لا أحد ينكر وجود تيار قوي غالب في المجتمع المصري الآن يرفض وجود جماعة الإخوان من أصله، ويسعى ـ قبل فصائل السياسة ـ لإقصاء الإخوان واستئصال وجودهم السياسي، والمثير أن قيادة الإخوان البائسة تعمل من دون أن تدري لخدمة هدف الاستئصال نفسه .
صحيح أن قيادة الإخوان ليست في عافية هذه الأيام، وأن كثيرا من أعضائها غابوا وراء أسوار السجون، وأن حملات القبض تتواتر تباعا، وتهدف إلى كسر الحلقة الوسطى من كادر الجماعة، وترك الأطراف والقواعد تتصرف عشوائيا، وهو ما بدت آثاره ظاهرة في التواضع المتزايد لحشود المظاهرات والجمعات الأخيرة، إلى حد تحولها إلى مجال للتندر على خيبة جماعة الإخوان، التي اشتهرت في ما مضى بطاقتها التنظيمية والمالية الهائلة، ومقدرتها المميزة على تنظيم حشود مليونية الطابع، لكن جغرافيا المظاهرات التي تنحسر بشدة، وتواضع أعداد المشاركين، والضعف الخلقي لحلفاء الإخوان، والنفور الشعبي المتزايد، كل ذلك يخلق بيئة مناسبة لازدهار أفكار استئصال الإخوان، ومعاملتهم كطائفة منبوذة، وإلى حد انتشار أغنيات عنصرية، تصور الإخوان كشعب ودين آخر، وكأنهم ليسوا من الشعب المصري، ولا من أتباع دين الإسلام، ولا يمكن إغفال دور الإعلام المحرض على الإخوان، لكن قيادة الإخوان نفسها تلعب دورا مغذيا لحملة التحريض، فلم تنتقل بعد من حالة الصدمة إلى حالة الإفاقة واسترداد الوعي، ودخلت في وضع التخبط والتخشب. صحيح أن تنظيم الإخوان الداخلي على قدر هائل من المرونة، وأن كل قيادة أصلية لها ثلاثة من القادة الاحتياطيين، وأن تزايد أعداد المغيبين وراء الأسوار لا يوقف عمل التنظيم، فثمة قيادة احتياطية جاهزة، وهي تعمل بصورة جماعية وقطاعية الآن، لكن هذه القيادة الاحتياطية الميدانية ليست مفوضة، على ما يبدو، بالتصرف السياسي، وتنتظر أمرا لم يصدر بعد من مرشد له السمع والطاعة، وسواء كان من المرشد الرسمي محمد بديع المحتجز في السجن، أو من المرشد الاحتياطي محمود عزت الهارب المطارد، أو من المرشد السري القابع في مكتب لندن، الذي يشغل موقع الأمين العام لتنظيم الإخوان الدولي، وحيث تتقاطع مصالح دول وأجهزة مخابرات كبرى، وتتدفق الأموال بلا حساب، وبهدف وحيد هو إرباك الوضع في مصر، ودعم جماعات الإرهاب شرق سيناء، والتواصل مع مجموعات إخوانية سرية مسلحة في القاهرة وعواصم الوجهين القبلي والبحري، والمحصلة: عنف متفرق لا يهز بدن الدولة المصرية الضخمة الراسخة، بل يبرر لها حق التشدد في إجراءات الطوارئ، ويحاصر جهد النجدة الحقوقية لمحبوسي الإخوان، ويقلص إلى أدنى حد من بقية تعاطف مع مظلومية الإخوان، أو ضد حالات استخدام القوة المفرطة من قبل السلطات، فلا أحد عاقل يبرئ ‘القوة المفرطة’ من مسؤولية جنائية مباشرة عن دم ضحايا الإخوان، لكن ‘الغباوة المفرطة’ لقيادة الإخوان مسؤولة هي أيضا عن دم شباب الإخوان، ولا يخلو الأمر من مصلحة قصيرة النظر لقيادة الإخوان البائسة، فهى لا تريد الاعتراف بخطاياها وذنوبها، وتريد أن تغسل ذنوبها بدم شباب الإخوان، وإشغال الشباب بتنظيم مظاهرات يومية صغيرة لا جدوى منها.
ولكي لا يلتفتوا إلى محاسبة القيادة البائسة التى أوردتهم هاوية التهلكة، ولا تريد لهم أن يفيقوا إلى أمرهم، وأن يحفظوا ما تبقى من أمل في تجديد التنظيم الإخواني، فهؤلاء الشباب أسرى في سجن قيادة لا تحسن غير الوضوء والصلاة وتلاوة أوراد الصباح والمساء، فيما يبدو خيالها السياسي والتاريخي منعدما، وتبدو تقديراتها للموقف غاية في الضلال، فلا تزال تتحدث عن عودة مرسي وعودة الإخوان للحكم، رغم أن عودة مرسي والإخوان للحكم صارت مستحيلة، وبأي طريق كان، وسواء كان بطريق ‘العصيان المسلح’ الذي جربوه وفشلوا، يوم فض اعتصامي النهضة ورابعة العدوية، أم بطريق ‘العصيان الشعبي’، الذي جربوه حتى تآكلت مظاهراتهم، أم بطريق الفوز الانتخابي الذي كان ولن يعود، فقد انهارت أسهم الإخوان في بورصة الرأي العام المصري، والأسوأ أن مجرد وجود حزب معترف به للإخوان صار محل تساؤل وشك عميق .
وبعيدا عن خطايا قيادة الإخوان التي لا تبرؤ منها، فإن مصير الاخوان يبدو مرتبطا بعوامل كثيرة، لعل أهمها يكمن في الوضع الداخلى لتنظيم الإخوان، فالإخوان بحاجة إلى ثورة داخلية كبرى، وتلك مهمة غاية في الصعوبة، فقد ضاع جهد 85 سنة من عمر أجيال الإخوان خلال سنة واحدة حكموا فيها مصر، وتبدت العورات مكشوفة للعيان، وظهر أن الإخوان مجرد خزان بشري هائل، لكن بلا كفاءات تلفت النظر. فليس في تاريخ الإخوان الطويل مفكر واحد باستثناء سيد قطب صاحب نظرية التكفير والمجتمع الجاهلي، الذي توارى ألقه الأول مع فناء طبعة الإخوان الأولى سياسيا في جولة الصدام مع عبد الناصر، ثم آلت القيادة ـ في طبعة الإخوان الثانية ـ إلى نفر من أتباع قطب ضيقي الأفق باهتي الشخصية، وبلا مقدرة نقدية على التجديد والخلق، وكان كل همهم مجرد السيطرة على امبراطورية اجتماعية للإخوان، واستنساخ عقليات مقولبة في مكتب الإرشاد ومجلس الشورى والمكاتب الإدارية، وطرد كل شخص تظهر عليه امارات التفكير المستقل أو التجديدي، كما جرى مع القيادي عبد المنعم أبو الفتوح، صاحب الدور الأكبر في تأسيس الطبعة الثانية للإخوان. ولم يسمح ‘الحرس الحديدي’ بنفوذ متضخم سوى لمليارديرات وعائلات ثراء تجاري كخيرت الشاطر وحسن مالك وآل الحداد، وكان لهذه السبيكة من فقر وتصحر التفكير مع الثراء المالي أثرها المدمر، خصوصا مع سيادة مبدأ السمع والطاعة، فانتهت الجماعة إلى وضع عظيم البؤس، وبدت الفجيعة كاسحة حين حكمت، فقد حكمت بالشهوة لا بالحكمة، وتعاملت مع الحكم كأنه فرصة إعارة لبلد خليجى غني، حكمت بمنطق الإعارة والإغارة على مفاتيح المال والسلطة، وأصيبت بتخمة قتلت شعبيتها الاجتماعية، وسهلت إزاحتها المبكرة عن الحكم، وحين وقعت الواقعة، فلم يفكر أحد من قادة الإخوان في الدرس والعظة والعبرة، فلم يتعودوا أن يفكروا لأنفسهم، بل تعودوا على تلقي الأوامر والتعليمات، ولم يكن لديهم من حل غير الدخول في حالة نفسية مرضية من إنكار الواقع، والاندفاع إلى صدام قد يفني الجماعة نفسها، والتعويل على تدخل أمريكى لإنقاذ الجماعة، وهو ما يفاقم حالة الغضب الشعبي من الإخوان، فأغلب المصريين الآن بين واحد من شعورين إزاء الإخوان، فإما أنهم يكرهون الإخوان أو يخافونهم، إلى حد تحولت معه فكرة ‘شيطنة الإخوان’ إلى وباء شعوري كاسح، وما من وسيلة لإيقاف التدهور سوى ظهور قيادة إخوانية متمردة ذات اعتبار، تقرر إزاحة القيادة المتكلسة، وتلهم شباب الإخوان في القواعد بأمل جديد، وبطبعة جديدة للإخوان تصالحهم مع المجتمع المصري، قيادة تطلّق بالثلاثة أوهام ‘أخونة مصر’، وتقوم على ‘تمصير الإخوان’ فكرا وسلوكا.
ويبدو ظهور مثل هذه القيادة مما لا يرجح حدوثه، لكن الأمل لم يخب تماما بعد، فلا بد من تفكير جديد يقاوم نزعة ‘استئصال الإخوان’ السارية في المجتمع، ويتبرأ من أعمال العنف والإرهاب، ويسقط من حسابه كل من تثبت عليه تهمة جنائية، ويطلب الإنصاف لشهداء راحوا ضحية ‘قوة مفرطة’ من السلطة و’غباوة مفرطة’ من القيادة الإخوانية البائسة، فلا تزر وازرة وزر أخرى، والدم المصري كله حرام، ولا تفرقة تصح بين دم شباب الإخوان ودم شهداء الجيش والشرطة والمسيحيين المصريين، وصفحة العنف يجب أن تطوى كلها، فلن يكسب الإخوان بالعنف ما فقدوه بالسياسة، بل ان العنف ـ بالذات ـ قد يطوي صفحة الإخوان كلها، وعنصر الوقت هنا حاسم لنجاح أي مبادرة، فالذي لا يفهم ماضيه يكتب عليه أن يكرر مآسيه، وأن يعيشها إلى الأبد. وكما يصح القول في حق الإخوان، فإنه يصح بالدرجة نفسها في حق المجتمع والدولة، فالاستئصال والمطاردات الأمنية لن تفيد، وقد جرى تجريبها في أيام المخلوع مبارك، ومن دون أن تؤدي سوى إلى تضخم ظاهرة الإخوان، وهو ما لا تصح العودة إليه، تماما كما لا تصح العودة إلى ‘سبهللة’ وفوضى سياسية ودعوية سادت عبر العامين الأخيرين، فالدعوة الدينية كلها يجب أن تكون تحت قيادة الأزهر مع ضمان استقلاله، وأن يحظر على الدعاة أي انضمام للأحزاب السياسية، تماما كوضع القضاة ورجال الجيش والشرطة، وأن يجرى إنهاء بدعة الجماعات الدعوية أو المستترة بالدعوة كجماعة الإخوان، وأن يترك للمواطنين الإخوان ـ كما سواهم ـ حق إنشاء أحزاب لا تقوم على أساس ديني، ولا ترفع شعارات احتكار الإسلام، فالإسلام في مصر قضية مجتمع وليس دعوى لحزب ولا بضاعة محجوزة لجماعة.
‘ كاتب مصري
كلت يوم اكل الثور الابيض
بصراحه صدمت بك وبمواقفك يا سيد قنديل
كنت اراك معارضا شرسا لمبارك لا تأبه لمخابراته ولا سجنه ولكنك تغيرت الان
كل مقالك يركز على اخطاء الاخوان ما عدا فقره واحده اردت ان تظهر ان نقدك متوازن لللاخوان وللعسكر وهي الجمله(..لا أحد يبرىء القوه المفرطه من مسؤلية جنائيه مباشره عن دم الضحايا..) ومع ذلك حتى هذه الجمله التي اردت تجميل مقالك بها لاظهار توازن موقفك بين الاخوان والعسكر فرغتها من محتواها قبلها وبعدها بايجاد المبرر لاستعمال القوه ضد الاخوان
احب ان اسمع موقفك من الاتي :
1-اعادة نظام مبارك بكل مخابراته والاعتقال العشوائي وتفصيل التهم حسب الطلب
2-عدم التحقيق المفصل في القتل الجماعي للاخوان ومناصريهم
3-احد اهم اسباب فشل حكم مرسي هي الدوله العميقه التي عطلت كل قراراته وخير مثال على ذلك ازمة الوقود التي حلت فور اسقاط مرسي
4-حصار غزه
5-الاعتقال العشوائي ثم محاولة ايجاد تهمه تليق بالمعتقل
6- أين حدث العصيان المسلح الذي تدعيه قد حصل من قبل الاخوان
انا لست مؤيدا للاخوان ولكني اخاف على مصر من حكم العسكر الواضح للعيان وللان لم اجد كلمة منك في هذا السياق
يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } . …. فاسمعوا أيها المؤمنون { الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ …
رائع يادكتور ..تحليل اكثر من ممتاز
اسمى اماني الشعب العربي اليوم هو التخلص منكم وصدقني بدون مبالغة سأضمن لك العودة الى القدس على ظهر الدبابة العربيه في اقل من سنتين …
تحليل راءع هذا ما أؤمن به حقاً ،. داءما اقرأ لك واستمتع بما تكتب وتحلل
الذي يحب مصر لآ يحرض على القتل و الكره . مصر أم الدنيا شعبها طيب لآ يرضى إستبداد .
والله انا مصدوم منك ياخي
لا اعلم كيف تكتب للان مقالات ان كانت تندرج حتى تحت مسمى المقالات ، اقول الحمد لله الذي كشف القناع عن وجوهكم واظهر حقيقة ما تخفي قلوبكم ، ربما هذه الفائدة الاكبر لمصائب ، في زمن المحن على كل حر وشريف ان يكتب بكل ما فيه مصلحة الامة والشعب ، وحتى وان نرى بام عينه سوءا من هذا او ذالك ستره حتى يحاول ان يخيط الممزق في المجتمع ، لا اعلم ما هو سبب كل هذا الكره للاخوان .؟؟؟؟؟؟؟؟
صدقت توقعاتك ذات مرة يا قنديل واشتهرت بمقولة (كل الشعوب سوف تثور) في الجزيرة، فذهب خيالك الى انك متنبيء هذا الزمان. ولسوء الحظ لم تتنبأ بسقوط شعبيتك بعد تحولك الحاد الى مؤازرة الاستبداد. هل قرأت قصة نجيب محفوظ (خمارة القط الاسود) وذلك المتنبيء الذي تخيل انه من اصحاب الكشف؟ إقرأها وستتضح لك الحالة النفسية التي تعيشها