‘برغم الفرق السياسي والايديولوجي العميق بين وزير الخارجية الامريكي جون كيري وهنري كيسنجر الذي تولى هذا المنصب قبل اربعة عقود، نظن أن تناول كيري الاخير لخطر سلب الشرعية الدولي الذي يواجه اسرائيل مستمد مباشرة من كيسنجر الكثير الألاعيب والدسائس والتلاعب. يمكن أن نرى تعبيرا سافرا عن استعمال وزير الخارجية المكرر لهذا التكتيك في فترة حكم الرئيسين نكسون وفورد، في سيناريوهات الرعب التي رسمها أمام رئيس الوزراء اسحق رابين واعضاء حكومته في آذار 1975. فقد عبرت تلك السيناريوهات عن صورة مهددة للتأثيرات المتوقعة من الفشل في انشاء تسوية مرحلية اسرائيلية مصرية في منطقة سيناء، كان يفترض أن تقوم على انسحاب اسرائيلي من طرف واحد الى ممري المتلة والجدي دون تعويض سياسي، برغم ان كيسنجر أكد في كلامه أنه لا يهدد اسرائيل. وإن حديثه عن دخول السوفييت الى المنطقة من جديد، المتوقع على إثر تفجر التفاوض، وعن عزلة اسرائيل الدولية باصرارها على التمسك بـ ‘بضع كيلومترات بائسة من الرمال’ لم يترك شكا في نياته، فقد كانت تلك محاولة شفافة (لم تنجح آخر الامر) لتجنيد دعم عام داخلي وخارجي لسياسته بعرض حكومة رابين أنها رافضة للسلام قد تبطل كل انجازات الدبلوماسية الامريكية في الشرق الاوسط على إثر حرب يوم الغفران. برغم الاختلاف الواضح في الظروف الاقليمية منذ تلك الايام السيئة في تاريخ الحلف الامريكي الاسرائيلي، بقي كيري مخلصا للتكتيك الذي يختبيء معه وراء تحليل ‘موضوعي’ بادي الرأي لمكانة اسرائيل السياسية والاستراتيجية. إن كيري مثل كيسنجر ايضا يريد أن يمنح الاجراءات التي يلاحظها (وفي مركزها اجراء المقاطعة)، يريد أن يمنحها التعجيل والشرعية وأن يبقي اسرائيل مكشوفة مستهدفة في ذروة عملية المساومة الشديدة. في 1975 فشلت جهود كيسنجر وتبين أن تنبؤاته المثيرة للقشعريرة عن ‘سير اسرائيل الى فنائها مباشرة’، تبين أنها جوفاء. ويعمل كيري اليوم بخلاف كيسنجر في محيط دولي (وإن لم يكن داخليا) أشد عداءا لاسرائيل. والى ذلك فانه في حين لم يكن ينوي وزير الخارجية الامريكي في 1975 الى أن يُشرك في خطة التسوية لاعبات اخرى، أصبح كيري يعمل في تنسيق كامل مع جهات دولية كالاتحاد الاوروبي هي من وجهة نظره أداة مريحة لاستعمال ضغط مباشر على اسرائيل. مع ذلك، وبرغم الظروف الدولية المريحة لكيري أكثر فان الحماسة الزائدة التي يظهرها تشهد على التمسك بالاجراء بدل الجوهر، ولهذا قد يصبح عبئا مركزيا عليه. ولو لم يكن يبغض ادارة بوش الابن وتراثه فلربما فضل الانحراف عن تصوره الحالي وأن يتبنى في مكانه صيغة محدثة معدلة من خريطة الطريق ذات المراحل الثلاث في نيسان 2003. وبرغم أنه لم يكن فيها قبل عشر سنوات ما يفضي الى تمهيد الطريق المأمول فان انتشالها من هاوية النسيان في الظروف الحالية قد يضائل شيئا ما الاخطار بالنسبة للطرفين وينشيء حراك تقدم تأتي لحظة الحقيقة في نهايته فقط، لا في بدايته كما في الخطة الحالية. إن حقيقة أن هذا التوجه سيعيد الدبلوماسية الامريكية في نفق الزمان مباشرة الى مرحلة استراتيجية المراحل عند هنري كيسنجر هي بالطبع مسألة مختلفة تماما. ‘ اسرائيل اليوم 4/2/2014