ينقسم الناس في مجتمعاتنا العربية لعدة انقسامات، سواء حزبية أو تنظيمية أو طائفية أو مذهبية، حيث نشهد اليوم اعتي الحملات العدائية الحاقدة ضد تواريخ وعادات شعوبنا ومجتمعاتنا العربية العريقة، هناك العديد من المتطفلين والجاهلين والكارهين والحاقدين، ممن يساعدون ويدعمون تلك الجهات البغيضة في حملتهم وحمل نهجهم وأفكارهم وترويجها وبث سمومها في المجتمعات وبين الناس، بدون أن يشعروا بأنهم يسوقون لهم تلك السموم القاتلة والفتاكة والهادمة لشعوبنا، بل يظنون أنهم يحسنون صنعا، وأنهم قد جاءوا بشيء جديد ومتطور لبلادهم، وذلك بإطلاق الأحكام الجاهزة والكيدية من دون أي وعي، ومن دون أي بعد نظر أو تثبت من الأحداث والشخوص والظروف والمواقف، التي قد تضر بنا وبمجتمعاتنا. وحول تحديد رؤية خاصة إلى التاريخ، تاريخ شعوبنا العربية، كونها لا تؤمن بأية قطيعة بين الحاضر والماضي، ولأنها عاشت بين ما تحمله ذاكرتها الاجتماعية أو ما تناقلته من جيل إلى آخر! تنقسم الرؤية لتاريخنا، كون كل طائفة اجتماعية تستلهم شرعيتها ووجودها من تاريخ معين، أو من شخوص وأبطال معينين، فتمجد رموزها. والأخطر في مجتمعاتنا، أن البعض من هؤلاء الجدد الذين اخترعتهم الأيام والظروف الجديدة، أصبحوا أولياء على أمور التاريخ، ونصبوا أنفسهم وكلاء عليه، فقد جعلوا من أنفسهم أولياء أمر التاريخ، يتكلمون باسمه، ويطلقون أحكامهم عليه، من دون أي علم أو منهج أو نقد أو رؤية عقلية.. إنهم يستخدمون ذلك لتبرير استحواذهم، على الحاضر ليسيّرونه على أمزجتهم، ويلغون ويهمشون ويحللون ويحرمون كما يشاءون.. الخ. لقد احتكر التاريخ ثلة من الجهلاء ووعاظ السلاطين ورجال المذاهب والطوائف، ورهط من المتطفلين وأدعياء الإعلام، الذين يجهلون أبسط فنون الكتابة وأدوات النقد، التاريخ عندهم لم يعد تخصصات أو مناهج معرفة إنسانية واجتماعية، أو تحليل وثائق وكشف معلومات، أو تشكيل ذاكرة حقيقية أساسية للمجتمع، بل غدا مستلباً من هذا الطرف أو ذاك، وذلك ببثّ الأكاذيب، وتأليه الرموز، والتشويه والإساءة بغرض جذب المشاهدين والفضوليين، ولا أدري كيف أفسّر صمت المؤرخين المتخصصين والعلماء على كل ما يحدث وينشر، إذ لا إجابة منهم على أسئلة تتطلب معرفة ونقدا وفكرا وعقلا، ويبدو أن الساحة قد جفت مع رحيل الكبار وضمور الصغار، بل ويبدو شبح التآكل يتزايد، إزاء تفاهة الطفيليين والدخلاء والمارقين والمحرفين والمتعصبين، الذين خربوا الثقافة المتمدنة، مع اجتياح الأفكار الجاهزة أو المعلبة. إن التاريخ لا زال مستلبا من فقهاء، أو جهلاء، أو رؤساء وسلاطين، بل ومستلبا حتى من أشباه شعراء وأدباء ومثقفين ومؤلفين وباحثين فاشلين، لتشويه الحقائق من دون أي إسناد أو توثيق علمي. ومن المؤسف أن مؤرخين عرباً انحازوا لهذا الطرف أو ذاك، من دون أن يدلوا برأي أو نقد أو إيضاح للفصل بين الحقائق والأكاذيب، وما يكال من شتائم وسباب، ضد رموز على المنابر وقاعات المحاضرات. إذا كان المؤرخون العرب الأوائل قد أنتجوا كتباً قيمة، وموسوعات رائعة أثارت انتباه العالم، وتابعها أغلب المثقفين والمهتمين، فإننا اليوم إزاء كتبة جهلة أو حملة شهادات مزيفة، أو أناس فرضوا أنفسهم على الميدان، وهم لا يفقهون إنتاج ورقة بحثية، ولعل أخطر ما حدث في الثلاثين سنة الماضية، تحول الناس العاديين إلى سياسيين وقادة ومخططين وصناع قرار وأصحاب سلطة، ليس في المجتمع وحده، بل في الدولة ومؤسساتها. إن التحولات السياسية لا يمكنها أن تمضي قدما في سبيلها وطريقها الصحيح، إن بقي الأمر في أيدي هؤلاء المفسدين المتسلقين الذين يشوهون التاريخ، ويغيرون الحقائق، ويرجعون الحياة إلى الماضي كأنهم هم من عاشوا ذلك العصر بانجازاته وأمجاده. ‘أيمن هشام محمود عزريل E-mail: [email protected]