تسريبات عن لقاء مرتقب بين رئيسي مخابرات تركيا والنظام السوري.. السياق والأجندة والتوقعات 

إسماعيل جمال
حجم الخط
0

إسطنبول – “القدس العربي”:

عقب حديث مصادر عراقية -غير رسمية- عن لقاء مرتقب بين رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان ورئيس مخابرات النظام السوري علي مملوك في الأيام المقبلة في بغداد، ادعت صحيفة تركية أن مسؤولا تركيا أكد أن اللقاء سيعقد الأيام المقبلة، واصفةً اللقاء بـ”التاريخي” و”نقطة تحول مهمة”.

وخلال الأيام الماضية، نقلت وسائل إعلام عراقية عن مصادر أمنية قولها إن فيدان ومملوك سوف يلتقيان في بغداد خلال الأيام المقبلة، وذلك دون تأكيدات رسمية أو تحديد موعد للقاء. لاحقاً قالت “صحيفة تركيا” التركية إن مصدرا مسؤولا خاصا أكد لها صحة هذه المعلومات، لافتةً إلى أن المصدر أوضح أن اللقاء سيعقد “قريباً” وسيناقش ملفات هامة.

وعلى الرغم من انقطاع الاتصالات السياسية والدبلوماسية على كافة مستوياتها بين النظام السوري وتركيا منذ أكثر من 10 سنوات إلا إن الاتصالات تواصلت بين الجانبين على مستوى الاستخبارات، لا سيما في السنوات الأخيرة، حيث أكد مسؤولون كبار بينهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريحات سابقة على الإبقاء على خطوط اتصال بين جهازي استخبارات البلدين، معتبراً أن الاتصالات على هذا المستوى تبقى قائمة بين الدول لبحث الملفات المتعلقة بالأمن القومي مهما تصاعدت الخلافات السياسية.

وعملياً، جرت اتصالات ولقاءات مختلفة بين الاستخبارات التركية والسورية لمتابعة الكثير من الملفات المتعلقة بالعمليات العسكرية التركية داخل الأراضي السورية، وكان أغلبها بوساطة روسية حيث ضغطت موسكو مراراً على أنقرة للتنسيق مع النظام السوري خلال التوقيع على العديد من الاتفاقيات بين الجانبين التركي والروسي والمتعلقة بالساحة السورية وذلك لإظهار شرعية النظام السوري.

ويعتقد أن اتصالات على مستويات مختلفة جرت طوال السنوات الماضية، كان أبرزها خلال عمليات (درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام) العسكرية التي نفذها الجيش التركي شمالي سوريا لا سيما الاتفاقيات التي كانت تستضيفها موسكو عقب العمليات، وكان آخر لقاء على مستوى رؤساء الجهازين قد عقد برعاية روسية في موسكو بين المملوك وفيدان عام 2020.

وفي ظل عدم وجود أجندة معلنة للقاء السري غير المؤكد رسمياً فإن العديد من الملفات يتوقع أن تكون محور نقاش بين البلدين وذلك في ظل مجموعة كبيرة من المتغيرات السياسية والعسكرية التي تشهدها المنطقة، بالإضافة إلى العوامل الداخلية في سوريا وتركيا والتي قد تدفع البلدين لتقديم تنازلات تخدم مصالحهم خلال المرحلة الحساسة المقبلة.

فعقب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، يتعزز اعتقاد تركي داخلي على المستويين السياسي والعسكري أن إدارة الرئيس جو بايدن قد تقدم قريباً على خطوة مشابهة في سوريا وذلك من خلال سحب القوات الأمريكية المنتشرة شرق وشمالي سوريا، وهو ما يدفع أنقرة للتحرك لتكوين تصور لملء الفراغ الأمريكي إما من خلال عملية عسكرية واسعة -وهو سيناريو صعب يحمل مخاطر المواجهة مع النظام وروسيا- وإما من خلال اتفاق مع النظام السوري وتعاون مع روسيا يهدف لمنع الوحدات الكردية من السيطرة على أي منطقة وإنهاء حلمها بإقامة كيان انفصالي هناك، وهو ما يخدم الاستراتيجية التركية التي تعتمد على أن إقامة “كيان انفصالي” يعتبر الأخطر على الأمن القومي التركي.

من جانب آخر، يعتبر ملف اللاجئين من أبرز الملفات التي تشغل الحياة السياسية الداخلية في تركيا وذلك في ظل وجود 4 مليون لاجئ سوري ووصول مئات آلاف اللاجئين الأفغان وهو ما أثار الشارع التركي بقوة ضد أردوغان وحزب العدالة والتنمية الذي يسعى لترتيب صفوفه ليستطيع المنافسة في الانتخابات المفصلية المقبلة التي تشير التطورات إلى أن ملف اللاجئين سيكون حاسماً فيها.

وفي ظل هذه المعطيات، تسعى الحكومة التركية إلى تحقيق أي تقدم في ملف إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم قبيل موعد الانتخابات المقررة منتصف عام 2023 وهو ما يعني حاجتها للبدء بإجراءات مبكرة ليلمس الشارع التركي نتائج هذه الخطوات على الأرض في محاولة لسحب هذه الورقة من يد المعارضة التي تستغلها بقوة لإسقاط العدالة والتنمية في الانتخابات المقبلة والتي يمكن أن تجري قبل موعدها الرسمي بضغط من المعارضة.

كما أن هذه الخطوة، تأتي في إطار التوجه الأوسع لأردوغان لإعادة رسم العلاقات مع دول المنطقة عبر حملة دبلوماسية واسعة بدأت بمساعي إعادة تحسين العلاقات مع مصر والإمارات والسعودية ودول خليجية أخرى، مروراً بالجهود المتواصلة لإعادة تحسين العلاقات مع إسرائيل، وصولاً للقاء فيدان مملوك الذي يمكن وضعه في هذا الإطار، حيث تتهم المعارضة التركية أردوغان بأنه سبب في تأخر حل أزمة اللاجئين بسبب إصراره على عدم إجراء اتصالات مع النظام السوري.

ولا يستبعد أن يمهد اللقاء لإعادة تطبيع العلاقات بين البلدين وإن على مستويات منخفضة وبشكل تدريجي حيث تحتاج تركيا أي حلول ممكنة في ملف اللاجئين، بينما يحتاج النظام السوري أي اعتراف دولي وتسهيلات اقتصادية كما تشترك تركيا والنظام بهدف منع تمدد الوحدات الكردية، وهي ملفات يمكن للجانبين العمل عليها بشكل تدريجي بما يخدم مصالح الجانبين وهو ما قد يوصل إلى تطبيع العلاقات بين الجانبين.

وبعدما أنهت تركيا خطر تنظيم بي كا كا داخل البلاد، كثفت عملياتها بشكل كبير جداً ضد مراكز التنظيم في شمالي العراق، وتأمل في أن تؤسس لتعاون مع الجانب السوري يضعف التنظيم ونفوذه ويضبط الحدود السورية العراقية حتى تتمكن أنقرة من توجيه ضربة غير مسبوقة للخلايا التي ستبقى محاصرة في شمالي العراق ضمن استراتيجيتها الواسعة للحرب على التنظيم والتي توليها أولوية كبيرة جداً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية