تعذيب الناشطات السعوديات: ماذا تقول الشياطين الخرساء؟

حجم الخط
12

في خريف سنة 2005، عند تدشين عهده وضمن مساعي الإيحاء بالتغيير والإصلاح، أحدث الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز «هيئة حقوق الإنسان» الحكومية التي تحددت أهدافها في «حماية حقوق الإنسان»، و«تعزيزها وفقاً لمعايير حقوق الإنسان الدولية في جميع المجالات»، و«نشر الوعي بها والإسهام في ضمان تطبيق ذلك في ضوء أحكام الشريعة الإسلامية». ولم يطل الوقت حتى أدرك العالم، أسوة بالمواطنين السعوديين أنفسهم، أن الهيئة لم تكن سوى فقاعة جوفاء لا حول لها ولا طول في أي أمر يخص حقوق الإنسان الأبسط، حتى بعد ربطها مباشرة بالملك في قرار لاحق صدر سنة 2016.
وبالأمس نشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية تقريراً مفصلاً أشارت فيه إلى أن الهيئة تحقق في تقارير أصدرتها منظمات حقوق إنسان دولية مثل «العفو الدولية» و«هيومان رايتس ووتش»، حول ممارسة صنوف التعذيب ضد الناشطات السعوديات اللواتي سبق أن قدن حملة لرفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة في المملكة. وتجري عمليات التعذيب في سجن ذهبان القريب من جدة بصفة خاصة، وتنطوي على الصعق بالكهرباء والإيهام بالغرق وإجبار المعتقلات على تقبيل معتقلين ذكور. وأجمعت التقارير على أن سعود القحطاني المقرب من ولي العهد محمد بن سلمان هو الذي كان يشرف على عمليات التعذيب، وسبق له أن هدد إحدى الناشطات بالاغتصاب. وكان القحطاني يشغل موقع مدير مركز الشؤون الإعلامية في الديوان الملكي، قبل إعفائه على خلفية تورطه في تصفية الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول.
ورغم الدلالة الخاصة لنشر هذه المعلومات في صحيفة أمريكية بارزة مثل «وول ستريت جورنال» ذات صلة بالمال والأعمال، فإن مما يضيف الإهانة على جراح الناشطات السعوديات أن تكون جهة حكومية «حقوقية» سعودية هي التي تحقق في ممارسة التعذيب داخل سجون المملكة. وحتى لو تجاسرت هذه الهيئة ورفعت إلى الملك تقريراً يؤكد حدوث تلك الانتهاكات، فهل سيبادر الملك بالفعل إلى محاسبة أعوان ولي عهده؟ وهل سبق له أن حاسب القتلة، أعوان وليّ العهد أنفسهم، حين افتُضحت على الملأ وأمام العالم بأسره تفاصيل الطرائق الوحشية التي لجأوا إليها عند قتل خاشقجي وتقطيع جسده؟
واضح للعيان أن بن سلمان، إذ يتشدق من جهة أولى بمنح المرأة السعودية حق قيادة السيارة، ولكنه من جهة ثانية يزج بالسجون ويعذب الناشطات أنفسهن اللواتي كنّ رائدات الحملات الأبكر لحيازة هذا الحق المبدئي، إنما يريد إيصال رسالة بسيطة بقدر ما هي مستقبحة، مفادها أنه هو بوابة «الإصلاح» وهو مانحها ومانعها، ولا يمكن لأي حق أن تتم المطالبة به عن طريق أي شكل من أشكال الاجتماع المدني، وخاصة إذا صدرت المطالبة عن ناشطات نساء. واضح كذلك أن تسريب تقارير التعذيب على هذا النحو يستهدف إطلاق بالونات اختبار أمام رعاة ولي العهد في البيت الأبيض، وعواصم أخرى صديقة له، تستكشف آفاق سكوتهم عن صنوف التعذيب هذه، ما داموا قد مرروا قبلها تقطيع الجثث بالمناشير.
فالشياطين الخرساء مرة، خرساء على الدوام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول mia:

    من يعتدي على الصبايا والنساء عموما لاأراه الا كلبا سعرانا لايدري أعماله القذرة..وما أكثر الكلاب السعرانة في دول السعار …..

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية