لوس أنجليس: سلّطت التطورات الأخيرة في الأردن الضوء مجددا على الملكة نور الحسين، الزوجة الأمريكية، الرابعة والأخيرة للعاهل الأردني الراحل، الملك حسين.
تزوجت الملكة نور الملك حسين وهي في السابعة والعشرين من العمر، ولكنها صارت أرملة ملكية بعد عقدين، وهي في السابعة والأربعين.
وقالت صحيفة “لوس أنجليس تايمز” الأمريكية في تقرير نشرته مؤخرا، إنه بعد أكثر من عشرين عاما أخرى من رحيل الملك حسين، عادت الملكة، أمريكية المولد واسمها الأصلي ليزا نجيب الحلبي، إلى المشهد في خضم التطورات الأخيرة في الأردن، تحيط بنجلها الأكبر، الأمير حمزة بن الحسين، والذي كانت تأمل يوماً ما أن يخلف والده الملك حسين، صاحب الشخصية الكاريزمية، على عرش المملكة الهاشمية.
وأكدت قيادة الجيش الأردني الأسبوع الماضي “عدم صحة ما نشر من ادعاءات حول اعتقال” ولي العهد السابق، وأوضحت أنّه “طلب منه التوقف عن تحركات ونشاطات توظف لاستهداف أمن الأردن واستقراره”. وقالت إن هذا جاء “في إطار تحقيقات شاملة مشتركة قامت بها الأجهزة الأمنية، واعتقل نتيجة لها الشريف حسن بن زيد”.
وعلّقت الملكة نور على الأزمة ، معربة عن أملها في أن “تسود الحقيقة والعدالة لكل الضحايا الأبرياء لهذا البهتان الآثم”.
وأعلن الملك عبد الله الثاني يوم الأربعاء الماضي أن “الفتنة وئدت” في البلاد بعد خلاف مع أخيه غير الشقيق، ولي العهد السابق الأمير حمزة بن الحسين، وشدد على أن المملكة الآن “مستقرة وآمنة”.
وقبل خطاب الملك أصدر الديوان الملكي بيانا أشار إلى أن الأمير الحسن بن طلال، قاد جهود حل القضية، وتوصل إلى توقيع الأمير حمزة على بيان وضع فيه نفسه بين يدي الملك.
وقالت صحيفة “لوس أنجليس تايمز” الأمريكية إن خيوط ما حدث تبدو مألوفة إلى حد كبير: الظروف الصادمة التي تعقب وفاة ملكية، يتردد صداها على مدار سنين ، وتوترات عائلية كانت تغلي في هدوء لجيل قبل أن تنفجر جلية أمام الجميع.
ويرى التقرير، أن الأمر يتعلق بتغيير في مسار الخلافة، وأيضا بالعلاقة المعقدة للملكة نور، الأمريكية، مع وطنها الجديد، وذكريات رجال البلاط الملكي اليقظين، بالإضافة إلى سيل من السياسات الدولية، والسياسات المعقدة في الشرق الأوسط. وفي القلب من كل هذا قصة حب.
ونقل التقرير عن آفي شلايم، الأستاذ الفخري للعلاقات الدولية بجامعة أوكسفورد، وصاحب كتاب عن سيرة حياة الملك حسين وصفه لنور بأنها “كانت متعلمة للغاية، وشديدة الذكاء، وجميلة على نحو ملفت- ولم يكن من قبيل الدهشة أن يقع الملك حسين في حبها”.
ويقول التقرير إن الملكة نور، بأناقتها وهي في التاسعة والستين، تبدو شخصية غامضة نوعا ما بعد فترة طويلة من ترملها، قضتها بين أمريكا وبريطانيا، وهي تعني ما تقول، وتنغمس في القضايا الإنسانية، ولم تتزوج مرة أخرى.
وبالعودة إلى عام 1978، كانت ليزا الحلبي تتمتع بنوع من الملكية الشخصية، فقد كانت ثرية وذات تعليم راق، وأرستقراطية أمريكية تعود لجد لبناني سوري من المهاجرين. وكان الرئيس الأمريكي الراحل جون كنيدي قد عيّن والدها، نجيب الحلبي، رئيسا لهيئة الطيران الفيدرالية آنذاك، ثم صار الأب رئيسا لشركة “بان أمريكان للطيران”، ولكن ليزا كانت تتحدث عن حياة طفولة بالمنزل بعيدة عن العاطفية، وصعبة. ثم وقع الطلاق بين والديها في نهاية المطاف.
وجلب كل هذا لها رباطة جأش تميل أحيانا إلى الصلابة. وكانت ليزا ضمن أول دفعة يسمح فيها للفتيات بالدراسة في جامعة برينستون عام 1969. وتحدثت عدة زميلات لها في الدراسة عن ثقافة شعرن فيها بأنهن غرباء، أو أنهن لم يتم أخذهن على محمل الجد.
وقالت زميلتها في برينستون، مارغوري جينجلر سميث: “حتى إذا لم تكن تعرفها شخصيا، فلقد سمعت عنها… لقد لفتت نظر الجميع”.
وعندما قابلت ليزا الحلبي الملك حسين، كانت قد صارت متخصصة بارعة ومستقلة، بعدما درست الهندسة المعمارية والتخطيط العمراني. وكان الملك آنذاك أرملاً، تزوج قبلها ثلاث مرات وكان يكبرها بـ16 عاما. وتوفيت زوجته الثالثة، الملكة علياء، في حادث تحطم مروحية عام 1977.
وكتبت الملكة نور في سيرتها الذاتية التي صدرت عام 2003 تحت عنوان “قفزة إلى الإيمان”: “لن أنكر أن فكرة أن أصبح الزوجة الرابعة له، أو لأي شخص آخر، كانت مقلقلة بالنسبة لي”.
ولكن نجم عن ذلك شراكة اتسمت بالمساواة، خاصة بحسب المعايير الإقليمية والملكية. واستمرت هذه الشراكة حتى وفاة الملك حسين (السابع من شباط/ فبراير عام 1999)، أي أطول مما استمرت الزيجات الثلاثة السابقة للملك مجتمعة.
وشعر معظم الأردنيين بالشك في بادئ الأمر تجاه هذه المرأة أجنبية المولد والنشأة، والتي تحولت من المسيحية إلى الإسلام، ولكنها كانت مصممة على كسب ودّ أبناء وطنها الجديد. وتمكنت من إتقان الغة العربية، والتقاليد والإيماءات الخاصة بالثقافة المُحافِظة في الأردن.
وسعت الملكة نور في نفس الوقت إلى انتهاج إصلاحات تقدمية، شملت التمكين الاقتصادي للمرأة البدوية، وأثارت دهشة واستنكار الأردنيين وهي تجلس خلف الملك على دراجته النارية، عارية الشعر.
ولكنها كانت ملتزمة بالتقاليد. وأثناء تشييع جنازة زوجها في عام 1999، ظهرت الملكة وقد تخلت عن مساحيق التجميل، وارتدت ملابس ناصعة البياض، وكانت تميل برأسها بشكل متكرر للمعزين، وكأنها هي التي تعزيهم.
وفي الخارج، ساعد سحر الملكة نور، مثلها في ذلك مثل جاكي كنيدي، في تعزيز صورة الأردن، وساهمت بشخصيتها في تشكيل صورة الأردن كجزيرة للاعتدال والاستقرار النسبي، وأيضا كحليف مهم لواشنطن.
ولكن قدرة الملكة نور على الإبحار في عوالم مختلفة، والتي انتقلت لأولادها الأربعة، ربما ساعدت في تأجيج الاتهامات التي تحدث عنها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي الذي أكد أن الأمير حمزة كان يعمل مع “جهات خارجية”، لزعزعة الاستقرار في الأردن.
ورغم وصف المقربين من الملكة نور لها على أنها ذات طبيعة تحليلية هادئة، وذات قدرة على تتبع أهدافها بشكل منظم، ربما فوجئت هي نفسها ذات يوم بأزمة مرض الملك الذي أودى بحياته، وما يعنيه ذلك فيما يتعلق بتسلسل الخلافة على العرش.
وخلال الأيام الأخيرة من حياته، قام الملك حسين بتنحية شقيقه الأمير الحسن بن طلال من ولاية العهد، وأسندها للأمير عبدالله بن الحسين، نجل الملك من زوجته الثانية (ذات الأصل البريطاني) الأميرة منى.
وفي خطوة نظر إليها على نطاق واسع على أنها هدية للملكة نور الحسين، قام الملك بتعيين نجلهما الأمير حمزة تاليا في ولاية العهد بعد عبدالله.
وبحسب تقرير “لوس أنجليس تايمز”، فإنه ليس هناك شك في أن الملكة نور قامت بتربية حمزة لتأهله لأن يكون ملكاً.
ويعتقد مراقبون تابعوا تطورات الأوضاع في المنطقة لفترة طويلة، أن الملكة نور ربما لم تتوقع أن يصبح الملك عبدالله محبوبا وفعالا خلال السنوات الأولى من حكمه، كما حدث بالفعل. ولكن السنوات الأخيرة شابها الاستياء جراء الأزمة الاقتصادية والضغوط الاجتماعية بسبب استقبال الأردن لملايين اللاجئين من العراق وسوريا، يضاف إلى ذلك لطمة جائحة كورونا.
(د ب أ)
الملكة نور كل الاردنيين يحبوها جدا