لندن: في السابع من الشهر الحالي وقبل أيام من انعقاد قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في فيلنيوس، أعلنت الولايات المتحدة أنها سوف تزود أوكرانيا بذخائر عنقودية، إلى أن تتمكن من إنتاج أنواع أخرى من الذخائر. وهو قرار مثير للجدل يتعارض مع وجهات نظر حلفاء الناتو الذين حظروا امتلاك واستخدام هذه الأسلحة وفق اتفاقية الذخائر العنقودية لعام 2008.
وتقول كل من الدكتورة “باتريشيا لويس”، مديرة برنامج الأمن الدولي بالمعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني “تشاتام هاوس”، وراشمسين ساجو مديرة برنامج القانون الدولي بالمعهد، إنه رغم إعلان إدارة بايدن أنها تلقت تأكيدات من أوكرانيا بأنه لن يتم استخدام الذخائر في المناطق المأهولة بالمدنيين، وأن أوكرانيا سوف تحتفظ بتسجيلات وخرائط تتعلق بأماكن استخدامها وأنها سوف تقوم بعملية تطهير بعد الحرب، هناك مخاوف إنسانية كبيرة بالنسبة إلى استخدام القنابل العنقودية، وأن القرار الأمريكي الأوكراني يبعث برسالة خاطئة إلى العالم على نطاق واسع، لا سيما بالنسبة إلى الدول التي لم تنضم بعد إلى اتفاقية عام 2008.
وتضيف الباحثتان لويس وساجو في تقرير نشره معهد تشاتام هاوس إن كل قنبلة عنقودية يمكن أن تنشر عشرات أو مئات الذخائر الصغيرة على مساحة واسعة النطاق. وأحيانا لا تنفجر هذه الذخائر الصغيرة على الفور- وهو ما يطلق عليه معدل الفشل-، وتترك في البيئة، وغالبا ما تغوص في الأرض أو المياه. وفي الحروب الأخيرة، ظلت معدلات الفشل مرتفعة وتراوحت ما بين 10% إلى 40%، رغم أنها كانت أقل كثيرا في مرحلة الاختبار.
وكانت تداعيات هذه الذخائر الصغيرة التي لم تنفجر مماثلة للاستخدام طويل المدى للألغام المضادة للأفراد، وأسوأ منها في بعض الحالات.
وتبقى هذه الذخائر سنوات وحتى عقودا بعد الاستخدام، وغالبا ما يلتقطها الأطفال الذين يعتقدون أنها لعب وعند انفجارها يشوهون أو يقتلون. والنتيجة واحدة، سواء كان من أطلق هذه الذخائر عدوا أو من جانبهم.
كما أن استخدام هذه الأسلحة ينتهك القانون الإنساني الدولي، أي مبدأ التمييز (الحاجة في أي صراع مسلح إلى التمييز بين المقاتلين والمدنيين، وبين الأغراض العسكرية والمدنية). كما أن المخاوف تتعلق بانتهاك مبدأ التناسب والقاعدة المضادة للهجمات العشوائية.
وتعتبر اتفاقية الذخائر العنقودية جزءا مهما من القانون الدولي لحظر استخدام الذخائر العنقودية تمشيا مع مبادئ القانون الدولي الإنساني، الذي يركز على حاجات المدنيين.
وحتى الآن يبلغ عدد الدول أطراف الاتفاقية 111، وهناك 12 دولة موقعة عليها. وهي تحظر استخدام، ونقل، وتخزين الذخائر العنقودية. وتتطلب من الدول التي انضمت إليها تدمير مخزوناتها من هذه الأسلحة، وتطهير المناطق الملوثة بذخائر صغيرة لم تنفجر وتقديم المساعدات إلى الضحايا.
وتقول لويس وساجو إن الولايات المتحدة وأوكرانيا لم توقعا على الاتفاقية حتى الآن، وكذلك الصين والهند. ولكن بعض الدول الأوروبية انضمت إلى الاتفاقية، بما في ذلك أعضاء في الناتو مثل المملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا.
وفي حقيقة الأمر، أدى إبرام اتفاقية الذخائر العنقودية ودعمها من جانب الكثير من الدول حتى الآن إلى توقف مهم في استخدام الذخائر العنقودية من جانب بعض الدول غير الأطراف فيها، بما في ذلك الولايات المتحدة، ما يوضح أهمية الإدانة الدولية لهذه الأسلحة.
وأشارت لويس وساجو إلى أن روسيا تستخدم الذخائر العنقودية طوال حربها ضد أوكرانيا، إلى جانب الألغام الأرضية والأسلحة الحرارية/الفراغية. كما هددت باستخدام الأسلحة النووية. كما استخدمت أوكرانيا مخزونها من العهد السوفيتي من القنابل العنقودية.
ولكن حتى الآن لم تقم أي دولة من دول الناتو بتزويد أوكرانيا بقنابل عنقودية، وقد نفت تركيا وأوكرانيا تقارير تفيد بأن تركيا فعلت ذلك.
ويرى مؤيدو قرار الولايات المتحدة بأن عدد الذخائر العنقودية الأمريكية التي لن تنفجر أقل كثيرا من عدد الذخائر والألغام الأرضية التي لم تنفجر بالفعل في أوكرانيا.
كما يقولون إن عدد المدنيين الأوكرانيين الذين سيقتلون سيكون أكثر كثيرا إذا لم تواصل أوكرانيا هجومها المضاد، وأن أوكرانيا سوف تخسر الحرب إذا لم يتم تزويدها بالذخائر الملائمة.
واختتمت لويس وساجو تقريرهما بالقول إن غزو روسيا لأوكرانيا عامي 2014 و2022 غير قانوني. كما أن التهديدات باستخدام الأسلحة النووية والوضع المستمر في محطة زابوريجيا للطاقة النووبة متهورة إلى أقصى الحدود. وتعكس تصرفات روسيا حقيقة أن الحرب لا تتعلق فقط بوحدة أراضي وسيادة أوكرانيا، رغم أن هذا أمر أساسي. فهي تتعلق أيضا بالقيم، والالتزام بحكم القانون.
(د ب أ)