تقارب إيراني إسرائيلي؟

حجم الخط
12

(1) احتفلت (إن صح التعبير) إيران الأسبوع الماضي بمرور 35 عاماً على حادثة اجتياح السفارة الأمريكية في طهران من قبل طلاب واحتلالها لـ 444 يوماً واحتجاز دبلوماسييها رهائن. وليس هنا مقام الخوض في أخلاقية ذلك الحدث، والقيام بعدوان على منشآت تتمتع بالحصانة الدبلوماسية، وكانت إيران تقيم معها وقتها علاقة دبلوماسية. يكفي أن وزير خارجية إيران وقتها الدكتور إبراهيم يزدي استقال من منصبه احتجاجاً على رفض آية الله الخميني دعمه ضد الطلاب الراديكاليين. ولكن الملفت هو أن هذا «الاحتفال»، الذي شمل مظاهرات تهتف «الموت لأمريكا»، تم قبل أيام قليلة من اجتماع على أعلى المستويات مع مسؤولين أمريكيين عقد في مسقط، لم يعقد بالقطع لبحث كيفية إماتة أمريكا، وإنما لاستعطاف «ماما» أمريكا.
(2) في نفس الفترة، كانت جماعة الحوثيين اليمنية التي ترفع دوماً رايات كتب عليها «الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل»، تزحف تحت غطاء جوي أمريكي من طائرات بدون طيار، لمنازلة خصومها وخصوم أمريكا من مقاتلي القاعدة. وهنا أيضاً، يطرح سؤال جدية رفع مثل هذه الشعارات، في وقت أصبح فيه التطابق بين مصالح الطرفين واضحاً، والتعاون في الميدان واقعاً مشاهداً.
(3) ليست هذه أول مرة تتناقض فيها الشعارات مع الأفعال، إذ شهدت الأعوام 1985-1987 ما هو أفدح: الدخول في صفقات سرية رباعية مع إسرائيل وأمريكا وحزب الله (الذي كان وقتها في طوره «الجنيني تحت مسمى «أمل الإسلامية»). وبحسب هذه الصفقة، يفرج حزب الله عن رهائن أمريكيين لديه، وبالمقابل تقوم إسرائيل ببيع أسلحة أمريكية الصنع لإيران. تقوم إسرائيل بدورها بتحويل المبالغ في حسابات سرية للإدارة الأمريكية مقابل تعويضها عن الأسلحة المباعة. تستخدم الأموال «المبيضة» لتمويل ميليشيات الكونترا المناهضة للحكومة الشيوعية في نيكاراغوا بدون علم الكونغرس لأن القانون يمنع مثل هذه العمليات.
(4) لعب الضلع «الخامس» في هذه التعاملات الإبليسية (سوريا) دوره في فضح العملية حين استخدم مجلة جريدة «الشراع» الموالية لفضح هذه الصفقة استناداً إلى مصادره في طهران. وكان الأمر كارثة على إدارة ريغان التي استقال أو أقيل عدد من أركانها. ولكن وبال الفضيحة في طهران لم يطل سوى الشخص الذي كشف السر، وهو مهدي هاشمي الذي أعدم نكالاً. فالإثم لم يكن عند القوم الكذب والتعامل مع إسرائيل، وإنما فضح هذه الآثام.
(5) لعلها حقيقة ذات مغزى هي أن الجناح المتشدد في طهران، وبدعم كامل من الخميني هو الذي تولى كبر هذه الصفقة التي كان أدنى كبائرها خطف الأبرياء والمتاجرة بهم. ولكن إيران شهدت فيما بعد نشأة تيار «معتدل» بقيادة هاشمي رفسنجاني، ثم جناح أكثر «اعتدالاً» بقيادة محمد خاتمي. وفي حين أن تيار رفسنجاني «الوسطي» لم يكن يمانع في التقارب مع أمريكا، فإن تيار خاتمي كان مولهاً بالولايات المتحدة ومتيماً بحبها. وهكذا تطور الأمر من فريق يرى التعامل مع إسرائيل شراً لا بد منه، إلى ثان يراه أمراً طبيعياً، ثم إلى ثالث يتمناه ويتوق إليه.
(6) عندما غزا العراق الكويت، أصبحت الظروف مهيأة أكثر للتقارب بين إيران وأمريكا، حيث قامت أمريكا نيابة عن إيران بما عجزت عنه من النكاية بأعدى أعدائها. وقد علمت من بعض من التقى الرئيس الأسبق رفسنجاني قبيل شن الحرب الأمريكية على العراق أن الرئيس الإيراني رد حين طلب منه دعم العراق ضد العدو المشترك أنه قال للوفد الذي أتاه: اذهبوا إلى صدام وأتونا بعرض منه وسننظر فيه. وهذا يوضح أن التعامل كان بعقلية البازار، ويبدو أن عرضاً أفضل جاء لطهران من واشنطن والكويت، فخسر صدام وربح بوش.
(7) مع غزو أمريكا للعراق في عام 2003، لم يعد هناك بد من التعامل المباشر والتنسيق بين واشنطن وطهران، إما مباشرة وإما عن طريق الحلفاء المشتركين في العراق. ومرة أخرى خالفت الشعارات الأفعال. فقد كانت أمريكا تلعن في المنابر صباحاً وتجالس على الموائد مساءً.
(8) ثم جاءت الطامة السورية، فسقطت الحجب ومزق دثار الشعارات من دعاوى المقاومة للاستكبار الأمريكي والكيان الصهيوني، باسم المستضعفين من ضحايا الاثنين. سقطت كذلك دعوى التدين التي قمع تحت ستارها من الإيرانيين ليس فقط العلماني والليبرالي، بل كذلك المتدين وحتى العالم الذي لا يؤمن بولاية الفقيه. فمع شعار «الموت لأمريكا» ارتفع شعار «الموت لأعداء ولاية الفقيه»! فاجتمع الحسنيان، الدين ونصرة المظلوم.
(9) ولكن مع سوريا وقف الفرعون عارياً من كل ثياب سوى دثار الطائفية الأقبح. فالأسد ليس من أنصار ولاية الفقيه، وهو عاجز عن مقاومة الاستكبار. هنا كان الاصطفاف باسم القبيلة/الطائفة لا غير. وقد كان واضحاً من تلك النقطة أن هذا القطار لن يتوقف إلا في تل أبيب. لأن من يعادي كل المنطقة سيكون ظهره إلى الحائط وقبلته القدس لا مكة.
(10) وهنا نصل إلى بيت القصيد، وهو اجتماع مسقط مع الشيطان الأكبر. فقد تطابقت المصالح وتقاربت التوجهات، وأصبح العدو واحداً. ولم يعد هناك ما يمنع من «عقد القران» إلا مسألة واحدة، وهي البرنامج النووي الإيراني، وهو هم إسرائيلي في الأساس، لأن إسرائيل هي التي تخشى الهلاك من صواريخ إيران. ولأن واشنطن هي الوكيل وليست الأصيل في هذا الأمر، فلن يكون هناك حل لا ترضى عنه تل أبيب. وعليه لن يطول بنا الأمر قبل أن نسمع فتوى توجب الحج إلى المسجد الأقصى والصلاة فيه والسلام على ذرية سيدنا يعقوب، عليه صلوات الله وسلامه.
(11) فرغت من كتابة هذا المقال قبل أن أستمع صباح الأمس لمقابلة وزير حزب الله اللبناني محمد فنيش مع الـ«بي بي سي» التي جاء فيها أن حزب الله اليوم يرى نفسه حليفاً طبيعياً للغرب في الحرب على داعش. وقد كنا نتمنى على الأقل أن ينتهي على الأقل عهد الكذب والتدليس بعد أن برح الخفاء. ولكن مقابلة الوزير كانت مليئة بالمغالطات وخداع النفس، حين زعم بأن حزب الله تدخل لمحاربة داعش، بينما هو تدخل لحماية نظام الأسد من السقوط، حتى لو كان خصمه المهدي المنتظر. واتهم داعش بأنها قتلت من المسلمين أكثر مما قتلت إسرائيل، وهي تهمة تصدق أكثر في حق الأسد وإيران كذلك.
٭ كاتب وباحث سوداني مقيم في لندن

د. عبدالوهاب الأفندي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    النقطة الثانية عشرة اسمحلي يا دكتور عبدالوهاب أن أضيفها
    وهي زيارة الرئيس الايراني السابق نجاد لبغداد بحماية القوات الأمريكيه
    وطبعا كان العراق محتلا من الشيطان الأكبر أمريكا

    في القاموس الفارسي أظن أن الشيطان الأكبر معناه الصديق الأوفى

    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول زياد -لبنان:

    بعد الثورة الفارسية التي قامت في طهران بقيادة الخميني التي ادعى أنها إسلامية زورا وبهتانا ولم تأخذ سوى الاسم من الإسلام فهي كانت للأسف توسعية بهدف نشر المذهب الشيعي واليوم أزالت الأحدث الجارية في كل من وبغداد سابقا واليوم في دمشق وصنعاء وقبلها في بيروت ورقة التوت التي كان يتغنى بها النظام الفارسي والأسدي في دمشق وهي فلسطين السليبة بأيدي الصهاينة ليصبح هناك تحالف عربي صهيوني فارسي أمريكي ضد عصابة البغدادي خوارج العصر الجديد فلهم نقول تحالفوا مع من أردتم لكن تحالفكم اليوم سوف يكون مصيره الفشل كما كان حلف بغداد وغيرة من الأحلاف لان الله لا يصلح عمل المجرمين والزمن خير دليل على ذلك فشكر لك يا دكتور عبد الوهاب افندي على هذا المقال الرائع الذي يضع اليد على الجرح الغائر في مجتمعنا

  3. يقول الحريزي الإدريسي:

    في غمرة الإحتفالات بمرور 25 سنة على سقوط جدار برلين تذكرنا تلك الجدارية التي تصور قبلة برجنيف و هونكر للرسام ديميتري فروبل.

    حبذا لو أن أحد فنانينا يقتبس منها عملا فنيا مماثلا يصور الحالة الإيرانية الأمريكية.

  4. يقول عبدالله ناصر:

    اتدري يا دكتور لما الشعارات ﻻنهم يعلمون ان غالبية العرب الذين جهلهم اﻻستبداد يتبعون كل ناعق فمن نعيق القوميين الى نعيق اﻻشتراكين ونعيق الشيوعين وغيرهم من الناعقين والحبل على الجرار

  5. يقول محمد علي . الخليج الفارسي / ايران:

    شقان للمسأله ..

    العدو ايران طيب فهمناها ..

    اين الشق الثاني وهي كيفيه مواجه ايران ؟؟

    اما شيطنه ايران لمجرد الشيطنه الى ماذا يؤدي ؟؟

    طيب ايران عدوه وانتم الحمل الضعيف المستكين الذي لا حول له ولا قوة !!!

    واجبكم تقوية انفسكم وجيوشكم اما التحريض على ايران فالى اين يؤدي ؟؟؟ ماهي النتيجه المرجوة ؟؟

  6. يقول منجد لاروس-المغرب:

    اسمح لي دكتور.ذكرت نقطة تناقض مقالك كليا.إسرائيل تخشى من صواريخ إيران،وهذا هو بيت القصيد الأكبر.وإذا كانت إيران تتعامل مع أمريكا فمن منطلق قوة كبرى يحسب لها حسابها في المنطقة،ليس كدويلات مطيعة تنتظر إملاءات العم سام.وإذا كان العرب يحسدون إيران عل تعاونها مع أمريكا،فمعظم العرب أتباع لأمريكا.أم أن تعاون العرب حلال وحرام على إيران.وإذا كانوا يحسدونها على قوتها،فليصنعوا لأنفسهم قوة يدافعون بها عن مصالحهم.وإذا كان بسبب تشيعها فليصنعوا أمة سنية ليقفوا بوجهها.أنا فعلا يذكرني العرب بالمقدمة الطللية في شعرهم.هذا ما تبقى.البكاء على الأطلال. #مفكر مستقل ومبتدئ#

  7. يقول محمد محمود *فلسطين 48*:

    غريب الامر ما القصد من التحريض على ايران واثارة الوهم ان ايران صديقه لاسرائيل واميركا والعكس هوا الصحيح اذا كانت هذه الصداقه بمثل هذه الحميميه لماذا تقوم الدنيا ولا تقعد ضد ايران من قبل اميركا واسرائيل ؟؟؟ ولو ان اميركا واسرائيل يعلمون ان عظم ايران طري لكان كسروه منذ زمن بعيد -الصحيح والغير قابل للتشكيك ان اصدقاء اسرائيل بالذات واميركا هم العرب وبدون استثناء ومن لا يوجد له علاقات حميمه مع اميركا يتوسل لاميركا ان تكون العلاقات حميمه -حتى ان بعض الانظمه العربيه هم بمثابة عبيد لاميركا وحلف مشترك مع اسرائيل ضد حزب الله وحماس والامر لا حاجه لبراهين لان القاده الاسرائليين تحدثو مرات كثيره عن هذا الحلف العربي الاسرائيلي- كفى تشكيك بايران لان هذا التشكيك مبني على معلومات قديمه وكانت ذروف خاصه كانت ايران مستعده ان تتعاون مع الشيطان من اجل الدفاع عن نفسها امام العدوان الصدامي المدعوم اميركيا في حينه -واذا كان البعض يريد نبش الماضي فليكن لان الماضي مليئ بالكوارث المخزيه للانظمه العربيه الباليه

  8. يقول على نور الله:

    اردت ان ارد على كل نقطة من النقاط المكتوبة و لكن قررت ان لا افعل و ذلك لانه خطر بالى سؤال واحد يكشف زيف هذه الادعاءات على ايران
    ما هو الغرض من التحالف السري الامريكى الاسرائيلى الايرانى الذى يدعيه البعض ؟؟؟؟؟؟؟؟؟
    انا اتفهم وجود تحالف و تآمر سري ضد دول مقاومة و تتصدى لامريكا و اسرائيل ، فما الغرض من التحالف و التآمر على دول عربية مستسلمة و اعلام اسرائيل ترفرف فيها و تتلقي اوامرها من امريكا حتى على مستوى المناهج الدراسية ؟؟؟؟؟؟؟؟

  9. يقول خليل ابورزق:

    بداية انا ضد موقف ايران في سوريا مهما كانت المبررات. و في نفس الوقت فاني لا استطيع ان انسى ان البادئ اظلم و ان صدام قد شن حربا غير عادلة على ايران لحساب امريكا و دفاعا عن نظامه و انظمة الخليج و السعودية منها بشكل خاص. ثم ان السعودية قد استمرت بمناصبة ايران العداء و طورته الى فتنة طائفية خوفا من نجاح النموذج الاسلامي الايراني، وخوفا من انتقام ايران بسبب تمويل و دعم السعودية لصدام.
    حتى في سوريا فان التدخل السعودي كان قصده ايران اكثر منه بشار. و ها نحن نحصد فشل سياسات جهلائنا و لا جديد في الامر.
    ارجو ان لا ننسى اخطائنا وان البادئ اظلم

  10. يقول عزيز الخزرجي:

    عزيزي الكاتب:
    إعلم بأن إيران قوة عظمى, تهابها الولايات المتحدة الامريكية كما الدول الصغرى!
    بسبب نهجها و قيادتها و شعبها الصامد الصابر الذي أثبت بأنه صاحب دين حقيقي!
    و هذه الكتابات و المدعيات لا تعدو أن تكون سوى زوبعة في فنجان!

    إسمع لتحدي قائد من قادة الدولة الأسلامية في إيران وهو يستهزأ بأمريكا في صلاة الجمعة هذا اليوم, و قس على ذلك إن كنت تملك قلباً نابضاً بآلأنسانية و الحق!!؟

    قال إمام جامعة طهران؛ آية الله العظمى موحدي كرماني:
    “على اوباما وبدلا من كتابة الرسائل اثبات حسن نواياه، فما زال حبر رسالته لم يجف حتى اصدر قرارا بتمديد الحظر على ايران، واميركا تدرك ايضا انه لا يمكن تجاهل قدرة ايران في مواجهة داعش”.
    و اضاف: “ان اوباما وكيري يدعيان ان عدم التوافق افضل من التوافق السيء، ونحن نقول ايضا ان عدم التوافق افضل من الخضوع للغطرسة والقبول بمقترحات امريكا الظالمة”.
    من جهة اخرى، اشاد آية الله كرماني بالانجاز الذي حققه المتخصصون في القوة الجوفضائية بالحرس الثوري في تصنيع النموذج الايراني لطائرة التجسس الاميركية بدون طيار من طراز RQ170.
    للتفاصيل:
    http://www.alalam.ir/news/1648881

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية