تشارين آل الأسد

حجم الخط
11

في مناسبة الذكرى الأربعين للحرب التي سُمّيت ‘تحريرية’، أستعيد مجدداً حكاية تخصّ نظرة النظام السوري، وحافظ الأسد شخصياً، إلى مناطق محددة من الوطن الواحد؛ وكيف يمكن لتلك النظرة أن تأخذ صفة تمييزية، تحقيرية وتصغيرية واختزالية، رغم أنّ المعطيات العامة تستوجب العكس تماماً: أي الإعلاء والتكريم. ففي شهر أيلول (سبتمبر)، سنة 1973، أعلن إعلام النظام أنّ الأسد سوف يزور المحافظات الشرقية في مطلع الشهر القادم، تشرين الأول (أكتوبر)؛ مستكملاً، بتأخّر دام ثلاث سنوات، سلسلة الزيارات الاستعراضية التي قام بها، بعيد انقلابه العسكري في تشرين الثاني (نوفمبر) 1970، إلى جميع المحافظات السورية.
ما عدا الشرقية منها، إذاً: الرقة، دير الزور، والحسكة؛ وقيل إنّ الأسد كان يعتبرها معادية له شخصياً، ومناهضة لنظامه استطراداً. ذلك لأنّ عواطف أهل الرقة ودير الزور هي مع العراق تاريخياً، بسبب أواصر القربى والثقافة واللهجة؛ وعواطف أهل الجزيرة، أو غالبية سكانها الكرد، ترتبط بأشقائهم في أطراف كردستان العراقية والتركية. وزير الإعلام الأسبق محمد سلمان، وقبل أن يتولى منصبه الوزاري هذا، كان قد عُيّن محافظاً للرقة؛ ويروي أحد معارفه أنّ الأسد استقبله ليزوّده بتوجيهاته، كالعادة، فقال له: لا تنسَ يا محمد أنك ذاهب إلى محافظة معادية!
وفي نظر أهل هذه المحافظات، الذين لم تكن لديهم أوهام حول مدى ما يتعرّضون له من إهمال في دوائر العاصمة والسلطة المركزية، بدا الإعلان عن زيارة الأسد إلى أصقاعهم النائية غريباً، وباعثاً على الآمال في آن معاً… إلى حين فقط، لسوء الحظ! فالوقائع اللاحقة كشفت أنّ أنباء الزيارة كانت خدعة، فقط، لذرّ الرماد في عيون الإسرائيليين؛ وذلك بعد اتفاق الأسد وأنور السادات والملك حسين على موعد بدء الأعمال الحربية، في سياق ما سيُعرف باسم ‘حرب تشرين’. دهاء الأسد، الذي يُشهد له بخُدَع أكثر تشاطراً وباطنية، لم يتفتّق إلا عن هذه الحيلة: إذا كان سيزور المحافظات الشرقية مطلع تشرين الأول، فإنّ التقارير عن تحرّكات عسكرية سورية على جبهة الجولان قد تفقد بعض مغزاها العسكري، في ناظر غولدا مائير وأركان الجيش الإسرائيلي.
وشخصياً، لأنني ابن مدينة القامشلي، أذكر تماماً أنّ مرارة ما جرى بعدئذ على الجبهة، في سياق هزيمة عسكرية لم تكن أقلّ مهانة من أختها، هزيمة 1967؛ امتزج في وجدان أهل المحافظات الشرقية بمرارة إضافية، نجمت عن خداع الأسد لهم. لقد بدا مهيناً تماماً، وجارحاً، أنّ تُقام الزينات وتُرفع أقواس النصر وتُوضع البرامج الحافلة، والمسألة في نهاية المطاف لم تكن سوى أكذوبة… بيضاء أو سوداء، سيّان! وقيل يومها، بعد أن وضعت ‘الحرب’ أوزارها، واستسلم النظام، ونُصبت ‘خيمة سعسع’، وجرى ما جرى في سياقات اتفاقيات فصل القوّات؛ إنّ الأسد سوف يزور هذه المحافظات، ولكن في وقت لاحق. ومضت الأعوام، وانصرمت العقود، ورحل الأسد دون أن تطأ قدمه شبراً في تلك ‘المناطق المعادية’!
ما يتوجب استذكاره، أيضاً، هو حقيقة أنّ هذه المحافظات الشرقية هي بعض أبرز ‘أهراء سورية’، على نحو أو آخر، وفيها تتمركز ثروات البلاد ومواردها الأساسية: في الحسكة النفط وزراعة الحبوب التي تعدّ محاصيل ستراتيجية، وفي دير الزور النفط أيضاً والثروات المائية، وفي الرقّة الكهرباء وسدّ الفرات. ولولا تلك النظرة الانتقاصية، الدفينة عميقاً في نفس الأسد، فإنّ زيارة شكلية إلى تلك المحافظات كانت ستمحو بعض آثار الأكذوبة؛ وكانت في كلّ حال ستمنحه فرصة الخطابة في ‘جماهير شعبنا المناضل’، و’أبناء شعبنا الأبي’، والتشدّق بما يتشدّق به عادة، حول ‘الصمود’ و’التصدّي’ و’الشجاعة’ و’البذل’ و’التضحية’ و’روح الفداء والعطاء’…
والحال أنّ المفردات السابقة، داخل علامات الاقتباس، مستمدّة جميعها من خطبة الأسد الشهيرة، بعد أسبوع على اندلاع ‘حرب تشرين’ إياها، حين ظهر على تلفاز النظام، جنرالاً محارباً باللباس العسكري، فتزاحمت على لسانه عبارات لم تكن طنانة رنانة جوفاء في معانيها الدلالية اللغوية الصرفة (من طراز ‘كنّا يقظين ساهرين، نرصد حركاته وسكناته، ونستعدّ ونتأهب’)، فحسب؛ بل مقارنة بما كانت بطاح الجولان تشهده فعلياً من هزائم متتالية، على مدار الساعة، بعضها انطوى على غدر متعمّد بالمقاتل السوري، وبعضها كان خيانات صريحة. ألم يكن أيّ تمرين جديد على استخدام تلك البلاغة، طيّ خطابات يلقيها الأسد في مدن مثل الرقة أو دير الزور أو القامشلي، كفيلاً بإشباع نرجسيته العسكرية التي اندحرت، ومُرّغت بالعار، ولم تُجرح فقط؟
الإجابة، كما أشارت الوقائع، كانت بالنفي: ـ سواء في انقلاب 1970، أو هزيمة 1973، أو قمع انتفاضة الكرد سنة 2004، أو التنكيل الأشدّ وحشية بمحافظتَيْ دير الزور والرقة خلال الانتفاضة الشعبية الراهنة… ـ كانت تشترط إبقاء الخريف، هناك: دائماً، تمييزياً، حاقداً، كارهاً، وهمجياً. فلا يجهلنّ أحد على سليم بركات، أحد أبواق النظام ومنظّري جاهليته، حين يقول إنّ المؤامرة الراهنة على سورية، ومعها ‘مخططات إذكاء الفتن الطائفية والإقليمية’، إنما بدأت في تشرين الأوّل 1973، مع هزيمة إسرائيل على يد ‘القائد الأسد’. لِمَ لا، فنحن في الشهر الجميل، المنتهَك المغتصَب ذاته؛ وكلٌّ ‘يُتَشْرِن’ على هواه!

 

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول حميد:

    اذا الاسرائيليين بيعتبروا انهم انهزموا ب73 , فكيف انهزمت سوريه ؟ واذا انهزمت سوريه فكيف انتصرت مصر , يااخي لاتشخصن الامور .

  2. يقول أنور - برشلونة:

    لا تحزن يا أخ صبحي على عدم زيارة السفاح المقبور لمدن الجزيرة السورية كلها فهذا فخراً لها وليس انتقاصاً منها . فهنيئاً لكل المدن السورية التي لم تتنجس بزياراتٍ من قبل ذلك السفاح وابنه المجرم

  3. يقول ابو الشمقمق:

    كان حافظ الأسد بعد أن تفرغ من التصفيات ، يحتاج لحرب 1973 لتثبيت سلطته امام من كانوا يصدقون ادعاءات الصمود والتصدي وكان بحاجة للإسرائيليين بعدها لاستخدام الممانعة في القمع الداخلي لذلك لم يوقع معهم اي اتفاقية سلام برغم أن الحدود السورية أهدأ من حدود سيناء التي عادت لمصر باتفاقية سلام . كانت آلية الحرب الظاهرية بين هذه الأطراف تستلزم بعض المناوشات بين الحين والآخر، هذه المناوشات في كثير من الأحيان تبدو ظاهريا ضد اسرائيل بينما هي فعليا ضد الطرف الآخر ، الشعب المخيف !
    ثانياً – بدأت الأعمال القتالية بالتزامن مع القوات المصرية تحت تمهيد مدفعي وجوي كثيف مع تغطية جوية ناجحة بوسائط الدفاع الجوي والطيران للقوات المهاجمة . كان مقدراً للقوات السورية عند بدء الهجوم الساعة ( 05 و 14) أي الساعة الثانية بعد الظهر ) من يوم السبت السادس من تشرين أول – اوكتوبر 1973 أن تتقدم خلال ساعتين من خطوط الانطلاق إلى نهر الأردن (مسافة 30- 40 ك م )ثم التوقف والتمسك بمواقع دفاعية حسب الأمر العملياتي الصادر عن قيادة الجيش الذي تدرب على هذه المهمات مرات عديدة . بالفعل تقدمت الفرقة الشمالية ( بمحاذاة جبل الشيخ ) والفرقة الجنوبية (بمحاذاة الحدود الأردنية ) بنفس المخطط فوصلت طلائعها إلى بحيرة طبريا أما الفرقة الوسطى فتلكأت كثيراً ولم تستطع التقدم بسسب نقطة استناد واحدة ( أوقعت خسارة 200 دبابة أمامها ) في يومين على محور القنيطرة فاثرت على الفرقتين فاضطرتا إلى التوقف فهاجمتهما القوات الاسرائيلية الاحتياطية القادمة من العمق واستطاعت صد القوات المهاجمة وتطوير هجومها نحو دمشق والاستيلاء على مساحات إضافية من الأرض حتى وصلت إلى تل عنتر غرب الكسوة ب 3كم ! . تم وقف اطلاق الناريوم 22/11/ بزيارات مكوكية من هنري كسينغر وزير الخارجية الأمريكية كان قائد الفرقة التعيسة علي أصلان الذي يفتقر إلى الكفاءة والخبرة والتجربة عكس مايشيع على نفسه . كافأ حافظ ابن ناعسة علي أصلان بعد انتهاء الحرب وعينه رئيس أركان الجيش لاحقاً …………..

  4. يقول ابو الشمقمق:

    حاشية على هزيمة 1973 : ………………………
    – كان أشجع رجل للحقيقة والتاريخ الذي وصف تلك الحرب بالهزيمة هو القذافي
    – من الطبيعي أن يثور ويغضب أنصار الطاغية حاقظ أسد وابنه الوريث من بعده لايضاح هذه الحقائق …..لأنهم كانوا مايزالون في بطون أمهاتهم عندما جرت تلك الحرب ، وكثير من المقاتلين الحقيقيين مازالوا أحياء ، أما آباؤهم وأجدادهم فقد قلبوا نتائج الهزيمة إلى نصرواستثمروا دم الشهداء في أبشع الصور بابتلاع الدولة من بابها إلى محرابها وأصبحت المخابرات هي التي تقود الوطن إلى الدمار وتحول تاريخ الوطن وحاضره ومستقبله رهينة في بنوك اليهود في روسيا وايران وأوروبا ………..
    – الكثير من الأجيال الحالية مصدومة من هذه الحقائق وخاصة من عبدة الطاغوت …ونحن نعذرها لأنها تعرضت خلال أربعين هاماً من الكذب والتضليل والخداع وغسل الدماغ ، ساهم فيه كل أجهزة المخابرات والحزب والآلة الاعلامية للحكم الديكتاتوري الذي سرق الوطن وقتل الشعب . .
    – ورد جزء كبير من الحقائق في المراجع المختلفة لهذه الحرب العربية والأجنبية ومن الصديقة والمعادية ومن أهمها كتاب الفريق سعد الدين الشاذلي المعنون ( الطريق إلى رمضان ) .
    – قام الديكتاتور بإنشاء رموزاً لتخليد تلك الهزيمة مثل (بانوراما) الحرب وصرح الجندي المجهول ….ونصب مئات التماثيل له ولحاشيته لخداع الشعب ببطولاته وبطولات أبنائه .وقد كلفت مئات الملايين من الدولارات في الوقت الذي كان أبناءالشهداء يشحدون في الشوارع .
    – لدينا ، كما لدى الأحياء كل الوثائق التي سننشرها بعد انتصار الثورة تبين الأسرارالخفية التي حدثت في تلك الحرب وغيرها . حاشية على هزيمة 1973 : ……………………

  5. يقول احمد العربي:

    حرب تشرين كانت نقطة انعطاف وتحول استراتيجي في التاريخ العربي المعاصر لقد غسلت عار هزيمة حزيران وحطمت اسطورة الجيش الصهيةني الذي لايقهر ولا اظن احد يمكنه نكران تلك الحقيقه في مقال او في قصيده ان بطولات السوريين والمصريين وباقي الجيوش العربيه التي شاركت في تلك الحرب المجيده موثقة ومؤكده ولا ينكرها منصف الا لغاية في نفسه وهذا لايغير من الحقيقة في شئ لقد وصل الجيش السوري الى بحيرة طبريا في الايام الاولى للحرب وتم ضرب القوة الجويه الصهيونيه وتحييدها هذه القوة التي كانت في نظر العدو الذراع الضاربة القويه! والكل يعلم انها كانت حرب تحريريه بحق لولا تراجع السادات امام دهاء كيسنجر وبدء هذا التراجع منذ اتفاقية الكيلو متر 101 وكلن ذلك في عز احتدام المعارك واعلن وقف اطلاق النار على الجبهة المصريه وحاربت سوريا وحيده واستمرت حرب الاستنزاف على مرتفعات الجولان حوالي تسعين يوما سجل فيها المقاتل العربي السوري .اروع البطولات وتمت عملية فصل القوات وتم تحرير جزء من الجولان اضافة الى مدينة القنيطرة .ولم توقع اتفاقية سلام مع العدو وبقي الصراع مفتوحا … لكن ماحصل بعد ذلك التاريخ من توقيع اتفاقية السلام العربيه الى الحرب الاهليه اللبنانيه الى حرب العراق مع ايران واحتلال الكويت وتدمير االعراق وقوانين محاسبة سوريا الامريكيه واخراجها من لبنان بعد اغتيال الحريري ثم المؤامرة الحاليه على سوريا لتقسيمها وتدميرها كل ذلك حصل لاجل ان لا يحصل تشرين أخر وحتى لايجتمع العرب مرة أخرى واستطاع الاعداء اختراع عدو جديد للعرب وهو ايران الفارسيه اما اليهود فيمكن التفاهم معهم وهذا هر الوقع مع الاسف الشديد!
    ..

  6. يقول احمد العربي:

    تقول ان القوات السوريه المهاجمه والتي وصلت مشارف طبريا اضطرت الى التراجع بسبب الهجوم المعاكس لقوات العدو الاحتياطيه وكذلك تعثر الفرقة الوسطى !وماذا عن توقف الاعمال القتاليه على الجبهة المصريه بعد حصول ثغرة الدفرسوار المريبه وتفرغ القوات الاسرائيليه للقتال على الجبهة السوريه ماذا يضير لو يعترف المء بالحقيقه التي لايستطيع التغطية عليها ولا نكرانها بمجرد انه يكره النظام !!لقد قال الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في مقابلة مع احد القنوات انه لولا الذي حصل من تراجع على الحبهة المصريه لكان الجيش السوري وصل الى القدس!! وتقول ان لديك وثائق ستنشرها بعد انتصار الثوره الحاليه في سوريا ..انه من الافضل نشرها الان وليس الانتظار طويلا !!! اذا كان الصهاينة اعترفوا بهزيمتهم وكانوا على وشك استخدام السلاح النووي في ذلك الحين يأتي بعضنا لينفي النصرويتحدث عن الهزيمه وكل ذلك لاجل غايات شخصية ومأرب سياسيه وهذا مايدعوا للاسف الشديد!1

  7. يقول شخص:

    انا استغرب من جميع الاشخاص بما فيهم الكاتب بالنظر للامور بطريقة مجتزأة وشخصانية!!! السوريون انهزموا في حرب تشرين هزيمة عسكرية والاسباب معروفة: 1- انور السادات 2- قلة الخبرة والتدريب وهذا حال جميع الجيوش العربية.
    السؤال أين الخيانة؟؟!! يعني اذا جيش ما دخل الحرب وانهزم فهو خائن؟؟!!! ومن يقول بأن حافظ الاسد كان يريد هذه الحرب لتثبيت حكمه في الداخل فهو يناقض نفسه لان حافظ الاسد كاد ان يخسر دمشق في هذه الحرب

  8. يقول يونس المملكة المغربية:

    العرب فازو في الحرب هده أكدوبة كبيرة جدا.و الدليل هو ما تلاها من إتفاقيات مدلة و مقيدة للجيش المصري في سيناء و عدم إسترجاع الجولان أو القدس اللدان تم إحتلالهما سنة1967.

  9. يقول ربى:

    شكراً للكاتب “صبحي”…
    إذا كان العرب قد انتصروا على عدوههم في حرب أكتوبر …فمن الذي هزمنا تلك الهزيمة التي نتجرع مرارتها كل لحظة وبجوار حبيبتنا “إسرائيل” ؟؟!!

  10. يقول عجبي:

    ولمذا نظام الانبطاح يسلم سلاحه الاستراتيجي والرادع بكل سهوله اليس للكرسي وقتل المزيد من السوررين الابرياء حد يفهمنا هذا اللغز لي ماله حل ..!

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية