بدأ عام 2018؛ عام انتخابات الرئاسة المصرية، المحاطة بالغموض وكأنها سر عسكري، في نفس الوقت بدأت حملة «المشير» الانتخابية قبل كل الحملات؛ بالمخالفة للدستور والقانون، ويوفر لها «المشير» ميزانية مالية ضخمة وإمكانيات بشرية كبيرة، ومع ذلك يتَمَنَّع ولم يفصح عن نواياه الانتخابية حتى هذه اللحظة، وهذه عادة من الزهد المصطنع، والتظاهر بتلبية «رغبة الشعب وضغط الجماهير» ليترشح، ومن خلال هذه العادة يمارس هوايته الرئاسية المفضلة في هَنّدسة مؤيديه ومريديه رئاسيا وأمنيا، وتعتمد حملاته على ذوى الياقات البيضاء والملابس الغالية والمظهر المهندم، وهم الأقرب إلى «النُدُل»؛ جمع نادل أي خادم المأكل والمشرب بالفنادق الفاخرة، ومعروف في اللهجات الدارجة بـ«الجرسون» الذي يلبي وينفذ دون اعتراض أو سؤال، ويحرص «المشير» على إعدادهم وتأهيلهم بنفسه، وتعميق نفسية النادل فيهم؛ وهي نفسية أقرب إلى نفسية أصحاب مبدأ السمع والطاعة لدى بعض جماعات الإسلام السياسي.
ويحرص «المشير» على اللقاء بهم في قاعات فندقية فاخرة؛ بعيدا عن فصول الدراسة، وقاعات المحاضرات، وصالات الدورات التدريبية لتنمية القدرات وإدارة الحوارات واللقاءات وتبادل الخبرات.. وهؤلاء «النُّدُل» ينتقيهم «المشير» للالتحاق بـ«البرنامج الرئاسي» بنفسه.. والتسمية تنطوي على خدعة العمل في مؤسسة الرئاسة،
وإعداد القيادات الشابة له أصول وقواعد وبرامج يضعها متخصصون؛ في التدريب والتثقيف والتربية السياسية والإدارية وتنمية المهارات، والتدريب على الخطابة وإدارة الحوار وحلقات النقاش، والقيام بأعمال ميدانية وخدمية وبيئية في أحياء وقرى ونجوع وأندية ومزارع ومصانع ومعاهد وجامعات ومستشفيات في كل الأنحاء وعلى كل المستويات والأحجام، وهذا حديث يطول..
والغريب في «البرنامج الرئاسي» هو غياب السياسة؛ بينما رجال الأمن ومعاونوهم حاضرون دوما، ولا يخرج «البرنامج الرئاسي» عن أسئلة توجه من المشاركين وردود من «المشير»، الذي يجلس في الصف الأول معطيا ظهره للحاضرين!! وكأنه يخشى المواجهة، وإذا سأل المشارك سؤالا ليس على هوى «المشير» تنقلب النعومة إلى خشونة تصل حد الافتراس، وكل جهده أن يثبت أنه حصان الرهان الوحيد الجدير بالرئاسة، والمدافع عن الدولة وحامي حمى البلاد والعباد.
ولا قيمة عند «المشير» لدستور أو قانون أو رأي أو موقف، وهو القائل عن الدستور أنه وُضِع بـ«نوايا حسنة» وكأن الدساتير تصاغ بالنوايا السيئة، ووُضِع الدستور على الرف، واستُبدِل بإجراءات وقرارات «التأديب والانتقام والتضييق».. وكانت هذه لمحة عابرة تكشف أن مجرد التفكير في انتخابات حقيقية دون «هَنْدسَة أمنية ورئاسية» ضرب من الوهم.
هذا وضع قائم بعد سبع سنوات من قيام ثورة كبرى عام 2011؛ صنعها الشعب وحركها الشباب وشاركت فيها الملايين؛ وبعد ما يقرب من أربع سنوات على وجود «المشير» على رأس الدولة؛ استمر التمادي في «شيطنة» كل الفئات والقوى الوطنية والثورية بلا استثناء.
وتغيرت الملامح، وشاهت الوجوه، وزادت المعاناة.. و«المشير» لا يشعر بأي مسؤولية تجاه شعب اختاره وأوصله لمقعد الرئاسة، ولولا ثورتا يناير، ويونيو؛ لولاهما ما كان قد احتل الموقع أو تبوأ هذه المكانة، ولكان ضمن أرباب المعاشات.. والشعب الذي تطلع إلى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.. يواجه بسادية سلطوية منقطعة النظير؛ توجه إليه الضربات المتلاحقة..
وكان حسن الظن أو قل السذاجة وراء قبول مرشح للرئاسة بلا برنامج وطني.. وتم اكتشاف ذلك بعد فوات الأوان، وكل الشواهد تؤكد بأن «المشير» يملك برنامجا غير معلن، أمكن التعرف عليه من خلال السياق والخط الذي سار عليه من البداية للنهاية، ويوصف بالبرنامج غير الوطني، وأساسه تصنيع «دولة موازية» تلتزم بالتطبيع ومتحررة من القيود السياسية والوطنية والدستورية والقانونية، وبنى لها «عاصمة موازية».
وعلى سبيل المثال حين احتاج «المشير» مالا وضع «ميزانية موازية» من خلال «صندوق تحيا مصر»، وطلب من أباطرة المال ضخ مئة مليارات جنيه فيه؛ يتصرف فيها بعيدا عن الرقابة أو الضوابط الدستورية والقانونية. وحتى شهران مضيا لم يجمع صندوق «تحيا مصر» إلا تسعة مليار جنيه حسب تصريح المدير التنفيذي للصندوق، وحين طلب «المشير» تمويل «قناة السويس الجديدة»، قدم له المواطنون طوعا، وخلال ثمانية أيام ضعف المطلوب جمعه في ستة أشهر؛ وكان المبلغ 64 مليار جنيه بقيمة عملة ذلك الزمن القريب قبل أن تنهار في عام 2016 (سنة التعويم)، وتفقد سبعين في المئة من قيمتها التي كانت قبل ذلك التعويم البائس.
وفي هذه الظروف عرضت هيئة البث البريطانية (بي بي سي) خبرا مفصلا في نشرة العاشرة ليل الثلاثاء الماضي عن قرار الرئيس الصيني بالقضاء على الفقر بنهاية عام 2020.. أي في أقل من ثلاث سنوات من الآن، وحرصه على إضفاء وجه إنساني للحكم يزيد من استقرار البلاد ويقويها.. واستعنت بوسائط «التواصل الألكتروني» لمزيد من المعلومات حول القرار الصيني،لاستكمال بناء «مجتمع الحياة الرغيدة» بحلول عام 2020، والسعي إلى عدم وجود فقير على أرض الصين بحلول ذلك التاريخ.
وكان ذلك مطروحا من نهاية عام 2014، للتخلص من الفقر، وقتها كان عدد فقراء الريف الصيني 70.17 مليون مواطن. وخلال عام انتشلت الصين عشرين مليونا من هاوية الفقر بنهاية عام 2015، وكل مواطن يقل دخله السنوي عن أربعة آلاف يوان في عام 2020 يعد فقيرا، وتبذل الإدارة الصينية المزيد من الجهود لمساعدة الفقراء على التخلص من الفقر خلال الفترة المحددة. مع العلم أن نسبة الفقر في الصين في حدود 4٪ بين سكان بلغ عددهم مليار و379 مليون نسمة حسب إحصاء 2016.
وذلك هو الفارق بين ما نتابعه عن بعد في الصين، وأثمر جهد قادتها على ألا يبقى فيها فقير بنهاية 2020’؛ بينما تواجه مصر إفقارا متعمدا يضرب بجذوره في عمقها، وبذلك وضعت الصين أمام تحد إمكانية القضاء على الفقر في سنوات قليلة، وفي بلد بمساحة جغرافية شاسعة، وعدد سكان هو الأضخم عالميا.
والقيادة المصرية ممثلة في «المشير» تفرغت لتأديب مواطنيها، والانتقام منهم، والتضييق عليهم، وتتفنن في تجريدهم من إمكانيات الحياة الكريمة.. وهذا شَغَلَها عن معرفة حقيقة حراك متصاد ،صامت وكامن بين المصريين..
ومع ذلك ما زال «المشير» مصرا على لا يفصح عن نواياه الانتخابية، ويبدو أنه ينتظر معجزة؛ إذا لم تتحقق فليس أمامه إلا التزوير.. وأشرنا لذلك مبكرا، وتنبأنا بإمكانية التزوير وأن تكون انتخابات 2018 هي الأسوأ في التاريخ المصري.
٭ كاتب من مصر
محمد عبد الحكم دياب
قد لا يكون ولم يكن الاستاذ دياب ممن روج للرئيس الضروره واعني العسكري السيسي ، الذي لم يخض اي معركة طوال حياته العسكريه ، وذو تفكير سطحي ، ويكره الثقافه والسياسه ، وهو بفكره اقرب للاخوان المسلمون، اعود وأقول لم يروج له ، كما فعل هيكل مهندس إنقلاب السادات في مايو ١٩٧١ على النظام الوطني ولنقول الناصري ، عودة الوعي ( ليس كما فعل توفيق الحكيم ) ، مرحب بها، اما الذي يدهش من عاصر النظام الوطني الناصري ، هو عناد كثير من الوطنيون المصريين على التعلق ، ومنهم اولاد جمال عبد الناصر ، باقل المصريين ذكاء وثقافه وأراده ودرايه واقصد هنا عبد الفتاح السيسي.