تشريعيات الجزائر وصناعة الإيهام بالتحوّل

حجم الخط
16

في وسع المراقب المحايد للانتخابات التشريعية الجزائرية التمسك بعدد من الأسئلة البسيطة، التي يمكن، مع ذلك، ترقيتها إلى مصافّ المفاتيح المنهجية لمقاربة الحدث، على نحو تكاملي يمكن في الآن ذاته أن يتيح تجاوزه إلى ما هو أبعد وأعمق.
السؤال الأول هو طبيعة السلطة التي تراقب التصويت، وتديره وتتحكم في عملياته فعلياً، وليس في الظاهر على مستوى «السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات»؛ وهل هي، في نهاية المطاف، الأجهزة ذاتها الأمنية والعسكرية والاقتصادية التي قبضت على أعنّة السلطة طوال عقود، وما تزال تقبض على الكثير منها حتى بعد إبعاد الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عن المشهد. وسواء اتفق المرء مع التعبير الأقصى الذي استُخدم بين حين وآخر خلال الانتفاضة الشعبية «عصابات المافيا»، أو اكتفى بتعبير ملطّف ليس أقلّ عاقبة يتحدث عن تحالف «مجمّع عسكري/ أمني/ تجاري»؛ فإنّ المآلات تتقارب أو تتماثل بشأن الوفاء بالمطالب الشعبية التي طرحها الحراك حول إصلاح سياسي جذري، أو خيانة الشعارات والمطامح والالتفاف حولها وتفريغها من مضامينها.
السؤال الثاني هو مدى صدقية التمثيل في انتخابات تهبط المشاركة الفعلية فيها إلى معدلات فاضحة، سواء على صعيد النسبة في المدن والمراكز العمرانية، أو في أصقاع الريف ومناطقه الشاسعة الواسعة حيث لا تتحقق أحياناً نسبة الـ1%. والفيصل هنا ليس ديموغرافياً أو جغرافياً، حتى في الأخذ بالاعتبار أنّ الجزائر بلد كبير المساحة مترامي الأطراف، بل هو معطى شديد الارتباط بالسياسة كذلك؛ وهكذا كانت حاله على امتداد تاريخ الجزائر الحديث، خلال أطوار الاستعمار الفرنسي أو بعد الاستقلال.
السؤال الثالث يذهب أبعد من صدقية التمثيل إلى مقدار الحدّ الأدنى من اليقين بأنّ هذه التشريعيات، على شاكلة انتخاب الرئيس الحالي عبد المجيد تبون أو الاستفتاء على الدستور، ليست سوى مناورات مكشوفة الأغراض لتثبيت مظهر زائف وكاذب يفيد بأن تركيب السلطة الحاكمة الراهن قد تبدّل، أو هو ليس إعادة إنتاج للكثير من ركائز النظام القديم. وحين تعزف غالبية صريحة من المواطنين عن الإدلاء بالرأي في أكثر من 1480 قائمة، بين حزبية ومستقلة، تتنافس على 407 مقاعد، فإنّ الاختلال هنا يصحّ وصفه بالعطب البنيوي، ولن تنفع معه عمليات تجميل من أيّ نوع.
ويبقى، بالطبع، سؤال رابع حول شبكة الأحزاب التي طرحت قوائمها حول شعارات، فضفاضة غالباً وغائمة مستعادة مستهلكة، وما إذا كان انحسار الأحزاب التقليدية لصالح أحزاب جديدة متباينة البرامج والعقائد والخطوط السياسية؛ جدير بتفعيل مشهد مشاركة جامد عن سابق قصد، وراكد على سبيل إرسال إشعار إلى أهل التحزّب بأنّ عمليات التجميل فشلت، أو لعلها أسفرت عن وجوه أكثر قبحاً !هذا، بدوره، ليس سؤال توجهات يسارية أو يمينية أو إسلامية أو تكنوقراطية، بل هو جزء من صناعة قاصرة ومفتضَحة تتوسل الإيهام بالتحوّل، في أجواء اعتقالات وترهيب وتنكيل تعطي كلّ معنى نقيض.
وكان جان – بول سارتر، سنة 1961 في تقديم كتاب فرانز فانون الشهير «معذبو الأرض»، قد استبق الزمن فكتب يصف بعض عيّنات النُخَب الوطنية التي عمل الاستعمار على تفريخها بعد جلائه عن المستعمرات: «النخب الأوروبية عكفت على تصنيع نخب بلدية. لقد انتقوا بضعة فتيان واعدين، فشذّبوهم وهذّبوهم وطرقوهم، كما نفعل بقطعة الحديد الحامية، ثم أشبعوهم بمبادئ الثقافة الأوروبية، وحشوا أفواههم بعبارات صائتة، وبكلمات ذات تراكيب معقدة تكاد تعلق بين الأسنان. وبعد إقامة قصيرة في كنف الأمّ الأوروبية، أُعيدوا إلى بلدانهم وقد تمّ تبييضهم. هؤلاء، الأشبه بأكاذيب سائرة على قدمين، لم يعد لديهم ما يقولونه لأخوتهم، إذْ لم يعد في وسعهم غير ترديد الصدى».
وثمة الكثير الذي يجيز البحث عن بعض هذه النماذج في مرشحي تشريعيات الجزائر الأخيرة، وكذلك في مختلف جيوب السلطة وأجهزتها وأطرافها، فضلاً عن الرؤوس.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول عمر بونقو الوهراني:

    الابراج جميلة جميلة جدا وخاصة الابراج العاجية, فماذا يضرني لو نزلت وترجلت ومشيت في ازقة الجزائر المكافحة العنيدة, البعض ممن تربي في الحرير يخاف على قدميه ويضل يصدر الاحكام

  2. يقول احويكر احويكر:

    بوركت يدك سيدي الكاتب حمت فوردت و أوجزت ووفيت .

  3. يقول سعيد السعيدي:

    تبون خدم النظام منذ سنة 1978 حتى آخر منصب له كرئيس حكومة في عهد بوتفليقة.شنقريحة قاءد الجيش تجاوز الثمانين عاما أمضاها في ظل الجنرالات الذين حكموا الجزائر .. خالد نزار و توفيق مدين رمزان للحرب الاهلية و مجازر العشرية السوداء.. فكيف تغير بهؤلاء..

  4. يقول Alaa:

    علي الشعب الجزائري الحر البطل أن ينتزع السلطة وإن لم يفعل سيظل تحت حكم العسكر

  5. يقول متتبع 11:

    لا فائدة ترجى من انتخابات.. مفبركة مطبوخة..
    الفائز هم مافيا الجنرالات.
    الشعب يريد نظام مدني لا عسكري
    الشعب يريد محاسبة اؤلائك من بدرو امول الشعب ونهبوها
    الشعب يريد وجوه شابة جديدة بعقلية وثقافة جديدة

  6. يقول حويكر POLISARIO et l ALGÉRIE:

    “أنّ هذه التشريعيات، على شاكلة انتخاب الرئيس الحالي عبد المجيد تبون أو الاستفتاء على الدستور، ليست سوى مناورات مكشوفة الأغراض لتثبيت مظهر زائف وكاذب يفيد بأن تركيب السلطة الحاكمة الراهن قد تبدّل، أو هو ليس إعادة إنتاج للكثير من ركائز النظام القديم”

  7. يقول حويكر POLISARIO et l ALGÉRIE:

    “……. بل هو جزء من صناعة قاصرة ومفتضَحة تتوسل الإيهام بالتحوّل، في أجواء اعتقالات وترهيب وتنكيل تعطي كلّ معنى نقيض”

  8. يقول عبد المجيد- المغرب:

    (زلة لسان) تبون عندما قال إن نسبة المشاركة في الإنتخابات ليست مهمة، تدل على استخفاف بالشعب وعدم إيمان بالديموقراطية شكلا ومضمونا وتدل على عقلية التسلط والإستبداد التي تتحكم في رقاب الشعب الجزائري المغلوب على أمره. وحتى لو سلمنا جدلا أن تبون -وهو مجرد قناع للحكم العسكري- هو من يحكم البلاد، فإن رئيسا مطعونا في شرعيته، لا يمكن أن يؤتمن على إجراء انتخابات شرعية وشفافة ونزيهة وبالتالي لا يمكن أن تكون هذه الإنتخابات إلا مسرحية للإلتفاف على مطالب الحراك وعموم الشعب الذي يطالب بدولة مدنية وليست عسكرية. فهل قدر الشعب الجزائري المسكين أن يظل تحت الجزمة العسكرية فترة أطول من بقائه تحت الإحتلال الأجنبي المباشر؟

  9. يقول Ahmed HANAFI اسبانيا:

    من خرج اليوم يعيب على الرييس قوله ” نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات لا تهمني “، نقول له وهل كنت تنتظر غير ذلك أو عكس ذلك؟
    ان الخواتم تكون على قدر المقدمات. قبل الوصول إلى قصر المرادية، كان السيد تبون عضوا في حكومة بوتفليقة. وها هو اليوم يتحدث دون خجل عن ” العصابة ” التي التهمت خيرات البلاد في عهد بوتفليقة.
    الذي قال اليوم أن نسبة المشاركة لا تهمه، هو من قال بالامس القريب أن البلد يتوفر على احسن منظومة صحية في القارة. قال ذلك وهو يرتب زيارة استشفايية الى الخارج.
    ثم قال أن المغرب يهاجم الجزاير كل يوم، ولن نسكت عن ذلك، قبل أن يستدرك في نفس الحوار ويقول، نحن لا نرد على الترهات.
    إيه، هو ذاك ، الترهات.

  10. يقول عبدالله المتوكل:

    العزوف عن المشاركة في الانتخابات ظاهرة عالمية،والانتخابات الجزائرية ليست استثناء من ذلك،علماً بأن الادارة بإمكانها استخدام مختلف الطرق لزيادة نسبة الاقبال، كما تفعل بعض الانظمة القمعية لتخادع العالم بالنسب المرتفعة للمشاركة المغشوشة.
    ان رفع نسبة الاقبال على العملية تقع على عاتق الاحزاب والقوى السياسية الراغبة في الوصول الى السلطة وممارستها،فيما يظل دور الادارة حيادياً ومحصوراً في توفير الظروف الملائمة لاجراء العملية.
    لكن الموتورين والمرتبطين بالأجندات الخارجية لن يهدأ لهم بال حتى يروا الجزائر ممزقة متناحرة، لذلك يسعون لعرقلة اي جهد يروم ارتقاء الجزائر لمصاف الدول الديمقراطية، إلا أن الجزائر ماضية في طريقها،وستحقق الرفعة والنقلة المطلوبة_ بإذن الله-فليمت أعداء الجزائر بغيظهم-وليتردوا في حقدهم وكيدهم.

    1. يقول حويكر POLISARIO et l ALGÉRIE:

      الشعب يريد نظام مدني لا عسكري

    2. يقول sayah:

      بارك الله فيك اخ عبدالله متوكل .

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية