“تكايا الطعام”.. مشاريع تطوعية لإطعام نازحي الحرب في غزة وسد جوع الأطفال بإمكانيات بسيطة- (صور وفيديوهات)

أشرف الهور
حجم الخط
0

غزة – “القدس العربي”:

كانت الابتسامة ظاهرة على وجه طفل صغير لم يتجاوز عمره العشرة أعوام، هو ومن معه من أشقائه الأصغر سنا، ويقيمون مع أسرتهم في أحد مراكز الإيواء في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، حين حصلوا على كمية من “طبيخ الفاصوليا”، التي غرفت لهم من قدر كبير، كان ضمن ستة أخرى، جهزها فريق عمل تطوعي يضم عددا من الرجال والشبان.

من بين حشد من الأطفال والنساء والرجال مر هؤلاء الأطفال مسرعين، إلى مكان إقامتهم في ذلك المركز، وكغيرهم أيضا سار من استلم كمية الطعام، لتناولها ساخنة في ظل أجواء الشتاء.

انتظار الطعام

في ذلك المكان وهو أحد “مراكز الإيواء”، غير المدارة من جهات دولية، اصطف الأطفال وآخرون كبار في السن في طابور امتد لأكثر من 30 مترا، يتقدم واحد تلو الآخر صوب مكان قدر الطعام، وهناك يغرف أحد المتطوعين في مبادرة “تكية الطعام”، لهم الكمية المحددة لكل أسرة.

في تلك اللحظات يكون هذا الفريق التطوعي قد شارف على نهاية عمله، لأخذ قسط من الراحة، قبل البدء في التحضير لليوم التالي، وفي مقدمة تلك التحضيرات يكون نقل معدات الطبخ إلى مكان جديد.

هذه “التكية”، بسبب ظروف الحرب، وتزايد حاجة الناس، وتشتتهم في عدة أماكن، سواء في “مراكز الإيواء”، أو في الساحات العامة أو في “معسكرات النازحين”، لم يعد لها مكان وعنوان ثابت، هكذا يقول المشرف عليها الدكتور نبيل الطهراوي، أستاذ الإعلام في إحدى جامعات قطاع غزة.

لم يعد لهذه “التكية” مكان ثابت، بسبب ظروف الحرب، وتزايد حاجة الناس، وتشتتهم في عدة أماكن، سواء في “مراكز الإيواء”، أو في الساحات العامة أو في “معسكرات النازحين”

هذا الدكتور الجامعي ترك في هذا الوقت مجال عمله، بسبب ظروف الحرب، وتوقف العملية التعليمية، وبدأ في تنشيط فريق عمل تطوعي يضم فتيانا وشبانا ورجالا كبارا في السن، كل في مهمته المعروفة.

ويقول الطهراوي لـ “القدس العربي”: في الفريق هناك من توكل لهم مهام نقل معدات الطبخ، وآخرون يقومون بإيقاد النار، حيث يجري تجهيز الطعام على الحطب، لعدم توفر غاز الطهي بسبب ظروف الحرب.

ورغم العناء الشديد في إيقاد النار، وجعلها تكفي لتجهيز كميات كبيرة من الطعام، توضع في مجموعة قدر كبيرة، إلا أن أيا من المتطوعين لم يشتك تلك المشقة، ويحرصون على إنجاز المهمة حتى النهاية.

وفي الوقت الذي يكون فيه شبان يوقدون الحطب، يقوم آخرون برفقة الطباخ الرئيس، بتحضير مستلزمات تلك “الطبخة”، فيوكل لعدد منهم تقطيع البصل، ولآخرين تجهيز علب صلصة الطماطم، فيما يضع آخرون كميات الطعام داخل القدر، وحملها إلى النار.

المشرف مدرس جامعي

ويشير الدكتور الطهراوي إلى أن الجميع يعمل دون كلل أو ملل، ويجتهد لإطعام النازحين الذين تقطعت بهم السبل، وباتوا بلا مأوى، ويؤكد أن الفئة المستهدفة لا تجد قوت يومها بسبب ظروف الحرب.

وسألت “القدس العربي” الطهراوي عن كيفية التحول من مدرس جامعي إلى مشرف على “تكية” طعام، فأشار إلى أن الظروف الحالية التي يعيشها السكان وخاصة النازحين، دفعه إلى ذلك، ويقول إن همة الفريق المساعد معه هي سبب النجاح، لافتا إلى أنهم يتحركون إلى كل الأماكن، وإلى أي مكان يشعرون فيه بوجود حاجة للطعام.

ويقول إن أقل عدد يجري تقديم الطعام له يوميا، يكون 2500 شخص، ويمكن أن يزيد الرقم إلى أكثر من الضعف.

أقل عدد يجري تقديم الطعام له يوميا، يكون 2500 شخص، ويمكن أن يزيد الرقم إلى أكثر من الضعف

ويجري جمع التبرعات لتجهيز الطعام بجهود ذاتية ومن الأصدقاء، لافتا إلى أنه جرى مؤخرا دعم “التكية” من مؤسسات إنسانية وخدماتية محلية.

لكن القائمين على “التكية” أشاروا إلى أن ارتفاع أثمان الطعام ومستلزمات الطهي، ضاعف من التكلفة، وأن ما كان يجري تجهيزه ليكفي أكثر من خمسة آلاف شخص، بات في هذا الوقت يكفي لنحو ألف شخص فقط.

ويعمل الفريق بجهد من أجل توسيع رقعة المساهمين في توفير مستلزمات الطهي، في ظل ارتفاع الأسعار، بهدف الوصول إلى المزيد من النازحين.

ويقول زياد لافي الطباخ الرئيس في “التكية”، إن عدم توفر الغاز دفعه للطبخ على الحطب، لكنه اشتكى الكثير من العوائق، وأولها أن مدة الطهي تطول، ويشير إلى أن الحطب المتوفر حاليا في الأسواق، هو خشب أخضر، يصعب إيقاده.

ويوضح أنه جرى تأسيس فريق عمل شبابي من أجل خدمات النازحين، ويؤكد هذا الشاب الذي عمل كـ”شيف” في عدة مطاعم من قبل، أن عمله في هذه الظروف والأماكن يحتاج إلى “إبداع”، حيث يجري تجهيز الطعام بإمكانيات وأدوات قليلة جدا.

وتقول أم خليل إحدى السيدات اللواتي قدمن لمكان توزيع الطعام “جيت (جئت) هان (هنا) لآخذ الطعام وأطعم أطفالي”، وتؤكد أنه في كثير من الأوقات ينام أطفالها دون طعام، وهو أمر يزيد من الضغط عليها بشكل كبير، حيث اشتكت ضيق الحياة وارتفاع الأسعار بشكل جنوني.

حاجة النازحين

في حين قالت إحدى السيدات اللواتي حضرن لمكان التوزيع، إنها لا تقوم بطهي أي طعام في اليوم الذي ترى فيه فريق عمل “التكية” صباحا يبدأ بتحضيرات تجهيز الأكل.

وقد أكدت هذه السيدة على حاجة الأسر النازحة، لكميات أخرى من الأطعمة والمستلزمات الأساسية الأخرى، واشتكت قلة الدعم المقدم لهم كنازحين، في ظل خروجهم من منازلهم بناء على أوامر عسكرية إسرائيلية وتهديدات بالاستهداف، دون أن يحملوا معهم إلا القليل من الأمتعة والطعام.

وتقول “الأطفال ما بعرفوش الظروف، ووقت الجوع ما بسكتوا عن البكاء”.

ويوضح فريق هذه “التكية” أن هناك أسرا كانت توصف بذات الدخل الجيد قبل الحرب، اضطرت بسبب الظروف الحالية، لأخذ نصيبها من الطعام حين يكون العمل في منطقة قريبة منها، ويشيرون إلى أن هناك أسرا من خارج “مراكز الإيواء” تتوجه لها، لأخذ ما توفر من طعام.

ولم يكن مشهد هذه “التكية”، ولا فريق العمل التطوعي، بعيدا عن مجموعة أخرى من الشبان، التقتهم “القدس العربي” صباحا، وهم يجرون عربة كبيرة، وقد علاها قدر كبير من الفول، وحولهم تجمع عدد كبير من الأطفال النازحين وأسرهم، يحملون أواني وأطباقا لملئها لتناولها على وجبة الفطور.

يوضح فريق هذه “التكية” أن هناك أسرا كانت توصف بذات الدخل الجيد قبل الحرب، اضطرت بسبب الظروف الحالية، لأخذ نصيبها من الطعام

وقال أحد الشبان وهو يملأ أواني المتواجدين “الوضع صعب على الجميع، ونحاول مساعدة هذه الأسر التي تقطعت بها السبل”، وأضاف وهو خريج جامعي “نصحو قبل الفجر من أجل تجهيز الفول وطهيه على النار، من أجل الوصول مبكرا للنازحين، ليكون لهم طعام فطور”.

وفي ذلك المكان حاولت “القدس العربي” الحديث مع سيدة لجأت مع أسرتها من مدينة غزة، غير أن خجلها من أن تُعرف منعها من الكلام، وقالت “كنت في أسرة ميسورة الحال، لكن الآن الوضع اختلف، بالكاد نوفر الأكل للأسرة، بعد تعطل عمل زوجي”.

وفي “مراكز الإيواء” حتى تلك التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين، يشتكي النازحون من عدم الحصول على الأغذية بشكل يومي، ويؤكدون أنه قد يمر يومان دون الحصول على أي كمية أطعمة.

وهؤلاء النازحون تقطعت بهم السبل، ومن بينهم من اضطر للعمل وللعودة نهاية اليوم بأجر قليل، لتأمين بعض الأطعمة والمستلزمات الأساسية للأسرة.

وتفرض سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء الحرب على قطاع غزة يوم السابع من أكتوبر من العام الماضي، حصارا مشددا على السكان، تمنع بموجبه دخول الكثير من المساعدات الإنسانية.

وفاقم ذلك الأزمة الإنسانية في القطاع، وزاد من مستويات الجوع والفقر.

وفي دلالة على حاجة السكان وخاصة النازحين للأكل، كان مفوض عام “الأونروا” فليب لازريني قال إن الشعب الفلسطيني يتعرض لـ “عقاب جماعي”، مع عدم السماح بدخول سوى القليل من المساعدات الإنسانية.

وأضاف “ثلاثة أشهر طويلة مرت على حرب وحشية في غزة، هذه الحرب الوحشية اشتملت على نزوح جماعي وخسائر بشرية وإصابات كبيرة جدا ودمار هائل”.

وأشار إلى تفاقم المعاناة بشكل لا يطاق “بسبب التجرد المستمر من الإنسانية والترويج لخطاب الكراهية دون رادع”.

وقال في تصريح صحافي “يتسارع الوقت نحو حدوث المجاعة”، وطالب بوقف إطلاق النار في قطاع غزة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية