‘ نشر الصحافي الذي ينال التقدير دافيد اغناشيوس من ‘واشنطن بوست’ يوم الخميس الماضي، نبأ حصل عليه من محافل أمنية مخولة: الحكم في أنقرة سلم طهران هوية عملاء موساد ايرانيين التقوا مع مسؤوليهم الاسرائيليين في تركيا. وتتطلع أجهزة الاستخبارات في أرجاء العالم الى عقد لقاءات مع عملائهم في دول تكون فيها العلاقات مع الاستخبارات المحلية جيدة، الحيطة من كل تعقيد محتمل. العمل الذي قام به الاتراك يثبت أنهم أجروا متابعة لرجال الموساد في نطاقهم، كشفوا المواطنين الايرانيين الذين جاءوا للقاء مسؤوليهم، ورفعوا قائمة مرتبة كهدية لاجهزة الامن الايرانية. اذا كانت المنشورات دقيقة، فقد اعتقد عملاء الموساد بانهم يوجدون على ارض دولة صديقة، اما عمليا فقد تعاونت هذه مع اكبر اعداء اسرائيل. من الصعب الاستخفاف بالامر. فأجهزة أمن الدول الصديقة لا تفعل مثل هذه الامور ابدا، وحتى اجهزة الاستخبارات للدول التي ليس لها علاقات دبلوماسية لا تقوم بمثل هذا التعاون. ان أعمال أجهزة الاستخبارات التركية، التي لا بد تمت بتوجيهات من أردوغان، تجعل تركيا دولة عدوة بكل معنى الكلمة. ان سلوك اردوغان منذ صعوده الى الحكم يجسد المرة تلو الاخرى بان الحدث لا يدور عن زعيم موتور أو سريع الغضب، بل عن متطرف ذي عقيدة متزمتة ترى في اسرائيل خصما دينيا وايديولوجيا. بافعاله أحرق اردوغان العلاقات ليس فقط مع اسرائيل، بل أيضا مع أجهزة غربية اخرى. وفي نظرة الى الوراء واضح انه لم يكن هناك مكان للاعتذار ‘لتركيا، الذي جاء في أعقاب قراءة غير صحيحة للخريطة من جانب الادارة الامريكية وضغط شديد من واشنطن. فلا يمكن لاي اعتذار أن يعيد اردوغان الى صواب السبيل. فالنبرة المتطرفة في رسائله العلنية تتطابق مع سياسته تطابقا تاما. ولا يمكن لعلاقات اسرائيل ـ تركيا أن تتحسن إلا بعد تغيير نظام انقرة. لقد كانت قصة الحب الاسرائيلية التركية قصيرة وحامية الوطيس، ولكن مرت سنوات كافية للشفاء كي نضع خلفنا وهم العلاقات الخاصة بين الدولتين. ينبغي العودة الى تطوير العلاقات مع حلفاء آخرين أهملناهم بسبب المحاولة العقيمة لارضاء الاتراك، وانتظار اللحظة المناسبة التالية لتثبيت تحالف، انطلاقا من موقع قوة واحترام ذاتي. في الشرق الاوسط يمكن للتحول الانقلابي أن يأتي أسرع مما يمكن للمرء أن يتصوره. في السجل النهائي والبشع للتعاون مع تركيا يوجد أيضا درس أعمق، الشرق الاوسط لا يقدر الا من يقدر نفسه، هذه ليست مسألة فارغة من الذاتية و ‘الكرامة الوطنية’، بل هو شرط أساس في العلاقات الدولية وفي السلوك العقلاني في محيط غير غربي. اسرائيل لا يمكنها أن تعيد ترميم منظومة العلاقات عبر الاعتذارات واستجداء المصالحة. فالمس بمصالح الطرف الاخر والاصرار المصمم أمامه هما السبيل الوحيد للحفاظ على مصالحنا الحيوية، وهما ايضا ما سيعد التربة للمصالحة على المدى الابعد.’