يحدث أحيانا خلط بين قضية المطالبة التركية بالإعفاء من تأشيرة الدخول الأوروبية (شنغن)، وقضية أخرى تتعلق بالمساعي التركية للانضمام للاتحاد الأوروبي. هاتان القضيتان هما في حقيقة الأمر منفصلتان، فيمكن للدول أن تدخل في إطار حرية الحركة والحق في التنقل في الفضاء الأوروبي، من دون أن تكون جزءا من مؤسسة الاتحاد وهي حالة دول كسويسرا والنرويج وآيسلندا وليخشنتاين، كما يمكن أن يحدث العكس، فتصبح إحدى الدول عضوا في الاتحاد، لكن من دون أن توافق على اتفاقية التأشيرة الموحدة، التي تتيح الدخول والمرور عبر الحدود، من دون تدقيق وهو ما كانت بريطانيا، قبل خروجها من الاتحاد، المثال الأبرز له. مع ذلك ينظر كثيرون لإعفاء التأشيرة، حتى في نطاقات ضيقة، أو لفترات محدودة، كمؤشر على الاقتراب من الاندماج أو كخطوة في سبيل الانضمام للاتحاد.
في ما يتعلق بالموضوع التركي تبدو أوروبا منقسمة، ففي حين يرى عقلانيون وبراغماتيون، أن الاقتصاد والسوق والثقل الديموغرافي التركي، قد يشكل فرصة جديدة للاقتصاد الأوروبي المتعثر، تتابع أصوات أوروبية أخرى وضع العراقيل أمام أي توجه يهدف لإلغاء القيود على المواطنين الأتراك، مع علمهم بما تنتجه هذه العراقيل من تعقيدات في حركة التجارة، أو التعاون المشترك في أكثر من مجال.
بدأ كثير من الأوروبيين التعبير عن رأي مفاده أن الخوف من قدوم أعداد كبيرة من الشباب والعمال الأتراك هو بلا مبرر
يعود هذا النقاش وهذا التباين في وجهات النظر بين الأوروبيين إلى أكثر من عقد، وهو محتدم اليوم أكثر من أي وقت مضى في ظل الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تعيشها القارة، والتي تتزامن مع ظهور تركيا كشريك اقتصادي وتجاري موثوق وأكثر فائدة من الناحية الاقتصادية من كثير من الدول الأوروبية.
استراتيجيا برزت أهمية تركيا في الدور المهم الذي تلعبه كونها إحدى البوابات الرئيسة لدخول المهاجرين، ذلك كان يعني أنه بكسبها يمكن أن يتم تأمين مساحة واسعة من الحدود الخارجية لأوروبا. بالنسبة للأتراك فإن بلادهم قامت بكل التزاماتها تجاه موضوع التأشيرات، وهي تمنح الأوروبيين بالفعل حق الدخول بلا تأشيرة، والبقاء فيها لفترة تصل إلى تسعين يوما. التوافق على التنسيق بشأن المهاجرين ترتبت عليه اتفاقية كانت تركيا ملزمة بموجبها باستقبال أعداد كبيرة من اللاجئين العابرين عبر أراضيها، مقابل حزمة مساعدات مالية. ترتب على هذا الاتفاق أيضا تفاهم كان يقضي بالوصول إلى إعفاء التأشيرة للمواطنين الأتراك في نهاية عام 2016. الأوروبيون لم يكتفوا بالنكوص عن التعهد الخاص بالتأشيرات عبر الإعلان عن شروط جديدة وعن مطالبات لتركيا بتعديل قوانينها الداخلية بشكل يجعلها أكثر انسجاما مع الإطار الأوروبي، ولكنهم ذهبوا لأبعد من ذلك حين تلكؤوا في دفع المقابل المالي الذي هو أساس الاتفاق. الزلزال العنيف الذي ضرب مناطق واسعة في الجنوب التركي، وأدى لوفاة آلاف الأشخاص، شكّل فرصة للجانب الأوروبي للتعبير عن التضامن وإظهار الجانب الإنساني، وبخلاف تفاصيل نرى أنها بلا أهمية ولا تستحق الالتفات، كالكاريكاتير الأحمق لصحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية، الذي أظهر سخرية وشماتة في ضحايا الزلزال، فإن أوروبا الشعبية والرسمية كانت متضامنة بشكل كبير. تعبيرا عن التضامن أعلنت ألمانيا أنها ستقوم بإجراء تسريع لطلب الحصول على تأشيرة للمتضررين، إذا كان لديهم أفراد من أسرهم حاصلين على الجنسية الألمانية، أو مقيمين في ألمانيا. هذا يشمل أولئك الذين أصبحوا بلا سكن، أو الذين يحتاجون متابعة طبية وذلك بشرط وحيد وهو إثبات الإقامة في الولايات التركية المنكوبة.
كما قلنا في البداية، فإن أي خطوة في سبيل تسهيل الحصول على التأشيرة الأوروبية هي مؤشر جيد، وقد يقود إلى خطوات أخرى نحو إلغاء التأشيرة، وكل ما يترتب عليها من حواجز، لكن السؤال هنا هو: ما الذي يعنيه حقا «تسريع الطلب» أو ما يسمى «فاست تراك»؟ هذا التعبير لن يعني إمكانية السفر بلا تأشيرة، كما أنه لن يعني أن التأشيرة أصبحت مضمونة بشكل تام، أو أن دولة أوروبية سوف تتحمل تكلفة إقامة القادمين ورعايتهم، لأنه ما يزال على القريب المقيم صاحب الدعوة واجب إثبات مقدرته على استضافة الشخص، أو الأشخاص القادمين، من بين متطلبات أخرى قد تجعل الأمر أكثر تعقيدا. يجب وضع هذا في الاعتبار وعدم الاكتفاء بالدعاية المتفائلة التي تركز على تقلص الأوراق المطلوبة لملف التأشيرة وفق «فاست تراك» من سبع عشرة إلى تسع فقط، أو على ما تم إعلانه من أن تحديد موعد عبر الإنترنت لن يكون مهما لتقديم الطلب. على سبيل المثال يجب الانتباه إلى أن التأشيرة مثار الحديث مدتها لا تتجاوز ثلاثة أشهر، ولا أحد يعلم حتى الآن ما إذا كانت قابلة للتمديد وكيف يكون ذلك. يجب أن نضع في الاعتبار أيضا أن هذه المبادرة ليست على مستوى مؤسسة الاتحاد، بل تشمل بعض الدول، كألمانيا وسويسرا وهولندا وبلجيكا، وفي حين يتوقع أن تقوم دول أخرى بإعلان مشابه، يجد هذا التسريع معارضة واضحة من النمسا، التي للغرابة تشارك بفريق إنقاذ مهم داخل الحدود التركية ويتفاعل شعبها بشكل راقٍ وإنساني مع هذه المأساة. في عددها للأسبوع الماضي أعادت مجلة «إيكونومست» فتح ملف المشكلة الديموغرافية الأوروبية، عبر تقرير أطلقت عليه اسم «فجوة المواليد» وتعلق بالجنوب الأوروبي. كان اختيار الجنوب، الذي ظل أكثر تقليدية ومحافظة من دول الشمال، معبرا عن الأزمة التي تعيشها أوروبا، والتي تتمثل في التناقص المخيف في أعداد المواليد.
يسهب التقرير في تحليل الأسباب الاجتماعية والاقتصادية لنقصان المواليد في تلك المناطق، لكن المهم هو أنه يذكر من جديد أن أوروبا تواجه مستقبلا مظلما في نواحي النمو والاقتصاد إن بقي حالها على ما هو عليه الآن. الغريب هنا هو أن الحل في متناول اليد. بشكل عقلاني بدأ كثير من الأوروبيين التعبير عن رأي مفاده أن الخوف من قدوم أعداد كبيرة من الشباب والعمال الأتراك هو بلا مبرر، فمن ناحية لم تعد الدول الأوروبية مغرية كما كانت لأجدادهم بسبب تعقيدات إجراءاتها وتراجع اقتصاداتها، ومن ناحية أخرى فإنه حتى مع افتراض قدوم واستقرار الملايين مع أسرهم وأطفالهم، فإن ذلك لن يشكل خصما على أحد، بقدر ما سيكون إضافة على المستويين البعيد والمتوسط للمجتمعات الأوروبية.
اليمين الأوروبي الرافض للمهاجرين يدرك هذه الحقيقة، لكنه يحتفظ بموقفه الرافض لدمج تركيا، ذات الغالبية المسلمة، ولو على مستوى إلغاء التأشيرة وتسهيل الإقامة لمواطنيها. بعض هؤلاء اليمينيين يبنون منطقهم على الربط بين تركيا والإرهاب وهي نقطة ظلت لعقود محل جدل فلسفي حول المصطلح وتعريفاته، لأنه من الواضح أن لكل من الأطراف المختلفة، داخل وخارج الاتحاد الأوروبي، تعريفا خاصا بها حينما يتعلق الأمر بالإرهاب والتنظيمات الإرهابية. اليوم، ومع اتهام تركيا لدول أوروبية بإيواء إرهابيين، أصبح الحديث عن الإرهاب معقدا وملغوما أكثر. بالنسبة للسياسيين العنصريين، الذين بات صوتهم الانتخابي والإعلامي أعلى بكثير من غيرهم، فإن حل المسألة الديموغرافية الوحيد يكمن في تشجيع الشباب الأوروبي على الارتباط الجاد وعلى إنجاب الأطفال، وإذا لم يكن ذلك ناجحا، فإنه يجب فتح الباب والاستعانة بدول «شبيهة» وبمواطنين يتشاركون الهوية و«القيم» الأوروبية، كما حدث في حالة الترحاب الاستثنائية باللاجئين الأوكرانيين.
كاتب سوداني
قرأت خبر من اسبوع في موقع الجزيرة عن عدد الذين تقدمو بطلب لجوء في عام ٢٠٢٢ اقل من مليون بقليل وعلى رأس القائمة يأتي السوريين والافغان ثم الترك ولا استطيع ان اجزم بدقة الخبر ولكنه صادم و غريب فاذا كان حقيقي فما هي مبررات طلب اللجوء وقبولها اذا !؟ و لذلك تبدو المخاوف الاوربية من تدفق جديد في محلها ويجب تناول الموضوع بشفافية من جوانب اخرى غير بنود اتفاقية ٢٠١٥