مات أربعة فلسطينيين في السجون الإسرائيلية، واثنان ماتوا في معتقلات الجيش الإسرائيلي منذ بداية الحرب. شهدت “هآرتس” بوجود كدمات على جثمانين منهم. وثمة شهادات على وجود عنف سبق موتهم أو إهمال طبي. في حالة من الحالات، تشير شهادة سجين أطلق سراحه إلى جانب تقرير تشريح جثة أجراه طبيب العائلة، إلى أن سبب موت المعتقل الإداري هو تعرضه للعنف غالباً. مع ذلك، لم يتم تحديد سبب الوفاة. ازدياد حالات الموت يأتي على خلفية شهادات قدمها سجناء ومعتقلون للمحامين والمحاكم العسكرية عن عنف تعرضوا له في السجون واستناداً إلى شهادات سجناء أطلق سراحهم في إطار الصفقة مع حماس.
عبد الرحمن مرعي، أحد سكان قراوة بني حسان، مات في سجن مجدو في 13 تشرين الثاني عندما كان عمره 33، وبعد اعتقاله إدارياً في شباط. بعد عشرة أيام، أجري تشريح له بعد الوفاة في معهد الطب الشرعي في “أبو كبير” وبحضور طبيب من منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان” بناء على طلب من عائلته. وحسب كل نتائج التشريح التي بحوزة الطبيب والتي وصلت إلى “هآرتس”، تبين أن آثار ضرب كانت على صدر مرعي، وكانت ضلوعه وعظام صدره مكسورة.
وتضمن التقرير أيضاً وجود علامات ضرب خارجية على رأسه ورقبته وظهره ومؤخرته ويده اليسرى والورك. وكتب أيضاً أنه وبسبب صحته الجيدة ولا وجود لأمراض سابقة عنده، فمن المرجح أن العنف الذي تعرض له والعلامات الدالة على ذلك والظاهرة على جسمه، هي ما سببت وفاته. مع ذلك، أشير أنه لا يمكن تحديد سبب الوفاة في هذه المرحلة، وأن فحوصات أخرى ستجرى لاحقاً قد تسلط الضوء على الموضوع. وكتب أيضاً أن تقرير الشرطة الذي عرض على معهد الطب الشرعي، بين أن مرعي خاضعاً للتكبيل بقوة لستة أيام قبل وفاته.
تضاف إلى التقرير شهادة لسجين أطلق سراحه في 16 تشرين الثاني من سجن مجدو، قال إنه كان مع مرعي في الزنزانة نفسها، وقدم إفادته لـ “أطباء من أجل حقوق الإنسان” في محادثة هاتفية بعد إطلاق سراحه. وحسب قوله، فإن قوات من وحدات مختلفة تابعة لمصلحة السجون، اعتادت منذ بداية الحرب على الدخول إلى السجن أيام الأحد والثلاثاء كل أسبوع، وتكبيل أيدي السجناء وراء ظهورهم وضربهم. وقال إنه كان شاهداً على الضرب الذي تعرض له مرعي قبل بضعة أيام من إطلاق سراحه هو نفسه. “لقد كبلوا أيدينا وراء ظهورنا وبدأوا في حفل الضرب”، وفق شهادته التي وصلت “هآرتس”. “استفزوا أحد السجناء، وهو مرعي، وشتموا والده المتوفى منذ فترة قصيرة. بدأ مرعي بالصراخ، ثم هاجمه حوالي 15 شخصاً من رجال القوة، فأحاطوه وضربوه ضرباً مبرحاً. استمر الضرب خمس دقائق، وركزوا ضربهم على رأسه، ثم أخذوه، وما علمنا عنه شيئاً بعد ذلك “. بعد أسبوع، قال، إن السجناء تلقوا نبأ وفاته.
السجين الأخير الذي توفي أثناء وجوده في السجن هو ثائر أبو عصب، من قلقيلية (38 سنة). توفي في سجن “كتسيعوت” [سجن النقب الصحراوي] في 18 تشرين الثاني. كان أبو عصب مسجوناً في إسرائيل منذ 2005 بتهمة محاولة قتل. بعد بضعة أيام على وفاته، قدمت عائلته بواسطة المحامي سليمان شاهين طلباً للتحقيق في سبب موته بمرافقة طبيب العائلة بدعوى أن موته لم يكن طبيعياً. في اليوم نفسه، ردت الدولة بأن تشريح الجثة أجري بعد يومين على وفاته، لأن المحكمة صادقت على إجرائه بدون إبلاغ العائلة والحصول على موافقتها بسبب صعوبة الاتصال مع سكان “المناطق” [الضفة الغربية] في فترة الحرب. وكتب أيضاً بأنه لم يتم تسلم تقرير نهائي حول سبب موته حتى الآن.
مع ذلك، وفي الأيام الأخيرة من إطلاق سراح سجناء أمنيين في إطار صفقة التبادل، نشرت شهادات تلقي الضوء على ظروف موت أبو عصب. نشرت قناة الإعلام “شبكة القدس الإخبارية”، الجمعة الماضي، مقابلة مع سجين اسمه محمد الكتناني (18 سنة) من مخيم عسكر للاجئين في منطقة نابلس، وهو من “الجهاد الإسلامي”. ووفق قوله، كان في نفس الغرفة مع أبو عصب. وقال إن أبو عصب توفي بعد ضربه ضرباً مبرحاً على يد وحدة “كيتر” التابعة لمصلحة السجون، المسؤولة عن الإخلال بالنظام في السجون. وقال في مقابلة موثقة نشرت في الشبكات الاجتماعية: “دخلوا الغرفة وبدأوا بضربنا دون سبب. أخذوا الشهيد أبو عصب إلى المراحيض، وقاموا بضربه بعصا على رأسه. شاهد السجان النزف من رأسه، فاستمر في ضربه جهة كتفه حتى كسره. ثم ضربه مرة ثالثة وسقطت قطعة من رأسه على الأرض. شاهدنا شيئاً يسقط بيننا”. وحسب قوله، غادر السجانون الغرفة بعد ذلك. “لم نعرف ماذا نفعل. فعلنا كل شيء كي لا يتحرك. وطلبنا أن يأتي شخص لمساعدتنا”، قال الكتناني. “حاولنا فحص نبضه، لكنه كان قد توفي في هذه الأثناء. غطيناه بأيدينا”. ووفق قوله، وصل سجان إلى المكان بعد ساعتين، ولاحظ أبو عصب مرمياً على الأرض. نقله السجانون على حمالة، وأبلغوا السجناء بعد بضع دقائق بوفاته.
في تشرين الأول توفي في معتقلات مصلحة السجون اثنان آخران: عمر ضراغمة (58 سنة)، وهو عضو في حماس اعتقل إدارياً بعد يومين على اندلاع الحرب وتم احتجازه في سجن مجدو، وتوفي في 23 تشرين الأول. اعتبرت حماس موته عملية اغتيال. وقال محامي ضراغمة، أشرف أبو اسنينة، أثناء إجراءات الاعتقال، للصحيفة بأنه تم عقد جلسة في المحكمة في يوم وفاته، حضرها عبر الفيديو. “كان النقاش عادياً. سألته: كيف تشعر. أجاب: على ما يرام. وقد أوضح لي بأن الوضع في السجن بشكل عام صعب وأن سلوك مصلحة السجون عنيف”، قال المحامي. وحسب قوله، بعد بضع ساعات على الجلسة، تم إبلاغه بوفاة ضراغمة. وبعد وفاته، اتخذت المحكمة قراراً بالمصادقة على أمر الاعتقال الإداري لستة أشهر.
في اليوم التالي، توفي عرفات حمدان (25 سنة) في سجن عوفر. وقالت هيئة الأسرى الفلسطينيين إن حمدان اعتقل قبل يومين من وفاته. وحسب أبناء عائلته، كان مريضاً بالسكري، وقالوا إن السلطات الإسرائيلية عرفت ذلك. الأب ياسر حمدان، قال للصحيفة في محادثة بأن رجلاً من “الشاباك” اتصل به وطلب منه إرسال أدوية. تحدثت “هآرتس” مع معتقل أُطلق سراحه مؤخراً من سجن مجدو هو أيضاً كان مريضاً بالسكري. وحسب قوله، رغم أن معرفة سلطات السجن بمرضه، لم يحصل على الدواء بشكل منظم. “أعطوني الدواء مرتين في حين كان يجب أن آخذه ثلاث مرات في اليوم”، وقال الطبيب سامر، وهو طبيب في مهنته، بأن الكثير من المعتقلين معه لم يحصلوا على الأدوية التي يحتاجونها.
ومثلما كشفت “هآرتس”، فإن معتقلين من غزة توفيا أثناء وجودهما في معتقل للجيش في معسكر قرب عناتا، وفي سجن عوفر بالضفة الغربية. كانا من عمال غزة، تم اعتقالهما بعد أن ألغت إسرائيل تصاريح العمل بشكل جماعي بعد 7 تشرين الأول، واحتجزت العمال في معتقلات عسكرية إلى حين نقلهم إلى القطاع في تشرين الثاني. وحسب شهادات وصلت “هآرتس”، فإن رجا سمور (46 سنة) وهو أب لأربعة أولاد في غزة، كان مريضاً بالسكري، وقد توفي لعدم حصوله على العلاج الذي طلبه بعد اعتقاله في معسكر “عناتوت”. والمعتقل الثاني هو ماجد زقول (32 سنة)، الذي -حسب تقارير وسائل الإعلام الفلسطينية- كان مريضاً بالسرطان، ويعيش في الضفة. تلقت عائلة زقول نبأ وفاته بعد ما نشره في الصحيفة. في حين لم تحصل عائلة سمور حتى الآن على أي بلاغ رسمي من السلطات عن وفاته. موعد وفاتهما الدقيق غير معروف؛ لأن الجيش الإسرائيلي لم يعلن عن ذلك. وجثماناهما ما زالا لدى الجيش.
موت السجناء في السجون يضاف إلى عدد آخذ في الازدياد لشهادات سجناء تم إطلاق سراحهم، أو شهادات خطية ظهرت في محاضر الجلسات لمناقشة الاعتقالات في المحاكم العسكرية حول العنف الشديد الذي مورس عليهم منذ اندلاع الحرب. وفي الجلسة التي عقدت في 15 تشرين الثاني بشأن أحد المعتقلين الإداريين، قال هذا المعتقل إنه تعرض لضرب في سجن عوفر، وقد كسر أنفه جراء ذلك، وحتى أنه طلب من القاضي عدم إنهاء الجلسة بدون وعده بأن لا يتم ضربه مرة أخرى. بسبب الشكوى ضد العنف، أمر القاضي بنقل نسخة من محضر الجلسة إلى مصلحة السجون، وإلى النائب العام في النيابة العسكرية في “يهودا والسامرة”.
وجاء من مصلحة السجون الرد: “حسب أوامر مصلحة السجون، تبين أن وفاة السجين تحتاج إلى لجنة تحقيق ما لم يكن هناك تحقيق للشرطة أو أي جهة تحقيق أخرى. ويتم الآن إجراء فحوصات بشأن السجناء الذين توفوا منذ بداية الحرب، ولم تنته الإجراءات بعد. لذلك، لا يمكننا إعطاء تفاصيل حول ظروف الوفاة في هذه المرحلة”.
وجاء من المتحدث العسكري الرد: “اثنان من سكان غزة توفيا أثناء وجودهما في معتقل في مركز البلاد. وتوفي معتقل آخر أثناء وجوده في السجن، واثنان أثناء دخولهما المعتقل، وقد توفيا بسبب وضع صحي معقد عند وصولهما إلى المعتقل. يجرى الآن فحص حول ظروف وفاتهم. وأي ادعاء يطرحه المحامون في الجلسات ضد العنف أو أي مس آخر بحقوق المتهمين أو المشبوهين يتم توثيقه في محاضر الجلسات، وتُنقل الحالات المناسبة بقرار قضائي إلى مصلحة السجون وجهات أخرى ذات صلة بغية فحصها”.
هاجر شيزاف
هآرتس 6/12/2023