الأمنية والاستراتيجية في العراق (غير حكومي)، معتز محيي عبد الحميد، في حديث للوكالة الروسية إنه، “في الحقيقة، إن العراق دائما يقوم بالاحتجاج على ضوء ما يقوم به الجانب التركي من مطاردات واستهداف لحزب العمال المتواجد منذ فترة طويلة في سلسلة جبال قنديل، ومنذ عامين تقريبا توجه عناصر حزب العمال إلى مناطق أكثر حساسية في العراق وقاموا باحتلال جبل سنجار بعد تحريره من داعش (المحظور في روسيا) من جانب حكومة إقليم كردستان”.
وأوضح أن “العراق دائما وفي كل مرة يقوم باستدعاء السفير التركي لدى بغداد ويقدم له احتجاجا على هذه التوغلات والضربات الجوية، وهناك تقارير ذكرت قبل أسابيع أنه حدثت تفاهمات بين الجانب التركي والعراقي حول تلك الضربات، وأرسلت الحكومة التركية خلال الأسابيع الماضية وفدا عسكريا عالي المستوى اجتمع مع وفد عسكري عراقي بصورة سرية وتفاهموا على وضع العمليات القادمة، لأن الأتراك يريدون إنشاء قوات عسكرية في مناطق أخرى غير منطقة بعشيقة (بنينوى) والمتواجدين بها منذ فترة طويلة”.
توتر
وتابع مدير المركز الجمهوري، أن “تلك الاتفاقيات التي جرى توقيعها، سوف تجعلنا نشهد خلال الفترة المقبلة تمحور حلف عسكري للخلاص من مسلحي حزب العمال وإلقاء القبض على قيادات الحزب المطلوبة دوليا والمتواجدة في كردستان على الأراضي العراقية وتسليمها إلى تركيا، والتأكيد على أن تلك العناصر قد خرقت الأجواء المستقرة بين البلدين وأشعلت التوتر في المنطقة”. وأشار إلى أن “تلك العمليات عادة ما كانت تقوم بموافقة الرئيس صدام حسين قبل العام 2003 وضمن اتفاقية عسكرية تسمح للقوات التركية بالدخول والتوغل لمسافة 30 كم داخل الأراضي العراقية، على أن تجدد تلك الاتفاقية سنويا بشكل تلقائي دون لقاء بين الجانبين، ونحن ضمن هذه الاتفاقية، لذلك يجب أن تكون الرؤية الاستراتيجية القادمة ترتكز على طرد تلك القيادات من الأراضي العراقية بالتنسيق مع حكومة إقليم كردستان لأنها المسؤولة عن ادخال تلك القوات، لأن تلك المناطق النائية تكون ضمن المناطق التي تدخل تحت سيطرة قوات البيشمركه والاتحاد الوطني الكردستاني”.
ولم تتحرك الحكومة العراقية تجاه قيادات “حزب العمال الكردستاني” بهدف إيجاد حلّ للأزمة.
وأكد قائممقام سنجار محما خليل، أمس، إن زيارة الوفد الحكومي إلى القضاء، أول أمس، تأتي من أجل تقديم المساعدات لأهالي سنجار والعوائل العائدة من النزوح، مشيراً إلى أن الوفد رفض اللقاء بعناصر حزب “العمال الكردستاني”. وقال خليل في بيان، إن “زيارة وزيرة الهجرة ومستشار رئيس مجلس الوزراء، ومحافظ نينوى وأعضاء البرلمان والمسؤولين الخدميين والإداريين والعسكريين (إلى سنجار)، هي من أجل تقديم الخدمات والمساعدات لأهالي سنجار والعوائل النازحة العائدة”. وأضاف في البيان، أن “هذه الزيارة تمت بعد مناشدة الإدارة المحلية للقضاء وأهله للحكومة الاتحادية، التي لبت هذه المناشدة سريعا وقامت بإرسال وفد حكومي برئاسة وزيرة الهجرة”.
وأوضح، أن “الوفد اجتمع مع عوائل الضحايا والشباب والوجهاء والمسولين الأمنيين، وقام بتشكيل فريق واحد لتقديم أفضل الخدمات والمساعدات للعوائل النازحة الموجودة في المنطقة”، متابعاً أن “الوفد رفض الاجتماع واللقاء مع عناصر حزب العمال الكردستاني، المتمثل بمسؤول الـ (بي كا كا) فهد عمر حامد، المنتحل صفة قائممقام والمسؤول الكبير في الحزب”.
واعتبر أن “رفض الوفد اللقاء بفهد عمر، هو ترسيخ لفرض القانون وتثبيت وتأكيد هيبة الدولة، وتمهيد لخلق أجواء التعايش والتوافق في المنطقة”، داعياً إلى “الشروع بالخطوة الأخرى باعتقال هؤلاء لأنهم متطاولون على هيبة الدولة، ويتجاوزون على الوفود الزائرة”.