ما الذي فعله المغرب ليثير البلبلة بين بعض جيرانه؟ إن كان قد حصل على ما قد يعتبره هؤلاء دخولا أمريكيا غير مقبول على خط القضية الصحراوية، فلن يكون هو الملام على ذلك. أما إن كان تطبيعه مع الإسرائيليين قد استفز مشاعرهم، فإنه لم يفعل كما فعل غيره، ولم يطبع مع الكيان الإسرائيلي، كما قال وزير خارجيته الأحد الماضي لصحيفة «يديعوت أحرونوت» لأن العلاقات معه «كانت أصلا طبيعية ولم تتوقف أبدا» وما حصل أنها استؤنفت فقط، على حد وصفه.
ومع ذلك فكثيرون، والجزائريون من بينهم، لا يبدون ارتياحا للخطوة المغربية الأخيرة، ويرون في ما يجري في المنطقة المغاربية من أحداث متسارعة، وآخرها الاتفاق الثلاثي المغربي الأمريكي الإسرائيلي، تهديدا جديا لهم، لكن ما الذي يزعجهم أكثر من غيره يا ترى: هل خريطة المغرب، كما عرضها السفير الأمريكي في الرباط، ومهرها بتوقيعه؟ أم استئناف علاقات الجارة المغاربية مع الإسرائيليين، وإعادة فتح مكتب الاتصال الصهيوني فيها؟
بالنسبة للمغاربة فالموقف من المسألتين لن يكون بالضرورة واحدا، فمن يقبل منهم ويرحب بشدة وحرارة بهذه، لن يمتنع على الأرجح عن الاعتراض بقوة على تلك. وهذا الأمر يبدو حتى داخل المغرب نفسه مفهوما ومقبولا إلى حد ما، لكن من ينكر الارتباط الوثيق بين القرارين؟ فحتى إن قالت السلطات إن ما تفعله أمر عادي وطبيعي، فإن ذلك لا يعني أنه سيكون سهلا على المغاربة، أن يتجرعوا سم التطبيع بهدوء، ولو كانوا يعلمون أنهم كسبوا من ورائه اعترافا أمريكيا ثمينا بتبعية الصحراء لهم، لكن جارتهم الشرقية وبقدر ما تبدي رفضها واعتراضها على ما وصفه المتحدث باسم حكومتها «مقايضة التزكيات بين المحتلين» من باب تمسكها بمناهضة الاحتلال في المطلق، فإنها تتحسب أكثر على ما يبدو لتبعات الكسب المغربي من وراء العملية، بعد الاختراق الكبير الذي حققته الرباط في ملف الصحراء، وليس من قبيل الصدفة، أو لمجرد الرد فقط على الشائعات القوية التي سرت في الجزائر، في الأسابيع الأخيرة، حول تعكر صحته، أن يظهر الرئيس الجزائري، أو يقرر المحيطون به أن يكون ظهوره الأحد الماضي للمرة الأولى منذ الإعلان قبل نحو شهرين عن نقله للعلاج في ألمانيا، ليقول في جمل محدودة وقصيرة، ومن خلال شريط فيديو بث على حسابه على تويتر بعض العبارات المطمئنة عن حالته الصحية، والمبشرة بقرب عودته إلى الجزائر، ويتحدث عن بعض القضايا الداخلية، ثم يرسل وسط ذلك إشارة عابرة، لكن دقيقة وقوية إلى جيرانه، قد تختصر تصور الجزائر وموقفها الحالي من التطورات المتسارعة، التي تحصل من حولها، بدون التعرض لها بالاسم، أو ذكرها بشكل مباشر، ما يترك الباب مفتوحا على الاحتمالات والتأويلات. فلا شك أن ذلك لم يكن عبثيا، لكن ليس معروفا بالضبط ما الذي قصده عبد المجيد تبون، حين قال «بالنسبة للأوضاع السياسية في المنطقة، فالجزائر قوية وأقوى من كل ما يظنه البعض. وما يجري حاليا كنا ننتظره، ولكن الجزائر لا تتزعزع». فهل كان يعني ما أعلنه الرئيس الأمريكي ترامب الخميس الماضي، حول الاعتراف بمغربية الصحراء، وإقامة علاقات بين المغرب والكيان الإسرائيلي؟ أم أن الكلمة كانت مسجلة في وقت سابق لذلك الإعلان، وكانت صيغتها المبهمة والفضفاضة حمالة أوجه، وقابلة لأن تؤول الآن على أنها نوع من الرد الضمني على تلك الخطوة؟
الحسنة الوحيدة للتطبيع المغربي مع الإسرائيليين هي أنه سيسمح لجيران المغرب أن يدركوا الفارق بين العدو الحقيقي والعدو الوهمي
في مطلق الأحوال فإن قلق الجزائر مما جرى كان ثابتا، وتحصيل حاصل، ولعل أكبر مظهر دلّ عليه هو تصريح الوزير الأول عبد العزيز جراد، قبلها بيوم، أي السبت الماضي حين قال على هامش مشاركته في ندوة تاريخية «إن هناك الآن في محيطنا الجهوي قضايا خطيرة جدا، تحول دون استقرار المنطقة، والجزائر بالذات مستهدفة. وعندما نقول للمواطنين بأن هناك عمليات أجنبية خارج الوطن تريد ضرب استقرار البلاد، فالدلائل اليوم تتجلى في الفضاء المغاربي والافريقي.. واليوم هناك إرادة حقيقية لوصول الكيان الصهيوني لحدودنا، ويجب أن نتكاتف ونحل مشاكلنا الداخلية بيننا». غير أن هناك من سيرى في ذلك نوعا من المبالغة المقصودة، إذ ربما سيقول من يريد أن يهون من الأمر، إن الصهاينة لم يكونوا بحاجة لمكتب اتصال، أو حتى سفارة في المغرب، ليكونوا قريبين من الحدود الجزائرية، وإنه لا مجال للمقارنة بين ما أقدم عليه المغرب، وما فعلته الإمارات والبحرين والسودان، في وقت سابق، ووضع الجميع في سلة واحدة.
ففي الحالة المغربية لا حديث بعد عن تبادل للسفراء، ولا يزال المسؤولون المغاربة يتحدثون حتى الآن عن إعادة فتح مكتب اتصال إسرائيلي في الرباط، لا عن إقامة علاقات دبلوماسية كاملة من خلال فتح سفارات، ويشددون في المقابل على أن ذلك لا يمس «الالتزام الدائم والموصول للمغرب في الدفاع عن القضية الفلسطينية العادلة» مثلما جاء في بيان الديوان الملكي المغربي، لكن مهما حاول الرسميون التقليل مما حصل الخميس الماضي، ورفضوا الربط بين التطبيع وإقرار ترامب بمغربية الصحراء، فإن حججهم قد لا تقوى على الصمود، فالرأي العام المغربي والعربي عموما، لا يستطيع أن ينظر لما تم إلا على أنه نوع من مقايضة اعتراف أمريكي بحق مغربي، بتطبيع علني مع الاحتلال، لكن حصر دوافع إقدام الرباط على تلك الخطوة المتوقعة والمفاجئة في الوقت نفسه، سواء برغبتها بالحفاظ على ما تعتقده مصلحتها الوطنية، ولو كان ذلك على حساب المبادئ والقضايا التي يتمسك بها شعبها، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، أو لجوئها لذلك اضطرارا، كما يقول آخرون بعد ضغط الجزائر ورفضها القطعي حتى للجلوس للتفاوض الأولي على الحل الواقعي والتوافقي، الذي يقترحه المغرب وهو الحكم الذاتي للصحراء، لن يزيد سوى في تعميق الشرخ بين الجارتين، وإجهاض أي أمل في تحقيق الاتحاد المغاربي، الذي تنشده وتنتظره الشعوب. وربما يتحمل الجيران المغاربيون قسطا كبيرا من المسؤولية عن ذلك، فهم عدا بعض المحاولات المحدودة، ظلوا قانعين بمتابعة ما يجري، وربما استثمروا في الخلاف، ورغبوا ببقائه.
ما حصل الآن قد يسحب بساط الحياد الزائف من تحت أرجلهم، ولعله قد يزيل الغشاوة عن أعينهم ليعرفوا العدو من الصديق، وهنا قد تكون الحسنة الوحيدة للتطبيع المغربي مع الإسرائيليين هي أنه سيسمح لأولئك الجيران بأن يدركوا ولو متأخرا الفارق بين العدو الحقيقي والعدو الوهمي. وهذا ما يضع الجزائريين بالذات أمام تحد صعب لكن غير مستحيل، فإن كان رفضهم للتطبيع مع الإسرائيليين مفهوما ومبررا، فإن تطبيعهم مع ما ظلوا يصفونه بالعدو المغربي سيكون اليوم ضروريا جدا للمنطقة بأسرها، لأنه سينزع وبشكل نهائي فتيل حرب مقبلة فيها لن يستفيد منها إن نشبت، لا سمح الله، أحد آخر غير العدو الإسرائيلي نفسه.
كاتب وصحافي من تونس
احسنت اخي الكريم و التوانسة يعلمون اكثر من اي احد انقلاب الجزائر و الهجوم على قفصة بعد الاستقلال مباشرة و طعن النظام العسكري لتونس و لاعلانها الحرب على المغرب و دعمها للانفصاليين لازيد من اربعة عقود. العالم اليوم يعرف حقيقة الصراع المفتعل و حقيقة دراع الامني للجيش الجزائري الذي اضرنا جميعا ودفع المغرب من اجله العالي و النفيس و ارواح شهداء لاستكمال وحدته الترابية.
الصحراء الغربية ليست حقا للمغرب ليغايضها بالتطبيع مع اسرائيل كما تقول انت، النزاع في الامم المتحدة هو بين البوليساريو و المغرب.
المغرب في صحراءه وصحراء في المغربيها الصحراء مغربية
تحليل واقعي ورائع
تصريحات المرزوقي حول تطبيع الإسرائيلي?
كل مايقوم به المخزن هو في الاصل موجه ضد الجزائر.والجزائر ليس موجود في قاموسها كلمة تعمل بها تسمى التطبيع .
رسالة عائشة القذافي التي تناقلتها مؤخرا وسائل التواصل الاجتماعي تشير إلى ثقة العيش بحرية وكرامة في الجزائر الشقيقة
يتبع
قالت عائشة القذافي
قلنا لوالدي انه صاحب القرار وان يختار اين نذهب وسنوافق بلا تردد ، تنهد عدة مرات ثم قال : إذهبوا إلى الجزائر ، إذهبوا إلى الجزائر ، ما رأيت منهم سوءا لخمسين عاما !! في الجزائر ستعيشون احرارا .
السبب بسيط يا تاج الحكمة. لأن القذافي دعم الجزائر بالمال والسلاح لزعزعة استقرار المغرب
وما هو الجديد فيما ذكرت؟ هذه هي أخلاق وشهامة المغاربيين. كل المنفيين من الجزائر مثلاً عاشوا في المغرب بين أهليهم…عبد العزيز بوتفليقة- المرحوم محمد بوضياف…واللائحة طويلة. ولكن السؤال الذي يجب أن يطرح حتى يكون عبرة للمستقبل هو : لماذا اضطر أبناء المرحوم القدافي أن يتشردوا في بقاع الأرض؟
ألا يتحملون هم ووالدهم مسؤولية ما وقع؟ ارجع إلى تصريحات عائشة أواخر حكم أبيها وفي عز المظاهرات الشعبية لترى وتسمع كيف كانت تصف الشعب الليبي بمنتهى الغطرسة والاستعلاء…(وتلك الأيام نداولها بين الناس.) (فاعتبروا يا أولي الألباب).
هل سيعترف ترامب بسبتة ومليلية أنهما مغربيتان قبل رحيله عن البيت الأبيض؟
أتفق مع الكاتب المحترم في الكثير مما قاله وأقول إن الجزائر تحاول تهريب النقاش إلى ما تسميه ( التطبيع) مع إسرائيل في محاولة للتغطية على الموضوع الرئيسي وهو الهزيمة والإنتكاسة التي تعرضت لها، لا بسبب قرار أمريكا الإعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء المغربية فحسب ولكن، بسبب ما وقع في معبر الگرگرات وبسبب فتح الكثير من الدول قنصليات لها بالصحراء المغربية وبالتالي انكشاف اللعبة الجزائرية أمام العالم فلم تجد الجزائر ما تقوله لشعبها عن ما يناهز 500 مليار دولار ذهبت في كازينوهات المراهنة على قضية خاسرة ولم تجد ما تقوله للجزائريين عما سببته سياستها من رهن للبلاد كلها بقضية لا ناقة للشعب الجزائري فيها ولا جمل ولم تستطع أن تبرر للشعب الجزائري وللعالم لماذا ظلت تقول بأنها مجرد ملاحظ ومهتم بقضية الصحراء ولكن، عندما بدأت دول تفتح قنصليات بالصحراء وعندما اعترفت أمريكا بالسيادة المغربية على الصحراء وعندما وقع في معبر الگرگرات ما وقع أصيبت بهستيريا ونسيت أنها مجرد ملاحظ ومهتم وصارت هي صاحبة القضية وصارت تبكي على الميت أكثر من أهل الميت! (يتبع من فضلكم)
الحسنة الوحيدة للتطبيع العلني و الجهر بالخيانة هي أنه يعري العورات و يفضحها على رؤوس الأشهاد و يكشف كل واحد على حقيقته مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ۖ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ۚ وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ( آل عمران – الآية 179)
لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىٰ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (الأنفال – الآية 37 )