الخرطوم ـ «القدس العربي»: بالتزامن مع الذكرى الثالثة لمقتل الأستاذ أحمد الخير، على يد الأجهزة الأمنية، انطلقت أول تظاهرة نوعية في السودان، منذ انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حيث شارك مئات المعلمين في مواكب المطالبة بالعدالة، التي توجهت نحو مباني الهيئة القضائية وسط العاصمة الخرطوم، والهيئات العدلية والقضائية في الولايات الأخرى، فيما انعقدت، أمس الثلاثاء، جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأمريكي حول السودان، جدد خلالها الكونغرس الأمريكي تأكيده على أن ما حدث في السودان انقلاب عسكري، وشدد عدد من أعضائه على ضرورة استهداف أشخاص محددين بالعقوبات، بسبب عملهم على تقويض الانتقال الديمقراطي في السودان.
وخرجت مواكب العدالة، التي دعت لها لجنة المعلمين السودانيين، بمشاركة قطاعات مهنية واسعة، منها لجنة المحامين السودانيين ولجنة المختبرات الطبية ولجنة المهندسين.
والمواكب كانت تحت شعار «الجرائم لا تسقط بالتقادم، مقتل معلم مقتل أمة».
رفع المتظاهرون شعارات مطالبة بإسقاط الانقلاب العسكري وتحقيق العدالة و«القصاص للشهداء».
تأخر تحقيق العدالة
وقال عضو لجنة المعلمين السودانيين، عمار يوسف لـ«القدس العربي» إن وفدا من المعلمين قابل رئيس القضاء خلال التظاهرة، وناقش معه تأخر تحقيق العدالة، وتنفيذ حكم الإعدام في عناصر جهاز الأمن المتورطين في قضية تعذيب وقتل الأستاذ أحمد الخير، وأكثر من 150 قضية أخرى، أكملت جميع مراحل التقاضي، دون تنفيذ للأحكام القضائية التي صدرت فيها.
وأشار إلى أن رئيس القضاء عزا تأخر تنفيذ الأحكام إلى عدم تكوين المحكمة الدستورية، مؤكدا على ضرورة تكوينها في أقرب وقت.
وتوجهت تظاهرات العدالة نحو الهيئة القضائية وسط الخرطوم، رغم منع السلطات التظاهر في تلك المنطقة، وقال يوسف إن المعلمين حددوا الهيئة القضائية كوجهة للتظاهرات أمس، تأكيدا على الحق في التظاهر السلمي الذي انتزعه السودانيون بدمائهم.
وشدد على أن لا تنازل عن هذا الحق أبدا.
وأكد أنهم اختاروا أن تكون أول تظاهرة نوعية بعد الانقلاب، تطلقها القطاعات المهنية لقضية العدالة، لأن الإفلات من العقاب وعدم تحقيق العدالة أحد الأسباب الرئيسية لاستمرار جرائم القتل والعنف الممنهج ضد السودانيين حتى الآن، مشيرا إلى أن شعار الثورة السودانية، سيظل «حرية سلام وعدالة».
وأكد أن القطاعات المهنية المختلفة من خلال التنسيق المشترك، ستنخرط في العديد من أشكال المقاومة المختلفة لإسقاط الانقلاب.
وكانت محكمة سودانية قضت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بإعدام 29 من عناصر جهاز الأمن السوداني، بعد إدانتهم في جرائم تعذيب وقتل الأستاذ أحمد الخير، في يناير/كانون الثاني من العام نفسه، بعد اعتقاله في تظاهرات في مدينة كسلا شرقي البلاد.
اعتقالات
في الموازاة، أكدت تنسيقيات لجان مقاومة الولاية الشمالية، الثلاثاء، التصعيد بعد اعتقال جهاز الأمن لعدد من أعضاء تنسيقيات لجان مقاومة ولاية الخرطوم، في طريق عودتهم من زيارة الحواجز التي وضعتها لجان مقاومة الولاية الشمالية وأجسام مطلبية أخرى أغلقت طريق شريان الشمال القومي الذي يربط السودان ومصر «تروس الشمال».
وبدأت الأجسام المطلبية في الولاية الشمالية بإغلاق طريق «شريان الشمال» تنديدا برفع تعريفة الكهرباء، إلا أن المطالب اتسعت بعد ذلك لتشمل قضايا تدهور الخدمات ونصيب الولاية في الكهرباء والتعدين، وصولا لمطالب سياسية تتعلق بإسقاط الانقلاب، وإلغاء مسار الشمال في اتفاق السلام، التي رفعها عدد من لجان المقاومة والمجموعات السياسية هناك.
في السياق، أعلنت تنسيقيات لجان مقاومة الخرطوم، جدول تظاهرات شهر فبراير/شباط، الذي يضم أربع تظاهرات معلنة، لم تعلن وجهتها بعد، وحددتها بأيام 7،14،21،28 بواقع تظاهرة لكل أسبوع، مشيرة إلى أن بقية أيام الشهر تركت لأشكال النضال الأخرى، حسب ما تراه اللجان والتنسيقيات والأجسام المهنية والمطلبية.
وأكدت أنها ستعلن خلال الشهر الجاري، عن ميثاق تنسيقيات ولاية الخرطوم تمهيدا لطرحه على وحدة القوى الثورية المناهضة للانقلاب.
«لن نؤجل المعركة»
وقالت في بيان، الثلاثاء: «بختام شهر يناير/كانون الثاني، تكمل مقاومتنا السلمية للانقلاب 25أكتوبر/تشرين الأول، المئة يوم، سطرنا فيها ملاحم قوية، رددنا خلالها أننا الجيل الذي كُتب عليه دفع ثمن نهاية الانقلابات العسكرية للأبد، ولن نؤجل هذه المعركة مهما كان الثمن ومهما طال الزمن».
وأضافت: «اعتقد الطاغية أننا جمع سهل المنال وأن الخوف حجر سيوقف جريان بحر الانتصار، فليعلم أن كلمتنا واحدة وأن المشانق ستعلق عليها رقابهم وأننا سائرون على درب شهدائنا تحت ظل موقفنا الثابت، لا تفاوض لا شراكة لا مساومة مع المجلس الانقلابي» مؤكدة أن «الانقلاب يترنح ويتصدع من الداخل بفضل نضال جماهير الشعب السوداني والضغط الرافض لهذا الانقلاب الساقط لا محالة».
مساعدة بلينكن: إذا اعتقد بعض شركائنا أن دعم العسكر سيفضي لاستقرار فهم واهمون
وتابع البيان: «الثورة مستمرة وطرق نضالها تكثر وتتغير وتتجدد، وسيكون فبراير/ شباط، شهراً عظيماً في مسيرة الثورة السودانية، حيث سيكتمل فيه صناعة وإعلان ميثاق تنسيقيات ولاية الخرطوم و طرحه لوحدة القوى الثورية المناهضة للانقلاب».
وأكدت تنسيقيات لجان مقاومة الخرطوم دعمها لكل أشكال النضال في مختلف المسميات ضد الانقلاب العسكري، مشيرة إلى إن فبراير/ شباط ليس إلا خطوة أخرى يخطوها السودانيون، بثبات نحو الهدف المنشود والدولة المدنية.
في إطار متصل، عقدت جلسة استماع في مجلس الشيوخ الأمريكي حول «انتقال السودان المهدد والسياسة الخارجية» إثر انقلاب الجيش في السودان، بحضور مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأفريقية، مولي في.
وأكد الكونغرس على ضرورة فرض عقوبات ضد الأفراد الذين يعيقون الانتقال الديمقراطي في السودان، وضرورة لعب الولايات المتحدة دورا أكبر في قضية عدم إعفاء ديون السودان وبرامج البنك الدولي وصندوق النقد الدولي في البلاد.
ولم ترد مساعدة وزير الخارجية بشكل مباشر على أسئلة النواب بخصوص فرض عقوبات على الأشخاص الذين يعيقون الانتقال الديمقراطي، مؤكدة أن الإدارة الأمريكية تنظر في استعمال صلاحياتها فضلا عن تطوير صلاحيات جديدة في الصدد
وبخصوص دعم بعض الدول لقادة الانقلاب العسكري، قالت: «إذا اعتقد بعض شركائنا أن دعم المؤسسة العسكرية السودانية سيفضي إلى استقرار البلاد، فهم واهمون» مؤكدة دعم الإدارة الأمريكية لمبادرة بعثة الأمم المتحدة لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان.
حقوق الإنسان
إلى ذلك، أعلن مجلس حقوق الإنسان في جنيف، تأجيل جلسة الاستعراض الدوري الشامل الخاصة بحقوق الإنسان في السودان، إلى اليوم، والتي كان من المقرر عقدها أمس. واستبقت الآلية الوطنية لحقوق الإنسان لحكومة الانقلاب، الجلسة ببيان مساء الإثنين، عبرت فيه عن «بالغ أسفها» إزاء ما وصفتها بـ«التعقيدات» التي فرضتها سكرتارية آلية الاستعراض الدوري الشامل بمجلس حقوق الإنسان حول مشاركة السودان خلال أعمال الدورة (40) للآلية، والتي ينتظر أن يستعرض خلالها تقرير السودان الثالث الذي يغطي الفترة من 2016-2020 في مجال حقوق الإنسان.
وقالت إن «السودان طيلة الفترة السابقة ظل ملتزماً بالتعاون مع جميع آليات حقوق الإنسان ومن بينها آلية الاستعراض الدوري الشامل، انطلاقاً من التزاماته الدولية وفق المواثيق والأعراف الدولية التي يكون طرفاً فيها» مؤكدة «رغبة الحكومة تطوير وترقية حقوق الإنسان بافتتاح المكتب القطري لمكتب السامي لحقوق الإنسان في الخرطوم».
وحسب البيان «بعثت الحكومة السودانية بوفدها الرسمي برئاسة وزير العدل المكلف، باعتباره رئيس الآلية الوطنية لحقوق الإنسان والذي يشمل جميع مؤسسات الدولة المعنية بملف حقوق الإنسان».
وأضاف: «أكملت الآلية استعدادها لاستعراض تقرير السودان وفق الموعد المحدد، إلا إن تمسك سكرتارية آلية الاستعراض الدوري الشامل باعتماد مندوب السودان الدائم السابق لدى مكتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية بجنيف، السفير علي الجندي، عقب إعفائه من منصبه كممثل للسودان خلال هذا المنشط، يعد انتهاكاً صريحاً لسيادة الدولة ومخالفة للتقاليد الدبلوماسية الراسخة التي أرستها بدءاً الأمم المتحدة وقيمها السمحة».
وتابع البيان: «إن هذا المسلك الذي اتخذته آلية الاستعراض الدوري الشامل لا يخلو من تسييس لعمل مجلس حقوق الإنسان وآلياته والنأي به عن أهدافه النبيلة التي من أجلها تصان الحقوق».
وبيّن أن «حكومة السودان وبالرغم من أنها ملتزمة بالتعاون مع جميع آليات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية وفقاً لالتزاماتها الواردة بالوثيقة الدستورية لحكومة الفترة الانتقالية، تؤكد أنها غير معنية بعقد هذه الجلسة ولن تتعاون حول أي مخرجات ناتجة عن عقد هذه الجلسة»
وفي سياق منفصل، يتوجه قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان «دقلو» إلى الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور.
وحسب تعميم صحافي لحكومة الولاية، تأتي الزيارة في إطار بحث ملف الترتيبات الأمنية الخاصة باتفاق السلام الموقع في أكتوبر/ تشرين الأول 2020.
يشار إلى أن أكثر من 300 شخص قتلوا على يد المجموعات المسلحة في دارفور، حسب التنسيقية العامة للنازحين واللاجئين، بعد تدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة وتجدد النزاعات في الفترة بعد انقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.