تمديد مهلة تطبيق قوانين اللجوء على السوريين في تركيا  تأجيل أم بداية حل للأزمة؟

إسماعيل جمال
حجم الخط
0

إسطنبول-“القدس العربي”: مع انتهاء المهلة المحددة لبدء تطبيق الإجراءات والقوانين الجديدة المتعلقة بأوضاع اللاجئين السوريين في تركيا في العشرين من الشهر الجاري، أعلن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو تمديد المهلة حتى نهاية شهر تشرين الثاني/أكتوبر المقبل، مع تقديم وعود بضبط الحملة التي شابها الكثير من التجاوزات.

هذا القرار على الرغم من أنه حمل الكثير من التطمينات -النظرية- للاجئين الذين يعيشون حالة من القلق منذ أسابيع، إلا انه فتح الباب واسعاً أمام التساؤلات والتكهنات حول ما إن كانت هذه القرارات مجرد تأجيل للأزمة أم مقدمة لحلول يمكن أن تنهيها.

وتتزامن أزمة اللاجئين السوريين في تركيا، مع استعار هجوم النظام وروسيا على إدلب والحديث عن نزوح قرابة مليون سوري جديد إلى الحدود مع تركيا والتخوفات من وصول عددهم إلى حدود ثلاثة مليون نازح، بالإضافة إلى حديث تركيا عن بدء تطبيق اتفاق المنطقة الآمنة مع الولايات المتحدة في شرقي نهر الفرات وخشية اللاجئين من احتمال وجود مخططات لإعادتهم إلى تلك المناطق.

وفي هذا الإطار، تخطط تركيا للتعامل مع موجة اللجوء الجديدة من خلال استقبالهم في المناطق الواقعة تحت سيطرتها شمالي سوريا وعدم إدخالهم إلى الأراضي التركية في ظل تأكيد المسؤولين الأتراك أن بلادهم لم يعد بإمكانها استقبال مزيد من اللاجئين. في المقابل، لا تبدو في الأفق أي نتائج قريبة تتعلق بالمنطقة الآمنة شرقي نهر الفرات، وفي أحسن الأحوال يمكن للمنطقة استيعاب جزء من سكانها الأصليين المهجرين في تركيا والذين بدورهم لا يشكلون أغلبية من العدد الإجمالي للاجئين.

سياق الأزمة

في الأشهر الأخيرة، تصاعد الاحتقان الشعبي ضد اللاجئين السوريين من قبل المواطنين الأتراك، وغذى ذلك بشكل أساسي الحملات الإعلامية التي قادتها وسائل إعلام متنوعة لا سيما تلك التابعة للمعارضة، وترافق ذلك مع تصاعد الحملات اليومية على مواقع التواصل الاجتماعي، وبات يتصدر بشكل شبه يومي وسم أو أكثر يطالب بإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

إلى جانب الكثير من الأسباب، كانت الصعوبات الاقتصادية التي تزايدت في الأشهر الأخيرة في تركيا أحد أبرز أسباب هذه الحملات، حيث أكدت الكثير من استطلاعات الرأي أن نسبة كبيرة من المواطنين الأتراك يؤمنون بأن اللاجئين هم أحد أبرز أسباب الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى ارتفاع نسب البطالة وزيادة مستويات التضخم وتراجع نسب النمو.

وتفاقمت الأزمة في الانتخابات المحلية التي شهدتها البلاد نهاية آذار/مارس الماضي، حيث تصدر ملفا اللاجئين والأزمة الاقتصادية الحملات الانتخابية لكافة الأحزاب التركية من المعارضة وصولاً للحزب الحاكم، وهو ما ساعد المعارضة التي وعدت بإعادة اللاجئين بالفوز في عدد من المحافظات الكبرى وعلى رأسها أنقرة وإسطنبول وانطاليا وغيرها.

 قوانين وإجراءات جديدة

في إطار المراجعات التي بدأها حزب العدالة والتنمية الحاكم عقب النتيجة المخيبة في الانتخابات، ظهر توجه علني داخل الحزب والحكومة نحو القيام بإجراءات قالت الحكومة إنها تهدف إلى (تنظيم) اللجوء السوري في البلاد، ومحاربة الهجرة والعمل غير قانوني بشكل عام.

وعقب ذلك أعلنت وزارة الداخلية التركية وولاية إسطنبول ودائرة الهجرة التي تنظم وجود اللاجئين في البلاد سلسلة من القوانين والإجراءات الجديدة، كان أبرزها منح مهلة اللاجئين السوريين المقيمين في إسطنبول ولا يحملون بطاقة حماية مؤقتة فيها للعودة إلى الولايات التركية الأخرى المسجلين فيها قبيل العشرين من آب/أغسطس الجاري- مددت لاحقاً إلى حتى نهاية شهر تشرين الثاني/أكتوبر المقبل- وهي شريحة يقدر عددها بنصف مليون لاجئ سوري.

كما تضمنت القرارات ضرورة تسجيل اللاجئين غير المسجلين- لا يملكون حماية مؤقتة- في عموم البلاد في ولاية أخرى غير إسطنبول، والتهديد بإعادة أي لاجئ يرتكب مخالفة أو يفتعل مشكلة إلى داخل الأراضي السورية، والبدء بتطبيق حملات تدقيق واسعة في إسطنبول.

وفي قرار آخر لا يقل أهمية، أعلنت ولاية إسطنبول ما أسمته (الحرب على العمل بشكل قانوني في البلاد)، ومنحت كافة المخالفين حتى الخامس والعشرين من الشهر الجاري من أجل تصحيح أوضاعهم القانونية، وهددت باتخاذ إجراءات قاسية ضد العمال ومن يشغلون الأجانب بشكل غير قانوني وبدون تسجيل رسمي في عموم البلاد، وهو ما يهدد فرص عمل مئات آلاف اللاجئين السوريين.

إلى جانب ذلك، قالت مصادر تركية إن الإجراءات الجديدة سوف تشمل أيضاً فرض رسوم رمزية، على الخدمات الطبية المقدمة للاجئين السوريين.

تطبيق عشوائي

لم تنتظر السلطات التركية المهلة التي منحتها للاجئين السوريين، وبدأت بتطبيق القرارات بشكل سريع وصف بـ”العشوائي”، حيث كثف الأمن التركي انتشاره في إسطنبول وبدأ بعملية تدقيق غير مسبوقة على اللاجئين السوريين لا سيما في المناطق التي يتركز تواجدهم فيها.

شملت هذه الحملة التدقيق على نوع البطاقة التي يحملها اللاجئ، وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة حول الأعداد، إلا أنه جرى توقيف الكثير من اللاجئين وإعادة جزء منهم إلى الولايات الأخرى المسجلين فيها، لكن آخرين جرى إعادتهم إلى مناطق المعارضة في شمالي سوريا، وقالت السلطات إنها رحلت مرتكبي المخالفات ومن عادوا طوعاً، وقال لاجئون أنهم أعيدوا قسراً.

وفيما يتعلق بتطبيق قانون العمل، بدأت السلطات بتقديم بلاغات لكافة أصحاب المشاريع والمصانع والشركات من الأجانب والأتراك بضرورة البدء في تصحيح أوضاعهم القانونية قبيل انتهاء المهلة الممنوحة لهم، وهو ما اضطر الكثير منهم لاتخاذ إجراءات سريعة أدت إلى وقف عمل الكثير من اللاجئين وإغلاق أماكن عمل ومشاريع صغيرة لا سيما المطاعم.

كما بدأت الكثير من المؤسسات الطبية والتعليمية بفرض إجراءات سريعة من قبيل عدم تقديم الخدمات الطبية للاجئين إلا في الولايات المسجلين فيها، كما امتنعت الكثير من المؤسسات التعليمية لا سيما المدارس الأساسية عن تسجيل الطلاب غير المسجلين رسمياً في ولاياتهم، لا سيما في إسطنبول.

خوف وقلق

سيطرت حالة من الخوف والقلق على اللاجئين السوريين منذ أسابيع، وبشكل خاص على القاطنين في إسطنبول الذين باشروا بمحاولة تصحيح أوضاعهم القانونية قبيل انتهاء موعد المهلة الممنوحة لهم، وهو ما فرض عليهم تحديات اقتصادية وحياتية غير مسبوقة.

ولم تقتصر حالة الخوف على المخالفين، بل امتدت لتشمل كافة السوريين المقيمين في إسطنبول وذلك خشية الوقوع ضحية ما وصف بـ”التطبيق العشوائي” للقرارات وذلك عقب الحديث عن ترحيل بعض اللاجئين رغم امتلاكهم أوراقا رسمية في إسطنبول وهو ما دفع الأغلبية العظمى منهم لتقليص تحركاتهم في المدينة واقتصارها على التنقلات الضرورية جداً مفضلين التزام البيوت في هذه المرحلة الحساسة.

وتعاني الكثير من العائلات من الأعباء الاقتصادية الكبيرة التي ستفرضها عليها القرارات الأخيرة، لا سيما تكاليف نقل السكن من إسطنبول إلى الولايات الأخرى، حيث سوف تضطر هذه العائلات إلى إنهاء عقود أيجار بيوتها في إسطنبول وبيع الأثاث بأسعار زهيدة ومن ثم الانتقال إلى ولايات أخرى وتحمل تكاليف استئجار منازل جديدة وشراء أثاث جديد.

وكان توفر فرص العمل في إسطنبول، هو العامل الأبرز لانتقال مئات آلاف اللاجئين من الولايات الأخرى لإسطنبول، وبالتالي فإن عودتهم إلى ولاياتهم تعني فقدانهم فرص عملهم، ومواجهة واقع عدم توفر فرص عمل لهم في الولايات الأخرى، كل ذلك في ظل محدودية المساعدات المالية المقدمة لهم من الحكومة التركية أو المنظمات الدولية وعدم كفايتها لتغطية مصاريف الحياة.

إجراءات تصحيحية

على وقع التغيرات الأخيرة، قاد الائتلاف السوري المعارض، وجمعيات مجتمع مدني سورية توحدت تحت اسم “منبر الجمعيات السورية” اتصالات واسعة مع السلطات التركية في محاولة لوقف تطبيق القرارات الأخيرة، أو على الأقل تقديم استثناءات للحالات الخاصة ووقف التجاوزات في التطبيق.

وزير الداخلية التركي سليمان صويلو الذي أعلن تمديد المهلة شدد على أن تركيا سوف تواصل “سياتها الإنسانية”، وقال: “لا يمكننا ترحيل أي سوري غير مسجل. نأخذ السوريين غير المسجلين إلى المخيمات، ونسجلهم ونرسلهم إلى المحافظات التي يريدونها”. وتابع “الآن ماذا نفعل في إسطنبول؟ حتى 20 آب، قال الوالي إن إخواننا السوريين غير المسجلين في إسطنبول يجب أن يذهبوا إلى الولايات التي تم تسجيلهم فيها. انتهى الوقت وقمنا بتمديده حتى 30 تشرين الأول”.

كما أعلن الوزير أن الجهات المعنية سوف تقدم استثناءات للاجئين الذين لديهم حالات خاصة تضطرهم للبقاء في إسطنبول، مشيراً إلى استثناء الطلاب الجامعيين الذين يدرسون في المحافظة وعائلاتهم، إلى جانب الأشخاص الذين يمتلكون إذن عمل رسمي في إسطنبول.

مهدي داود رئيس منبر الجمعيات السورية قال إنهم توصلوا إلى تسهيلات عدّة خلال لقاء مع ولاية إسطنبول أبرزها ما يتعلق بإجراءات منح بطاقة الحماية المؤقتة لمن لا يمتلكها وقبول طلبات نقل الإقامة من ولاية إلى أخرى والطلاب المسجلين في إسطنبول وعائلاتهم.

وأضاف: “ولاية إسطنبول ستمنح إذن نقل “كيملك” للطلاب المسجّلين في المدارس التركية بالولاية، إضافةً إلى نقل “كيملك” عائلاتهم، على أن يكون لدى الطلاب ما يثبت تسجيلهم في المدارس، بشرط ألّا يكون التسجيل حديثاً”، جاء ذلك عقب تصريح لوالي إسطنبول علي يرلي كايا، أكد فيه أنه سيجري تقييم ملفات السوريين الذين يتلقى أولادهم التعليم في مدينة إسطنبول، ويحملون “كيملك” مِن غير ولاية، لافتاً أن عددهم ويبلغ قرابة 2100 طفل.

وبخصوص “إذن العمل” قال داود، أنه لا توجد مخالفة لِمَن لا يملك هذا الإذن نتيجة عدم وجود آلية واضحة وسلسة في الوقت الحالي، ولفت إلى أن ولاية إسطنبول سوف تقدم خدمة نقل الأثاث للعائلات التي تستعد للانتقال منها للولايات الأخرى لتخفيف الأعباء المالية عليهم.

كما نجحت جهود الائتلاف والجمعيات السورية في اقناع السلطات التركية بإعادة عدد من اللاجئين الذين جرى إعادتهم إلى شمالي سوريا بعد أثبات امتلاكهم أوراقا رسمية وعدم وجود أي مخالفات بحقهم.

عهد جديد في تركيا

كل الإجراءات التصحيحية السابقة، وعلى الرغم من أهميتها، إلا أنها وبإجماع اللاجئين لا يمكنها أن تنهي الأزمة، وإنما يمكنها أن تخفف من آثارها في بعض الجوانب، وتضع حدا للتطبيق العشوائي الذي وصل حد إعادة لاجئين يمتلكون أوراقا ثبوتية وهي حادثة وعلى الرغم من أنها طالت عددا قليلا جداً وحالات فردية معدودة إلا انها نشرت الخوف والقلق لدى اللاجئين.

وبالتالي فإن الاستثناءات المقدمة سوف تعطي مساحة أفضل لتقليل الأضرار الناجمة عن القرارات الأخيرة، والتشديد على منع وقوع تجاوزات من قبيل ترحيل قسري للاجئين إلى سوريا، أو إعادتهم من إسطنبول إلى ولايات أخرى، أو نقل لاجئين من إسطنبول رغم وجود عائلاتهم فيها، أو نقل طلاب مقيدين في إسطنبول لولايات أخرى، وغيرها من المسائل الهامة التي تمنع الإضرار بحياة عدد مهم من اللاجئين.

لكن كل ذلك، لا ينفي على الإطلاق أن أوضاع اللاجئين السوريين في تركيا لن تعود كما كانت عليه طوال السنوات الثماني الماضية، وأن القرارات المتعلقة بتشديد قانون اللجوء والعمل في إسطنبول سوف تطبق بقوة خلال الأسابيع المقبلة، وسوف تمتد إلى ولايات كبيرة أخرى كأنقرة وإزمير وبورصة خلال المرحلة المقبلة، كما صرح وزير الداخلية سليمان صويلو.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية