الناصرة- “القدس العربي”: منذ كشف الرئيس الأمريكي بايدن عن الصفقة الإسرائيلية المقترحة، ليلة الجمعة الماضي، وتزامناً مع اجتماع مجلس الحرب، ليلة أمس، يواصل بعض الوزراء والنواب المتشدّدين إعلان رفضهم لها، والتهديد بإسقاط ائتلاف نتنياهو بحال تقدّم بها فعلاً، فيما يواصل وزير الخارجية الأمريكية بلينكن إجراء اتصالاته لدفعها نحو التطبيق.
بمشاركة الطاقم الإسرائيلي المفاوض، اجتمع مجلس الحرب، ليلة أمس، للمرة الأولى منذ خطاب بايدن، دون أن يصدر عنه موقف علني رسمي، وسط تسريبات متناقضة تماماً حول وجهة نتنياهو، فيما قدمت إسرائيل مقترحها لـ “حماس” بواسطة قطر، وفق ما كشفت عنه الإذاعة العبرية الرسمية.
من جهتها، لم تسلّم “حماس” رسمياً ردّها على المقترح الإسرائيلي، لكنها قالت في الإعلام إنها تنظر بعين إيجابية للمقترح الوارد على لسان بايدن، وكل صفقة تفضي لوقف الحرب، وإنها تريد سماع ذلك من إسرائيل علانية، علاوة على ضمانات بعدم تجديد الحرب، وهذه هي النقطة الجوهرية الخلافية في المداولات.
اجتمع خمسة من كبار الحاخامات من أجل بحث فكرة القيام بضربة استباقية تتمثّل بتفكيك الحكومة الآن قبل التقدم نحو صفقة
وطبقاً لمصادر إعلامية إسرائيلية، فإن إسرائيل قدمّت مقترحاً مشابهاً لمقترح “حماس”، الذي رفضته قبل شهر، بيد أنه مختلف هذه المرة من ناحية التفاصيل وأولويات وعدد المخطوفين ومراحل الإفراج عنهم. وعلى سبيل المثال؛ يتحدث المقترح الإسرائيلي عن مفاوضات من أجل استعادة الهدوء المستدام على ثلاث مراحل تستمر، ومعها وقف النار (دون قيود)، وعن ترحيل الإفراج عن 100 أسير فلسطيني من “العيار” الثقيل للمرحلة الثانية.
ونقلت الإذاعة العبرية الرسمية عن “مصدر مصري مطلع” قوله إن حكومة نتنياهو غير جادة في ما يتعلق بصفقة مطروحة حتى بعد خطاب بايدن، وذلك بسبب أمور سياسية داخلية. كما نقلت عنه ترجيحه أن ضغوط الإدارة الأمريكية على إسرائيل في مجال الصفقة محدودة، وأن “الصقور” داخل حكومة إسرائيل سيعطّلون مساعي تحقيقها. وحذّر من أن عدم استغلال إسرائيل هذه الفرصة لإتمام صفقة الآن سيقود أوضاعها وأوضاع كل المنطقة إلى تدهور. وتقول الإذاعة العبرية إنه بنظر الجانب المصري فإن الكرة الآن في ملعب إسرائيل في الأساس.
وكشف النقاب، هذا اليوم الإثنين، عن أن وزير المالية رئيس حزب “الصهيونية الدينية” المستوطن باتسلئيل سموتريتش تباحثَ مع زملائه في الحزب حول مداولات الصفقة. وفي التزامن؛ اجتمع خمسة من كبار حاخامات الحركة من أجل بحث فكرة القيام بضربة استباقية تتمثّل بتفكيك الحكومة الآن قبل التقدم نحو صفقة، بدلاً من انتظار اختمار “الصفقة المتهوّرة”.
كذلك، وفي تصريحات إعلامية، هدّد وزير الأمن القومي الوزير المدان بالإرهاب في محاكم إسرائيلية إيتمار بن غفير بتفكيك الائتلاف الحاكم، بحال تقدّم نتنياهو نحو “صفقة غير مسؤولة”.
وعلى خلفية هذه التهديدات، استدعى نتنياهو بن غفير لديوانه، ومن المفترض أن يلتقيا خلال هذا النهار لمنحه فرصة لقراءة مقترح الصفقة الإسرائيلية، وذلك بعدما احتج هو ووزراء آخرون على عدم طرح تفاصيلها عليهم، وإبقائها داخل مجلس الحرب فقط. وسيكون بن غفير الوحيد من المجلس الوزاري الموّسع الذي سيتم إطلاعه على التفاصيل. وكان الطاقم المفاوض الإسرائيلي قد امتنع عن طرح تفاصيل الصفقة المقترحة على الوزراء في المجلس الوزاري الموسّع، خوفاً من تسريبها، والسعي لتعطيل الصفقة قبل أن تولد، وقبل أن تكون قد وصلت للوسطاء ولـ “حماس”.
وحتى الآن لم ترد إسرائيل رسمياً على خطاب بايدن، بيد أن رئيس حكومتها نتنياهو أصدر بيانين، يوم السبت الفائت، تضمّنا رسالة مبطنة يتحفظ فيها من هذا الخطاب، برزت فيها الإشارة شبه المباشرة لعدم وجود دقة في طرح الرئيس بايدن.
وفيما يصمت نتنياهو حتى الآن تصدر عنه تسريبات متناقضة المضمون حيال موقفه من الصفقة، التي صادق عليه مجلس حربه، وحيال خطاب بايدن، الذي قام بتأطيرها، داعياً الإسرائيليين لالتقاطها ووقف الحرب والاستفادة من منافع متنوعة.
وفق هذه التسريبات، من أمس واليوم، أبلغَ نتنياهو شركاءه في الحكومة بأنه ملتزم أمامهم بعدم وقف الحرب، موضحاً أن احتمالات الصفقة منخفضة جداً، وأن بايدن لم يقدّم التفاصيل الدقيقة للمقترح.
في المقابل؛ نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت”، اليوم، عن أحد مستشاري نتنياهو قوله إن إسرائيل وافقت على الصفقة.
هذه التسريبات المتناقضة، وغيرها من الحسابات، تدفع سموتريتش للمشاورات مع الحاخامات والقيادات داخل حركته، رغم تسريبات عن نأي نتنياهو بنفسه عن الصفقة المتداولة، ما يدلّل على عدم ثقته به، علماً أنه كان قد وصفه، قبل شهور، بـ “الكاذب ابن الكاذب”.
يشار إلى أن استطلاعات متتالية، في الأسابيع الأخيرة، عكست رغبة أغلبية من الإسرائيليين بإتمام صفقة، آخرها استطلاع الإذاعة العبرية الرسمية، الذي يظهر أن 40% منهم يؤيدون نصها المقترح، كما جاء على لسان بايدن (مقابل 27% يعارضونها)، وهم يؤيدون وقف الحرب لاعتقادهم أن إسرائيل لن تنجح بتصفية “حماس”. وفي المقابل؛ دعا 55% منهم لتوسيع الحرب ضد “حزب الله”.
يشار إلى أن الرئيس بايدن كان قد خاطب الإسرائيليين، وهو يتحدث عن حيوية الصفقة، مشدداً على منافعها لإسرائيل، مغفلاً موضوع تسوية الدولتين، وتاركاً مستقبل “حماس” ضبابياً.
عن قيام بايدن، بدلاً من نتنياهو، بطرح ملامح صفقة مقترحة من قبل إسرائيل، وسط تساؤلات عن وجود تنسيق بين الطرفين قبيل الخطاب أم لا، تتحدث صحيفة “هآرتس” في افتتاحيتها اليوم تحت عنوان “نعم للصفقة”. إذ قالت إن بايدن شدّد على كونها صفقة إسرائيلية، وإن هذه الديناميكية الغربية مردها الانفصام بالشخصية التي تميز هذه الحكومة طيلة الحرب، وتمنع إسرائيل من إدارة نقاش حول “اليوم التالي”، أو السعي لإنهاء الحرب.
هآرتس: على إسرائيل الاستجابة لبايدن، وإلا بقيت دون أي شيء.. بدون مخطوفين، ودون انتصار على “حماس”، ومع جبهة شمالية ملتهبة، وانهيار اقتصادي، وحضيض دبلوماسي، وأوامر اعتقال من لاهاي
وتضيف: “ليس صدفة أن نتنياهو يفضّل مصطلحاً مجرّداً: “نصر مطلق”. لا قوة سياسية لديه لتحديد أهداف عينية، والنتيجة أن إسرائيل عالقة في حرب دون قدرة سياسية على الخروج منها. يحظر التعاون مع السعي لإبعاد الحكومة ورئيسها عن المقترح الذي كشف عنه بايدن، فهو يمثّل الموقف الإسرائيلي داخل الغرف المغلقة، لكنها لا ترى النور بسبب تهديدات اليمين المتطرف”.
وتقول الصحيفة العبرية إنه، حسب المقترح المذكور، تعترف إسرائيل بالحاجة لوقف الحرب، وإن “حماس” ردّت عليه بإيجابية.. هو الأمل الوحيد لاستعادة المخطوفين وإنهاء الحرب. واستذكرت قول بايدن: “من الممنوع تبديد هذه الفرصة، ومواصلة الحرب، ومطاردة مصطلح غير معرّف “نصر مطلق”.. وعلى إسرائيل الاستجابة لبايدن، وهو صديق حقيقي لإسرائيل، وبَرهنَ ذلك منذ اليوم الأول، وإلا بقيت دون أي شيء: بدون مخطوفين، ودون انتصار على “حماس”، ومع جبهة شمالية ملتهبة، وانهيار اقتصادي، وحضيض دبلوماسي، وأوامر اعتقال من لاهاي”.
وتخلص “هآرتس” للتأكيد على أن الأمر الوحيد الذي يمنع نتنياهو من “قبول” المقترح الإسرائيلي رغبته بالحفاظ على ائتلافه، وعلى حكمه، وأن المتطرفين معه يرغبون بمواصلة الحرب، وهم مستعدون للتضحية بالمخطوفين الأحياء، وهم معنيون باحتلال غزة وبناء المستوطنات، بل القيام بتهجير الفلسطينيين.
وختمت “هآرتس” بالقول إنه “لم يتبق فرص لفعل الشيء الصحيح، ووضع حدّ لكابوس بدأ قبل ثمانية شهور، فبايدن طرح على الطاولة فرصة كهذه، وملزمون باستغلالها”.
ويرى معلقها العسكري عاموس هارئيل أن عدم التقدم نحو صفقة في غزة ينعكس على الجبهة الشمالية، وإسرائيل قريبة من فقدان السيطرة هناك، ما يعني حرباً شاملة تبعاتها مدمّرة.
نتنياهو، الذي يشارك في مصادقة مجلس الحرب على الصفقة التي كشف عنها بايدن (من أجل منع نتنياهو عن التراجع عنها، ودفع الإسرائيليين للضغط عليه من أجلها)، يواصل، هو ومقرّبون منه، التحدث بلغتين، وتسريباتهم متناقضة، يلقون بـ “قنابل دخانية” للتعمية والتضليل، كما تقتضي رغبته بمواصلة المراوغة والمناورة، ولا يلوح في الأفق ما يشي بأنه راغب فعلاً بالصفقة التي شارك في طرحها لتخفيف ضغوط داخلية وخارجية عنه، بيد أنه ينوي التملّص مجدداً منها، وليس من أجل البقاء في الحكم، بل بحثاً عن نصر مفقود في غزة، أو عن صورة انتصار تحمي له ماء الوجه، بعدما عرّته الحرب الفاشلة، وتحول دون نظر الإسرائيليين له كتشمبرلن الإسرائيلي، بدلاً من تشرتشل، الذي طالما رغب بالتشبّه به.