بغداد-“القدس العربي”: فرضت التطورات الأمنية بصمتها على المشهد العراقي هذه الأيام جراء تصاعد نشاط عناصر تنظيم “الدولة” وتداعيات الخلاف حول وجود القوات الأمريكية والتركية في العراق والتي أصبحت ورقة مساومة بين أجندات محلية وإقليمية ودولية.
وتزامنا مع إعلان وزارة الدفاع الأمريكية عن وجود آلاف المقاتلين من تنظيم “داعش” في سوريا والعراق حاليا، ومع تزايد احتمالات أن يلجأ عناصره الفارون من سوريا إلى العراق، فقد أعلن رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ان العراق اتخذ احتياطاته على حدوده مع سوريا لمنع تسلل بقايا “داعش” وسط تطور نوعي لتحركات التنظيم عندما شنت أعداد كبيرة من عناصره هجوما واسعا على قضاء خانقين في ديالى، واستهدفت عددا من المقار الحزبية ونقاط التفتيش الموجودة في المدينة، مما أدى إلى وقوع اشتباكات مسلحة مع قوات الأمن الكردية في المدينة وحدوث إصابات بين عناصر الشرطة قبل وصول تعزيزات حكومية وانسحاب العناصر المهاجمة.
وفي منطقة أخرى من محافظة ديالى أعلن مدير ناحية ابي صيدا حارث الربيعي، عن سقوط خمس مناطق عسكريا بقبضة تنظيم “داعش” في أطراف الناحية، داعيا إلى إرسال قوات لطرد عناصر التنظيم. ورغم محاولة حكومة المحافظة التقليل من خطورة هذه الحوادث إلا أنها أقرت بأن عمليات مماثلة تحدث في المحافظات الأخرى أيضا، وذلك بعد أيام على عقد رؤساء المحافظات الست المحررة من تنظيم “داعش” والمسؤولين الأمنيين فيها، مؤتمرا في تكريت لبحث الخروقات الأمنية المتكررة وكيفية مواجهتها.
وفي شأن آخر، حسمت القوى الشيعية حملتها ضد تواجد القوات الأمريكية في العراق عندما قدم نواب التيار الصدري وكتل أخرى في البرلمان مقترحا لإنهاء العمل بالاتفاقية الأمنية بين العراق والولايات المتحدة تمهيدا لإخراج القوات ومنع تواجد القواعد العسكرية الأجنبية في العراق. إلا أن هذا الحراك الشيعي لا يبدو انه ينال موافقة كل القوى السياسية وخاصة الكتلة الكردية، حيث أكد رئيس حكومة إقليم كردستان العراق نجيرفان بارزاني، حاجة العراق لهذه القوات، لأن وجودها مرتبط بمصلحة العراق، مبديا مخاوفه من تجدد ظهور تنظيم “داعش” في الأنبار ونينوى. وكذلك أعلنت بعض الأحزاب السنية أن قرار بقاء القوات الأجنبية في العراق متروك إلى تقديرات الحكومة للأوضاع في البلد.
وتزامن هذا الحراك مع وصول وفود أمريكية إلى بغداد والإقليم لإجراء لقاءات مع المسؤولين لمناقشة تواجد القوات الأمريكية في العراق. وتعتبر هذه الزيارات جزءا من الضغوط الأمريكية لمنع تمرير قانون إخراج القوات في البرلمان.
ومع تواصل الجدل بين القوى السياسية حول انتشار القوات الأمريكية في بعض المحافظات السنية وبعد أيام من التجوال العلني لجنرالات أمريكان في شوارع بغداد والأنبار، تابع سكان الموصل وللمرة الأولى منذ الانسحاب الأمريكي عام 2011 جولة جنرال أمريكي برفقة نجم الجبوري قائد عمليات نينوى في الأسواق داخل الموصل ولقي ترحيبا من الأهالي، في الوقت الذي وجه نواب وحكومة نينوى اتهامات لفصائل في الحشد الشعبي باعتقالات المواطنين وابتزازهم وسرقة نفط المحافظة.
وهكذا تتصاعد مظاهر صراع الإرادات الإيرانية الأمريكية على المشهد العراقي من خلال محاولات قوى شيعية إنهاء التواجد العسكري الأمريكي الذي يزاحم النفوذ الإيراني ويعيق حريته، الأمر الذي أقر به رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، عندما عبر عن حزنه لوجود نفوذ إيراني في العراق يتدخل في تشكيل الحكومات واختيار النخب الحاكمة.
وتشهد مدينة كركوك الغنية بالثروة النفطية والمتنازع عليها بين القوى السياسية حراكا محليا ودوليا لترتيب وضع سكانها ومنع تدهور الأوضاع الأمنية فيها التي وصلت في عام 2017 إلى اقتحامها من قبل القوات العراقية واخراج البيشمركه منها عقب قرار كردي بضمها إلى الإقليم.
وقد وصل فوج من اللواء 61 من الفرقة الخاصة بحماية المنطقة الخضراء، إلى كركوك تمهيداً لمسك الملف الأمني فيها بدلاً من قوات مكافحة الإرهاب التي قرر عبد المهدي سحبها من المدينة في إجراء لتقريب المواقف وحل أزمة المدينة وسط مساع كردية محمومة لإعادة البيشمركه إليها.
وفي مؤشر على تداخل العاملين المحلي والدولي في قضية كركوك قامت السفارة الأمريكية ببغداد بعقد لقاءات لقادة مكونات المحافظة من العرب والكرد والتركمان، ناقشوا خلالها الوضع الأمني المتوتر. وتشير المصادر المطلعة إلى ان السفير الأمريكي في العراق دوغلاس سيليمان طلب تسليم المهام الأمنية في مدينة كركوك للشرطة المحلية حصرا على أن تقوم قوات الجيش العراقي والبيشمركه بحماية أطراف المحافظة من الهجمات الإرهابية، في محاولة لإيجاد حل وسط يرضي كل الأطراف وينهي تجميد مجلس المحافظة، مع تمثيل جميع المكونات في المناصب الإدارية.
وكأن التوترات الأمنية في العراق غير كافية لتتفجر أزمة أمنية جديدة بين العراق وتركيا، إثر حادثة مقتل عدد من المواطنين الأكراد عند مهاجمة متظاهرين لقاعدة عسكرية تركية في دهوك شمال العراق احتجاجا على مقتل عراقيين بالخطأ أثناء غارة تركية على مواقع حزب العمال التركي المعارض في جبال دهوك، ولتتجدد مطالبات بعض القوى بإخراج حزب العمال التركي من الأراضي العراقية لإلغاء مبرر وجود القوات التركية وغاراتها، وسط تأكيدات كردية حكومية وتركية بمسؤولية حزب العمال عن وقوع تلك الأحداث.
وهكذا تتوالى التداعيات الأمنية التي تعكس عمق الخلافات بين القوى السياسية والتي يتم استغلالها من القوى الإقليمية والدولية الساعية لتحقيق مصالحها على حساب المصلحة العراقية.