مرة أخرى… لا أحد ينبغي له أن يغضب أو ينزعج أو يشكك عندما يسمع رأيا مستقلا وحريصا يحاول تذكير جميع الأردنيين بأن العدو الرئيسي والوحيد والأكيد واليقيني هو الكيان الإسرائيلي. وبأن مصالح الدولة الأردنية وليس شعبها هي التي تتطلب اليوم «مقاربة أبعد» عن ذلك الكيان المجرم بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى.
بالمقابل ينبغي أن لا يقلق أي مواطن أو مسؤول أو سياسي أردني حريص وغيور عندما يقرأ رأيا يقترح إظهار قدر من المناورة في «استغلال المساحات الممكنة» في ملفات محددة حتى لو تطلب ذلك تغيير بعض «عادات حليمة القديمة» في التحالف والاصطفاف.
ترديد «معلبات التشكيك» المألوف بأصحاب الرأي الناصح أو حتى المنتقد لم يعد هو الخيار الوطني المسؤول. وأغلب التقدير أن جملة الحرص الأخلاقية التي يظهرها الشعب الأردني الصابر الصبور لا يقابلها بعد لا احترام من الحكومة لموقف ومشاعر الشعب ولا تقدير من نخب وأدوات الإعلام التي تبدو مراهقة أحيانا.
التخلص من بعض العادات القديمة مهمة صعبة وقد تكون مزعجة لكن عند تعالي منسوب الإحساس بالخطر العام جراء وضع بقايا البيض في سلة «بقايا السلام» المزعوم تصبح مهمة ملحة وطنيا يبدأ التعافي من عندها وبها. أخطر عادة فيها قدر من «الإدمان السياسي والبيروقراطي» تحتاج المؤسسات الأردنية للتخلص منها وبسرعة هي تلك التي تمأسست على جذر يقول بأن «إسرائيل شريك سلام» مفترض وأن عملية السلام واتفاقياتها دفنت خيار الوطن البديل وحافظت على «حدود المملكة».
خارطة سموتريتش التي يعرفها القوم جيدا لا تقول بذلك وإخفاق الأمريكيين حتى الآن بإبعاده أو تحييده مؤشر أبرز على مخاطر وجودية.
تصرفات إيتمار بن غفير في المسجد الأقصى حصرا ضد الولاية تثبت بأن إسرائيل «الإرهابية المجرمة» كانت ولا تزال وستبقى هي الطرف المقابل ولا أساس إلا في عالم الضليل والكذب للقول بعد الآن بأن «العلاقات والمصالح» منظمة مع العمق الإسرائيلي وليس مع الحكومات، فاليمين ابتلع كل الدولة العميقة في الكيان ومن تبقى فيه من عقلاء يضربهم بن غفير بحذائه.
تجريف البنية التحتية في طولكرم وجنين إعلان حرب على الأردن… وكل الأفلام الدعائية الأمريكية في سياق الموقف ضد التهجير مجرد جرعات تخدير تشبه فيلما أمريكا شهيرا اسمه «النوم على فراش زوجة خائنة».
الحرص الشديد والعميق على «النظام والدولة ومصالحهما» في هذه المرحلة أقصى مسافة ومساحة في «الولاء الحقيقي» بعيدا عن التسحيج المسموم والاختلاف في الاجتهاد
خطة سموتريتش في إدارة الضفة الغربية وبالنتيجة «ضمها» بدون إعلان رسمي بالضم حتى لا يتحمل مسؤولية «نفقات الخدمات» أكثر من اعتداء على المملكة الأردنية الهاشمية وكل حساباتها ومصالحها.
بصراحة: كل ما يفعله الإسرائيليون والأمريكيون اليوم في غزة والضفة لا يقف عند حدود العبث باستقرار المنطقة بل يهدد حقا «الهوية الوطنية للدولة والشعب» في الأردن وهو تهديد هذه المرة وللأسف الشديد يتزامن مع وجود عدد كبير من القواعد العسكرية الأمنية التي صفق السذج لها باعتبارها مؤشرا على محورية وأهمية الدور الأردني.
الفوضى التي يبثها يمين العدو المجنون في العالم درس كبير في سقوط منظومة الأخلاق والقوانين الدولية والأردن بلد صامد وخبير تجاوز كل أسئلة الشرعية، لكن نخبه وأدواته ولاحقا مؤسساته ينبغي أن تنتبه لما يحاك بليل ضد هذا البلد الذي نضم صوتنا للقائلين بصموده وصلابته وقدراته وإن كنا نخشى تداعيات ونتائج مسلسل إنكار المخاطر.
الخوف على الوطن الأردني «ليس تهمة» تستجلب كل ما نسمعه أحيانا من «نفاق وغثاء».
الحرص الشديد والعميق على «النظام والدولة ومصالحهما» في هذه المرحلة أقصى مسافة ومساحة في «الولاء الحقيقي» بعيدا عن التسحيج المسموم والاختلاف في الاجتهاد الذي مرده ومنبعه ذلك الحرص ينبغي أخلاقيا أن لا يسمح للأدعياء بإهانته أو التعرض له.
الانتقاد والمطالبة بالانتباه للكمائن الأمريكية ـ الإسرائيلية لا يمكنه أن يكون «سلبية» والقول الصريح بضرورة التحضير لانقلاب يميني إسرائيلي ملموس ومؤكد على مصالح الدولة الأردنية من المخزي والعار أن يوصف بأنه «خيانة أو حتى تشكيك».
العار الحقيقي في التغافل عن وقائع اليوم التي تقول وبالبنط العريض بأن تل أبيب المريضة المختلة «بدأت تكيد» للنشامى قيادة وشعبا.
المخجل الاستمرار في إنكار المخاطر على أساس وهم اسمه «الضمانات الأمريكية» وما يستوجب كنسه تحت السجادة خجلا هو تلك الموجات من المباهاة التي تبالغ في ذكر «مكاسب التطبيع» فيما يذبح الشعب الفلسطيني من الوريد إلى الوريد وليس الآراء التي تحذر وتقول» يا قوم..حتى لا تندموا».
من يذبح الشعب الفلسطيني اليوم ويسمح له بذلك لن يوفر فرصة لإيذاء الأردنيين لاحقا بعدما تجاوز العدوان في قطاع غزة ليس القيم والقوانين الكونية فقط بل الطبيعة البشرية.
العقيدة البيروقراطية التي بنت مجدها في غفلة ما بعد «جريمة أوسلو» على جوهر السلام والتنمية تدرك اليوم بأن المديونية الأردنية بعد 30عاما من توقيع اتفاقية وادي عربة تجاوزت أضعاف ما كانت عليه قبل السلام الكاذب.
من يقول بتشخيص مصلحة الدولة الآن ينبغي أن يحترم.
إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»