تشاتام هاوس: هكذا خسرت روسيا مكانتها وسمعتها بعد سقوط الأسد وتحرّرت من شريك صعب

حجم الخط
0

لندن: يرى المحلل السياسي نيكولاي كوزانوف أن سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد قد ألحق ضرراً بالمصالح الروسية على نحو يتجاوز حدود سوريا.

فأولاً، يعد انهيار النظام بمثابة ضربة خطيرة لسمعة روسيا كحليف موثوق به قادر على ضمان بقاء شركائه.

وقال كوزانوف، وهو أستاذ مساعد باحث بمركز دراسات الخليج بجامعة قطر، وزميل استشاري في برنامج روسيا وأوراسيا في معهد تشاتام هاوس، إنه، منذ تدخلها العسكري في عام 2015، تضع آلة موسكو للدعاية روسيا في موقع ضامن الاستقرار وحامي للنظم (عادة الديكتاتورية)، من الضغط الخارجي والتهديدات الداخلية.

بحلول عام 2024، أظهر الاقتصاد السوري، المدعوم بتجارة المخدرات غير المشروعة ومخططات الفساد، إشارات إلى انهيار وشيك

وأضاف كوزانوف، في تقرير لمعهد تشاتام هاوس (والمعروف رسمياً باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية) أن خسارة الأسد سوف تقوّض ثقة الحلفاء المحتملين في الضمانات الروسية. وعلى الأقل، سوف يكون من الصعب بالنسبة لموسكو أن تقول “إننا لا نتخلى عن أي أحد”.

وفقدت روسيا أيضاً استثماراتها، وليس فقط القروض بملايين الدولارات التي قدمتها لنظام الأسد، بل ذهبت الجهود العسكرية والدبلوماسية للحفاظ على الأسد هباء ببساطة، ولن تجلب أي مكاسب. وكان الوجود العسكري الروسي في سوريا منذ فترة طويلة رمزاً لثقل موسكو السياسي في شؤون الشرق الأوسط. وعلاوة على ذلك، فإن الوجود العسكري لروسيا في سوريا أدى بشكل كبير إلى تحالف موسكو الحالي مع إيران.

وتابع كوزانوف أنه مع سقوط الأسد، فقدت موسكو هذا النفوذ. ولكنه قد أظهر بوضوح أن من المبكر (أو ربما فات الأوان) بالنسبة لروسيا أن تؤكد نفسها كقوة عالمية.

ورغم تصريحات بعض الخبراء الروس، لا تقع المسؤولية عن خسائر روسيا في سوريا على عاتق الولايات المتحدة، أو الرئيس المنتخب دونالد ترامب، أو الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن. وكانت إجراءات الفاعلين الإقليميين، تركيا وإسرائيل، إضافة إلى الضعف الخطير الذي أصاب إيران، هي السبب وراء هذه الخسائر.

وأخيراً، كانت طموحات روسيا في أفريقيا موضع تساؤلات أيضاً.

وكانت قاعدة حميميم في سوريا عنصراً مهماً في العملية اللوجستية العالمية لروسيا، حيث كانت تسهل نقل القوات والأسلحة الثقيلة إلى أفريقيا. وسوف تحتاج روسيا الآن بشكل عاجل إلى إعادة هيكلة طرق للدعم الذي تقدمه.

وهذا أمر ممكن، ولكنه سوف يتطلب أموالاً ووقتاً وجهداً.

غير أن خسائر روسيا ليست كارثية. وكان اقتصاد الحرب للبلاد، الذي وضعه الأسد، بيئة سامة حيث إنه حتى رجال الأعمال الروس والإيرانيون كافحوا للعمل هناك. ولم ير الأسد نفسه أيّ سبب لتبني دعوات روسية للتغيير. وكان غارقاً في مناورات سياسية داخلية، حيث كان يدمّر، أو يضعف مواقف أولئك الذين قاتلوا إلى جانبه في بداية الحرب الأهلية.

وبحلول عام 2024، أظهر الاقتصاد السوري، المدعوم بتجارة المخدرات غير المشروعة ومخططات الفساد، إشارات إلى انهيار وشيك.

ووصل الشعور باليأس بين الشعب، وغياب الدوافع بين وحدات الجيش إلى ذروته، ما حول النظام إلى دولة جوفاء. وكان هذا الوضع على النقيض تماماً مع جيوب المعارضة المدعومة من جانب تركيا، ما خلق احتمال إيجاد بديل لنظام الأسد.

وبالنسبة للروس كان هذا يعني الاختيار بين تكرار مصير الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، وتحمّل المسؤولية المالية والاقتصادية والعسكرية الكاملة عن سوريا بقيادة الأسد، وتمويل اقتصادها بالكامل، والقتال نيابة عن الجيش السوري، أو التراجع. ومع الوضع في الاعتبار الحرب الرئيسية لبوتين في أوكرانيا، كان الخيار الأول غير واقعي.

ومكّنَ سقوط دمشق، رغم أنه ضربة لا شك فيها للطموحات الروسية في المنطقة، الكرملين من الخروج من صراع طويل لم يكن في حاجة إليه. وكان من الممكن أن يكون تغيير السلطة في سوريا أسوأ بالنسبة لموسكو. وأبدت قوات المعارضة استعداداً للتفاوض مع العالم الخارجي، وتركت آليات الدولة سليمة. وهذا أمر مهم بالنسبة لروسيا، حيث تفضّل موسكو عادة التعامل مع مؤسسات الدولة وليس مع عناصر غير حكومية.

وبصفة عامة، ربما لا يزال هناك مكان لروسيا في سوريا في حقبة ما بعد الأسد (رغم أن فرص موسكو في الاحتفاظ بالسيطرة على قاعدتي حميميم وطرطوس العسكريتين متدنية للغاية). ولا تعد صورة الروس في أعين الشعب السوري دائماً سلبية مثل صورة إيران أو حاشية الأسد. وشكّلت قوات موسكو درعاً بين الإيرانيين والنظام من جهة، والمناطق التي وقّعت اتفاقيات وقف إطلاق نار مع دمشق من جهة أخرى. وحافظت روسيا على قنوات اتصال مع قوات المعارضة السورية، وحاولت، حتى من حين لآخر، إيجاد بديل للأسد.

وفهمت قوات المعارضة السورية جيداً أن مستقبل البلاد يكتنفه الغموض، وكانت تريد أن تكون روسيا، إن لم تكن كصديق، طرفاً محايداً. ومن المحتمل أيضاً أن يكون قد تم التوصل إلى بعض الاتفاقات بين روسيا والمعارضة عشية، أو خلال، الزحف إلى دمشق.

وتصرفت السفارة الروسية في دمشق بهدوء إزاء تطور الأحداث التي كانت تتكشف، بينما أقامت موسكو علاقات دبلوماسية مع المعارضة بسرعة ملحوظة. ووافقت المعارضة على عدم المساس، في الوقت الحالي، بالقواعد الروسية في حميميم وطرطوس.

وبعد سقوط الأسد، من المرجح أن تتخذ روسيا إستراتيجية الانتظار والترقب في محاولة لفهم الطريقة التي سوف يظهر من خلالها نظام جديد في سوريا.

كان على الروس الاختيار بين تكرار مصير الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، وتحمّل المسؤولية المالية والاقتصادية والعسكرية الكاملة عن سوريا بقيادة الأسد، وتمويل اقتصادها بالكامل، والقتال نيابة عن الجيش السوري، أو التراجع

وسوف يكون الهدف الرئيسي لموسكو الحفاظ على أدنى مستوى على الأقل من النفوذ من خلال وجود عسكري، على سبيل المثال في قواعدها، أو من خلال اتصالات مع قوى إقليمية أخرى، مثل تركيا.

وفي نفس الوقت، سوف تسعى موسكو للتقليل إلى أدنى حدّ التكاليف، وتعيد توجيه نفسها صوب مناطق واعدة أكثر في الشرق الأوسط، مثل النظم الملكية في منطقة الخليج. وسوف تظل سوريا مهمة، ولكن لن تعد عنصراً له أولوية في الإستراتيجية الروسية في المنطقة. غير أن الوضع في سوريا ربما يكون له تأثير مهم على أوكرانيا. ويتمثّل أحد الاستنتاجات التي ربما يستخلصها الخبراء الإستراتيجيون في الكرملين في أن سقوط الأسد كان نتيجة تقديم الكثير من التنازلات للخصوم، ما يسمح بأن تصبح الحرب الأهلية نزاعاً مجمداً طويلاً، وفشل في استعادة جيوب تحت سيطرة العدو.

واختتم كوزانوف تقريره بالقول إنه في أوكرانيا، يمكن أن يتضح هذا في رفض دعوات وقف إطلاق النار أو إجراء مفاوضات. ومن المرجح أن تتخذ روسيا موقفاً أكثر تشدداً حيث تعتقد أن نهج القوة فقط وفرض شروطها يمكن أن يضمن نتائج إيجابية على المدى الطويل.

(د ب أ)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية