إسطنبول – «القدس العربي»: لا تتوقع القوات التركية أن يكون التوغل البري في إطار عملية «نبع السلام» التي بدأت، الأربعاء، في شرق نهر الفرات شمالي سوريا، أصعب من المعارك البرية التي خاضها الجيش التركي في إطار عملية غصن الزيتون في عفرين، وقبلها عملية درع الفرات في الباب غربي النهر.
وتبني تركيا تقديراتها على العديد من العوامل والمقارنات بين المعارك السابقة والمعركة البرية الحالية والتي بدأت سريعاً حيث يتركز التوغل البري في المرحلة الأولى في منطقتين أساسيتين هما تل أبيض في الرقة، ورأس العين في ريف الحسكة. وبدأ التوغل البري فعلياً في هاتين المنطقتين من أربعة محاور مختلفة عقب أقل من 5 ساعات على انطلاق العملية وذلك بهدف السيطرة بأسرع وقت ممكن على شريط حدودي بعمق عدة كيلومترات وذلك لإبعاد خطر القذائف والصواريخ التي بدأت الوحدات الكردية بإطلاقها نحو البلدات التركية الحدودية.
وحسب مصادر تركية، فإن أكثر من 50 صاروخاً وقذيفة سقطت على بلدات تركية حدودية مختلفة في الساعات الأولى لبدء العملية العسكرية، وأحدثت دماراً في عدد من المنازل وأصيب عدد من المدنيين.
من الناحية الجغرافية، تعتبر مناطق شرق الفرات وخاصة منطقة العمليات الحالية في تل أبيض ورأس العين منطقة مستوية جغرافياً، على عكس جغرافيا عفرين الجبلية والتي كانت لصالح الوحدات الكردية ومكنتها من الصمود والقتال بشراسة لقرابة الشهرين مستفيدة من معرفة عناصرها لطبيعة المنطقة وجبالها والأنفاق التي حفرت فيها والمغارات التي لم يتمكن الجيش التركي من تدميرها بالضربات الجوية، كما مكنت الجبال عناصر الوحدات الكردية من تشكيل خطر على المروحيات التركية وإسقاط إحداها في عملية غصن الزيتون.
وفيما يتعلق بالأحوال الجوية، كان أحد أسباب تسريع تركيا خطواتها لبدء العملية الرغبة في إنجازها قبيل دخول أشهر الشتاء الصعبة، وعلى عكس عملية عفرين التي اضطر الجيش التركي لإطلاقها في شهر كانون الثاني/يناير وسط أمطار غزيرة غير مسبوقة حولت أرض المعركة إلى وحل غاصت فيه أقدام الجنود، فإن الأحوال الجوية في هذه الأيام والأسابيع المقبلة، تعتبر مثالية ولا تضيف متاعب جديدة للقوات على الأرض.
كما تعتبر الديموغرافيا أحد العوامل المهمة في هذه المعركة، فعلى عكس عفرين التي كان بها الكثير من السكان الأكراد، فإن منطقتي تل أبيض ورأس العين اللتين تتركز فيهما العملية البرية في مرحلتها الأولى تسكنهما أغلبية عربية ترفض سيطرة الوحدات الكردية على هذه المناطق، كما أن جزءاً مهماً من عناصر المعارضة السورية الذين يقاتلون إلى جانب الجيش التركي هم من سكان تلك المناطق الذين طردتهم الوحدات الكردية.
وبالمقارنة بعملية درع الفرات ومعارك الباب بين الجيش التركي وتنظيم داعش، فإن المعضلة الأكبر التي عايشها الجيش التركي في تلك المعركة هي العمليات الانتحارية التي نفذها التنظيم وأوقعت خسائر كبيرة، لكن هذا الأمر لا تستخدمه الوحدات الكردية التي تشير التوقعات التركية إلى أنها لن تقاتل بقوة في الشريط الحدودي لوجود مناطق تعتبرها أهم وستسعى لإدخال قواتها لتلك المناطق.
وفي حين تعتبر الأنفاق أبرز استراتيجيات الوحدات الكردية في القتال، فإن الجيش التركي بات يمتلك خبرة أكثر من السابق عن هذه الاستراتيجية بعدما دفع ثمناً باهظاً لها في عفرين، حيث بات اليوم يعرف التقنيات المستخدمة وطبيعة شبكات الأنفاق وآليات استخدامها وطريقة التعامل معها عسكرياً لتحييدها عسكرياً.
يضاف إلى ذلك، أن الجيش والاستخبارات التركية عملا منذ سنوات على جمع معلومات دقيقة حول المسلحين في تلك المناطق، ولديهم معلومات شبه كاملة عن مواقعهم ومخازن الأسلحة وشبكات الأنفاق والإمكانيات العسكرية، حيث يعتقد أيضاً أن الدوريات البرية والجوية والاستطلاعية التي نفذها الجيش التركي في الأسابيع الماضية في المنطقة في إطار اتفاق المنطقة الآمنة مع الجيش الأمريكي، مكن الجيش التركي من جمع معلومات مهمة جداً سوف تساعده كثيراً في المعركة الحالية.
لكن تبقى الخشية الأكبر، حول نوع الأسلحة الأمريكية التي يمكن أن تستخدمها الوحدات الكردية في المعركة مع الجيش التركي، حيث اتهمت أنقرة سابقاً واشنطن بتقديم ما لا يقل عن 3000 شاحنة محملة بالأسلحة والمعدات العسكرية للوحدات الكردية، بينها أسلحة نوعية أبرزها مضادات الدروع المتقدمة، والتي تستخدم بالدرجة الأولى في إعاقة التقدم البري وتدمير العربات العسكرية المصفحة. ومن شأن سير العمليات في الأيام المقبلة، الكشف عن مدى إمكانية استخدام الوحدات الكردية أسلحة أمريكية متقدمة في المعركة، أم أن واشنطن وضعت آلية لضبط هذه الأسلحة تجنباً لمزيد من الاضطرابات السياسية والعسكرية مع تركيا.