الناصرة- “القدس العربي”:
بعد أيام من المصادقة على قانون شطب “حجة المعقولية” الذي يمنع المحاكم من التدخل في قرارات حكومة الاحتلال ورئيسها، وإعلان وزرائها عن نيتهم طرح المزيد من مشاريع قوانين إضعاف السلطة التشريعية، دون توافق مع المعارضة، حمَل رئيس الموساد سابقا عليها بلهجة غير مسبوقة.
وحمل رئيس الموساد السابق تامير باردو، على حكومة الاحتلال، وقال إن رئيسها بنيامين نتنياهو لا يقل تطرفا عن وزرائه “الغيبيين” أمثال بن غفير وسموتريتش، وأنه لو كانت بعض تشريعاتها الجديدة قد شُرعّت في دول أجنبية، لوصفت بـ”اللاسامية”، معربا عن اشمئزازه من تصريحات وممارسات تذكّر بالأحزاب النازية.
وفي حديث للإذاعة العبرية العامة اليوم الخميس، قال باردو إنه قلق جدا على مستقبل إسرائيل، وإنه لا يقوى على النوم بسبب ما يراه ويسمعه. وتابع في تصريحات غير مسبوقة في حدّتها ووضوحها: “عندما عملت رئيسا للموساد وخططّنا لعمليات مختلفة، كنت أغمض عيني وأخلد للنوم قبل تنفيذها بشكل طبيعي، لكنني اليوم أنام وأصحو من كوابيس، ولا أقوى على النوم العميق قلقا على ما وصلت إليه إسرائيل. أنا قلق جدا. عندما أسمع نتائج التصويت في الكنيست على قانون إضعاف الجهاز القضائي: 64 مقابل صفر، هذا يرعبني” وفق تعبيره.
ويرى باردو أن الإسرائيليين اليوم انشطروا لمعسكرين، وأن رئيس الحكومة نتنياهو لا يكترث بما يجري، مستذكرا أنه غادر الكنيست فور التصويت المذكور، فيما قام وزراؤه بالاحتفال والتقاط صور “السيلفي” بانتصارهم على معسكر المعارضة والمحتجين. قائلا إن “هذه صورة مرعبة”.
وتابع باردو: “أرى أن إسرائيل اليوم بلا قائد. الزعم أن ثلة من المتطرفين يقودون نتنياهو وأنه أسير في حكومته، هو كذب ومجرد خرافة، فهو الذي يقود وهم الأسرى. أعرف نتنياهو منذ سنوات، وهو في معظم الوقت منذ عقدين، القائد الحاكم، وقد نجح دائما بالفوز في الانتخابات، وهو رئيس حكومة بعدما نجح بالتنصل من مسؤولية الأخطاء والفشل المتتالي، وبتصوير نفسه أمام الإسرائيليين كأنه رئيس المعارضة ومرشح للقيادة من أجل إنقاذ إسرائيل”.
وأكد باردو، أن النائب السابق عن حزب “ميرتس” وهو أيضا نائب سابق لقائد الأركان، يائير غولان، قد كان محقّا بتشبيهه وهو ما زال يرتدي البزة العسكرية عام 2016 بين ممارسات الاحتلال والنازية. وقتها، حذر الجنرال غولان من بعض المظاهر التي تحياها إسرائيل في الفترة الحالية التي تشبه ما عاشته ألمانيا النازية خلال ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين، وهو مما تسبب بردود فعل إسرائيلية غاضبة ضده.
وأوضح باردو أن نتنياهو هو الذي عيّن هؤلاء الفاشيين الغيبيين في حكومته، ومنحهم هذه الصلاحيات والوظائف العليا، مؤكدا أن نتنياهو بنى لنفسه ائتلافا يتشاطر مواقف ورؤى متطرفة جدا. وتابع: “سألته ذات مرة إلى أين إسرائيل ذاهبة في العلاقات مع الفلسطينيين، لكنه كان يتجاهل. وعندما عيّن سموتريتش وزيرا إضافيا مسؤولا عن الاستيطان في وزارة الدفاع، فهذا يعني أن أفكارهما واحدة”.
وحيال الانشقاقات الحاصلة في إسرائيل اليوم، قال باردو بلهجة حزينة، إن إسرائيل منشطرة، وإن ما يفعله نتنياهو هو تفكيك للجيش وتقطيعه لقطعة قطعة. وتابع: “أخشى أن الموساد أيضا يتعرّض لخطر الانقسامات”.
وأكد تامير باردو أنه قلق جدا على مستقبل المشروع الصهيوني، وقال إن جزءا من القوانين التي يشرعها الكنيست الإسرائيلي، كانت ستعتبر “لاسامية” لو أنها شُرعّت في إيطاليا أو الولايات المتحدة وغيرهما، لأنها تميز بين البشر بسبب دينهم. وعن مكامن القلق، قال باردو إنه لا يخشى من انهيار قوة الجيش، بل يخشى تفكك المرافق المدنية بقوله إن أكثر ما يقلقه على سبيل المثال، هو إضراب الأطباء.
وتابع: “الجاهزية العسكرية مهمة لكنها موجودة. عندما نفقد المؤسسة الأكاديمية والنخب الطبية والهايتك، ستتحول إسرائيل لدولة كدول العالم الثالث في مركز إفريقيا”. وردا على سؤال، قال باردو: “أصلي كي لا يفكّر أولادي بالهجرة من البلاد، وبالنسبة لأحفادي لا أعرف. لا أريد العيش في دولة غير ديموقراطية. ولذلك ينبغي فعل كل شيء حتى تبقى إسرائيل كما هي ديموقراطية. أعتقد أن أغلبية الإسرائيليين يريدون دولة غير دكتاتورية وسيسعون لمنع ذلك”.
في إطار السجال المتفاقم غير المسبوق داخل إسرائيل، قال رئيسها السابق رؤوفين ريفلين، في حديث للقناة 12 العبرية، إنه قلق جدا على مستقبل الدولة، وإنه متشكك جدا حيال استمرار قادتها في وضع مصالحها قبل مصالحهم الشخصية.
ريفلين كان قد توقع هذا الانفجار الداخلي في إسرائيل، وعبّر عن خوفه منه في خطاب له عرف بـ”خطاب الأسباط” قدمه ضمن مؤتمر هرتسيليا للمناعة القومية عام 2015، وقال فيه إن حالة الانقسام والتشظي في صفوف الإسرائيليين أخطر على إسرائيل من قنبلة إيران.
ويواصل عدد من المراقبين والمسؤولين السابقين في المستويين السياسي والأمني في إسرائيل، التحذير من القادم بمصطلحات “يوم القيامة” كالحديث عن “خراب الهيكل الثالث” في الذكرى السنوية لخراب الهيكل المزعوم، التي تصادف اليوم الخميس، أو الحديث عن نهاية “الحلم الصهيوني”.
واختارت صحيفة “هآرتس” مجددا نشر كاريكاتير بهذه الروح، يبدو فيه نتنياهو وهو يعتلي جرافة عملاقة، ويجمع حطام الجيش والمؤسسات الإسرائيلية، فيما يرقبه جانبا حسن نصر الله الذي يسأله: “هل تريد مساعدة؟ فيرد نتنياهو: لا شكرا لا حاجة”.
وقبل ذلك، نُشرت عدة رسومات مشابهة في الأيام الأخيرة، منها رسم يبدو فيها الإسرائيليون داخل حافلة تهوي بهم من قمة الجبل نحو واد سحيق.
وهناك من يعتبر كل ذلك جزءا من المعركة على وعي الإسرائيليين، وأن لغة الانتقاد تعتمد التهويل من أجل شيطنة حكومة الاحتلال. وهناك من يؤمن بأن إسرائيل فعلا تمر بمسيرة طويلة من التفكّك والتحلل التي تنذر بنهايتها مستقبلا، نتيجة الكثير من التفاعلات، وأهمها الانشقاقات المتفاقمة.