الخرطوم ـ «القدس العربي» : دعت تنسيقيات لجان المقاومة في العاصمة الخرطوم، لتظاهرات «مليونية» غدا الثلاثاء» رافضة للحكم العسكري، فيما يشرع حزب «البعث العربي الاشتراكي» المعارض، حسب ما قال الناطق الرسمي باسمه، عادل خلف الله، لـ«القدس العربي» في اتصالات مع القوى السياسية والاجتماعية، لتشكيل أوسع «جبهة شعبية» لإسقاط انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وأيضاً لتجنيب السودان مخاطر ما وصفها بـ« الهجمة الاستعمارية الشرسة» التي تتكالب عليها لفرض وصاية على شعبها.
وفي 14 من ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلن «البعث» الخروج من تحالف «الحرية والتغيير» وذلك بعد توقيع عدد من مكوناته اتفاقا إطاريا مع العسكر ومكونات سياسية وتنظيمات مسلحة، في الـ5 من الشهر ذاته، الأمر الذي اعتبره «خطأ استراتيجيا وشرعنة للانقلاب العسكري».
الانحياز للشارع
وأشار وقتها، إلى أن «قرار معظم مكونات الحرية والتغيير، الانضمام للاتفاق الإطاري، حال دون استمرارهم في التحالف» لافتاً إلى «بذله قصارى جهده دون جدوى، للحيلولة دون توقيع تلك المكونات على الاتفاق الإطاري».
وشدد على اختياره «الانحياز إلى الشارع الرافض للتسوية مع العسكر».
وفي سياق التحركات لبناء جبهة عريضة لمقاومة الانقلاب، التقى وفدان من حزبي «البعث» و«الشيوعي» الأسبوع المنصرم، الأمر الذي اعتبره مراقبون، بداية لتشكل المعارضة الجديدة، خاصة وأن الحزبين يعارضان التسوية مع العسكر.
وحسب بيان مشترك للحزبين «ناقش الاجتماع التطورات السياسية والتحديات التي تواجه السودان، التي عمقها انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، وسبل التنسيق المشترك بين الحزبين والقوى الحية المقاومة للانقلاب، وجهود شرعنته، وصولاً لتحقيق مطالب الشعب في الحكم المدني الديمقراطي». وجرى التأكيد على «مواصلة الحوار واللقاءات بين الجانبين، وصولاً لما يخدم نضال شعب السودان ووحدة قوى انتفاضته الثورية».
وقال خلف الله لـ«القدس العربي» إن «اللقاء مع الحزب الشيوعي تم بموجب مبادرة من حزب البعث في إطار اتصالاته مع القوى السياسية والاجتماعية الحية لبلورة وإعلان أوسع جبهة شعبية لإسقاط نظام القائد العام للجيش عبد الفتاح البرهان بالإضراب السياسي والعصيان المدني الشامل». وأشار إلى أن» الخطوة جاءت استشعارا لمتطلبات المرحلة التي تتجاوز المقدرات الذاتية لأي من مكونات الحراك الشعبي والسياسي الرافض للتسوية مع العسكر منفردا».
وعلى الرغم من ذلك، أكد أن الهدف من اللقاء «ليس تكوين تحالف ثنائي بين الطرفين، وليس دعوة للالتحاق بتحالف معلن»
وأضاف أن «وعي التجربة والمرحلة، يقود إلى إدراك أهمية بلورة جبهة جماهيرية واسعة من كافة القوى الحية المقاومة للانقلاب، المتمسكة بوحدة وسيادة واستقرار السودان، بالاعتماد على خبرات وتقاليد شعبه السلمية الديمقراطية في مقارعة الدكتاتوريات بالانتفاضة الشاملة».
حوار متواصل
وأشار إلى أن اللقاء «خطوة أولية لحوار متواصل وشامل ومتجاوز» لما وصفها بـ «التحالفات الضيقة والمحدودة، أيديولوجية كانت أو يسارية» لافتا إلى أن اللقاء «جاء إدراكا لطبيعة وسمات المرحلة وتحدياتها التي تستوجب إشراك وتفاعل كافة القوى، سياسية واجتماعية، في معركة إسقاط الانقلاب واستعادة الانتقال الديمقراطي وفق رؤية وبرنامج متوافق عليه بوضوح ودقة لما بعد إسقاط الحكم العسكري».
البرهان يتمسك بدمج «الدعم السريع» بالجيش… واجتماع بين «البعث» و«الشيوعي»
وقال إن «مطالب الحكم المدني الديمقراطي لا يمكن تحقيقها إلا بأوسع مشاركة جماهيرية سلمية بمركز قيادي يوحد وينسق بين مكوناتها».
وفي نوفمبر/ تشرين الأول2020، أعلن الحزب «الشيوعي» الخروج من تحالف «الحرية والتغيير» وتبرأ من اتفاق الوثيقة الدستورية، الذي تأسست عليه الشراكة بين المدنيين والعسكريين في الحكومة الانتقالية، مؤكدا أن» الوضع في البلاد يمضي نحو الانقلاب على الحكم المدني الديمقراطي، ومطالب الثورة السودانية».
وفق ما قال أستاذ العلوم السياسية في جامعة النيلين مصعب محمد علي لـ«القدس العربي» فإن «التقارب مجدداً، بين الشيوعي والبعث، يأتي في سياق التحالفات السياسية التي قامت في الفترة الأخيرة بين المكونات السياسية وفق المستجدات الراهنة في البلاد».
ومستقبل الخطوة، حسب قوله «يمكن أن يؤدي إلى انضمام البعث إلى تحالف التغيير الجذري أو التنسيق فيما بينهم لتكوين تحالف جديد، حتى لو استبعد الحزبان ذلك في الوقت الراهن».
وأضاف: «لا أعتقد أن الخطوة للتنسيق فقط، لإسقاط المجلس العسكري، بل أن النظر لشكل التحالفات القائم الآن في السودان، يشير إلى أن الأحزاب السياسية ستتجاوز مسألة التنسيق، إلى مراحل أبعد، متعلقة بتحالفات تضم أصحاب الأهداف المتقاربة والمرحلية، وبالتالي فإنها قد تتطور لتضم أحزابا جديدة والى سعي نحو التوسع من أجل تحقيق الأهداف».
وتأتي تحركات القوى السياسية الرافضة للتسوية مع العسكر، لتكوين جبهة لمقاومة الانقلاب، في وقت تتواصل التظاهرات الشعبية التي تقودها تنسيقيات لجان المقاومة في أحياء ومدن السودان المختلفة. وفيما تواصلت المواكب الدعائية داخل الأحياء، أعلنت لجان المقاومة عن تظاهرة مليونية، غدا الثلاثاء، قالت إنها ستتوجه نحو القصر الرئاسي وسط الخرطوم، مؤكدة أنها ستواصل التصعيد لإنهاء الانقلاب.
والمحتجون الذين رفعوا شعار اللاءات الثلاث: «لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية» لقادة الانقلاب، أحرقوا السبت، إطارات السيارات في الشوارع الرئيسية للعاصمة السودانية الخرطوم، احتجاجا على التسوية مع العسكر.
ويأتي ذلك في وقت يمضي فيه شهر فبراير/ شباط نحو نهاياته، دون إكمال متطلبات المرحلة الأخيرة من العملية السياسية، والتي كان من المقرر أن تفضي إلى توقيع اتفاق نهائي بين أطراف الاتفاق الإطاري في بداية مارس/ آذار المقبل.
وكان من المنتظر أن تنعقد خلال الأسبوع المنصرم الورشة الخاصة بالإصلاح الأمني والعسكري، والتي تعد من القضايا الخمس المؤجلة للمرحلة النهائية من العملية السياسية وفق الاتفاق، والتي تشمل كذلك تفكيك نظام الرئيس المعزول عمر البشير، ووضع خريطة طريق لحل أزمة شرق السودان وتقييم اتفاق سلام جوبا 2020 والتي تمت مناقشتها خلال الشهرين الماضيين، بالإضافة إلى قضية العدالة والعدالة الانتقالية، التي لم يعلن موعد الورشة الخاصة بها حتى الآن. غير أن خلافات الأطراف العسكرية تصاعدت بالتزامن مع التحضير لورشة الإصلاح الأمني والعسكري، التي لم يعلن بعد عن موعد جديد لانعقادها، فيما يداهم الوقت الإطار الزمني للمرحلة النهائية للعملية السياسية، التي كان من المنتظر أن تنهي أعمالها هذا الشهر تحضيرا لتشكيل الحكومة الشهر المقبل. وفي استمرار لخطاب الجيش، ومطالبه بدمج قوات «الدعم السريع» التي يقودها نائب رئيس المجلس السيادي، محمد حمدان دقلو «حميدتي» في الجيش، أكد العضو العسكري في المجلس السيادي، ياسر العطا، خلال مخاطبته حفل زفاف جماعي السبت في ولاية نهر النيل، شمال البلاد، على «تصميم القوات المسلحة على دمج الدعم السريع في الجيش». وزاد: «ليست هناك دولة محترمة فيها جيشان». وواصل: «الجيش الخاص لن يؤدي إلا إلى انهيار الدولة».
وأكد على أن «القوات المسلحة قادرة على بسط الأمن والسيطرة على تبعات أي تصرفات متفلتة وغير مسؤولة قد يقدم عليها البعض».
وجاءت تصريحات العطا مواصلة لتصريحات البرهان الذي أكد أن استمراره في العملية السياسية مرهون بدمج القوات المسلحة في الجيش، فضلا عن تشديد العضو العسكري في المجلس السيادي شمس الدين الكباشي، على المطالب ذاتها في عدد من خطاباته الأخيرة، الأمر الذي قد يؤخر قيام ورشة الإصلاح العسكري وإكمال العملية السياسية في البلاد وفق الاتفاق الإطاري بسبب خلافات العسكر.