تمرد الشعب وتمرد الجيش

حجم الخط
1

الاحداث تجري سريعة ومتلاحقة على الساحة السياسية المصرية، وقد اتجهت قوتها العظمى نحو انهاء استمرار الرئيس مرسي في المنصب الرئاسي، بينما تبدو القوة المدافعة عن استمراره حتى انتهاء ولايته الدستورية ضعيفة وواهنة، رغم الحشد والتنظيم اللذين تتمتع بهما جماعة الاخوان المسلمين التي ينتمي الرئيس مرسي لها. وما يواجه الرئيس مرسي وجماعته نتيجة منطقية لرداءة ممارسته لصلاحياته كرئيس جمهورية، وعجزه التام عن القراءة الصحيحة للحراك الاجتماعي والسياسي الناجم عن سياساته وقراراته التي اتخذها تحت وطأة تعرضه لضغوط داخلية معاكسة لهذه السياسات، من اجهزة الشرطة والقضاء ورجال الاعمال المنتمين للنظام السابق، وكذلك الضغوط الاقليمية من الدول الخليجية التي تخلت عن دعم الاقتصاد المصري بالقدر الكافي لتجاوز محنته التي سببتها الاضطرابات التي صاحبت قيام الثورة. وقد كان الفشل الذريع لسياسات مرسي في كافة المجالات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية، هو العامل الذى هيأ الساحة السياسية المصرية لنمو واتساع نطاق حركة التمرد الشعبي، التي عبأت كافة القوى الغاضبة والمحبطة والمعادية لاستمرار الرئيس في الحكم، فقد شهد الوضع الاقتصادي ابرز مجالات فشله، فخلال السنة التي حكم فيها تآكل احتياطي النقد الاجنبي وانخفض سعر صرف الجنيه مقابل الدولار واستشعر المواطن العادي ان علاقة الحكومة بالاقتصاد لا تتجاوز التوسل لصندوق النقد الدولي ليمنحها قرضا بقيمة اربعة مليارات دولار لا يسمن ولا يغني من جوع، وعندما اهتمت الحكومة بمشروعي الصكوك الاسلامية وتطوير قناة السويس، بدت وكأنها بصدد بيع المرافق السيادية الحيوية، مما اثار الشك والريبة في نزاهة الاداء الاقتصادي لحكومة الاخوان، وزاد الطين بلة معاناة الشعب من ازمات الوقود والغاز المتكررة، وانقطاع التيار الكهربائي وانقطاع المياه وغلاء الاسعار وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب. وفي المجال السياسي تكفل اداء الرئيس بترسيخ الاعتقاد بانسداد الافق السياسي بالاستجابة الى مطالب المعارضة بعمل تعديلات بعض النصوص الدستورية التي تهدد مدنية الدولة، بالاضافة لاقصاء القوى السياسية المدنية والشبابية المخططة والمفجرة لثورة 25 يناير عن المشاركة في مراكز صنع القرار، والتمكين لفصيل سياسي ينتمي لجماعة الاخوان من السيطرة على مراكز القيادة في الاجهزة والمؤسسات الحيوية بالدولة، واطلق عليه اصطلاح اخونة الدولة. وعلا في الاجواء السياسية صوت التيار السلفي المنتمي للمذهب الوهابي، يهدد النظام الديمقراطي المدني وفكرة المشاركة الشعبية في الحكم وتداول السلطة، ويرفض نظام الحكم الديمقراطي ويدعو الى اقامة نظام سياسي ينتمي الى العصور الاولى من الدعوة الاسلامية. وقد تفاقم الوضع الامني باشتعال الصراعات الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، واتسع نطاقه ليشعل صراعا مذهبيا، يحدث لاول مرة في تاريخ مصر، بين السنة والشيعة، راح ضحيته اربعة مواطنين في قرية ابو مسلم بمحافظة الجيزة، ثم امتد عدم الاستقرار الامني جغرافيا ليحول سيناء الى بؤرة تجمع الفصائل المسلحة الداخلية والاقليمية، مارست نشاطها ضدا لدولة بتفجير انابيب امداد الغاز الى الاردن واسرائيل، وقتلت 16 جنديا مصريا ثم خطفت بعض الجنود وارغمت الدولة على الخضوع لتنفيذ مطالبها مقابل الافراج عنهم.
بجانب السياسات الفاشلة افتقد الرئيس الى مهارة المناورات السياسية ومراعاة الحفاظ على التوازن في علاقات مؤسسة الرئاسة مع السلطات والهيئات ذات النفوذ في النظام المصري، حيث صنع خصومة مبطنة مع قيادات الجيش عندما عزل المشير محمد طنطاوي وسامي عنان ووقع في خصومة مع القضاء عندما عزل المستشار عبد المجيد محمود وعين نائبا عاما محسوبا على تيار الاخوان، ويقوم مجلس الشورى باعداد مشروع قانون تنظيم السلطة القضائية، يقلل من المميزات الخاصة التي يتمتع بها القضاء. كما وقع نظامه في خصومة ثالثة مع الاعلام المرئي والمقروء وخصومة رابعة مع مؤسسة الازهر. اذن تهيأت الساحة وساعدت على انتشار ارادة التوقيع على استمارة تحمل شعار تمرد، ولكن تصرفات الرئيس ونظامه هي التي حولت المشاعر الغاضبة الى زحف شعبي بلغ حدا من الكثافة لم يشهده تاريخ الثورات المصرية في تاريخ مصر المعاصر، فقد تجاهل الرئيس الاستجابة الى مطالب الجماهير في آخر خطاب له، وشكك اتباعه في الالتفاف الشعبي حول حركة ‘تمرد’ الساعية لاسقاط الرئيس.
وجاء يوم 30 حزيران/يونيو ليشهد وقوف الرئيس معزولا ووحيدا لا يؤيده سوى جماعته في مواجهة زحف جماهيري باعداد هائلة في كل مدن مصر، تضاءلت بجانبه اعداد الحشد الصناعي المؤيد له، وعندما ابدى الرئيس عناده وتمسكه بالبقاء في السلطة اصبحت البلاد مقبلة على كارثة وفق اي احتمال تتمخض عنه حالة الاحتقان التي تشهدها البلاد في 30 يونيو. اذا عاند الرئيس واصر على البقاء فان الكارثة المتوقعة هي استمرار الاضطرابات وعدم الاستقرار ستؤدي في احسن الاحوال الى انهيار الاقتصاد المتردي بسبب هروب اموال الاستثمار وتدهور السياحة وتخفيض التصنيف الائتماني وربما تتحول المشاحنات الى صراعات دموية تنقلب الى حرب اهلية .اذا استقال الرئيس فان سيناريو احداث 25 يناير سيتكرر من حيث وقوع الدولة في فراغ سياسي، لان الذين اطلقوا حملة ‘تمرد’ هم مجموعة من الشباب من خارج النظام السياسي لا ينتمون الى الاحزاب السياسية، والمعارضة لا تستطيع التصدي لقيادة البلاد، فاغلب شخصياتها نشأوا في زمن التجريف السياسي ولم تصقلهم تجارب العمل الحزبي وتقتصر قواعدهم الشعبية على قطاع الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وسوف يعطي الناخب المصري صوته مرة اخرى لمرشح تيار الاسلام السياسي. وكان احتمال وقوع هذه الكوارث المترتبة على حشد 30 يونيو هو المحرك لتمرد آخر قام به الجيش المصري وعبر عنه بتوجيه انذار نهائي الى القيادة السياسية للبلاد مدته 48 ساعة لتنفيذ مطالب الجماهير، والا سيتخذ الجيش موقفا يفرض فيه خارطة طريق للخروج من المأزق السياسي المصري. واذا كانت الاحداث التي تراكمت على مدة سنة من حكم الرئيس مرسي قد تسببت في ظهور حركة ‘تمرد’ الشعبية فان ما يمكن ان نسميه حركة تمرد الجيش، هي التي ستترتب عليها الاحداث التي ستهب على الساحة المصرية، وهناك ثلاثة محاذير من الممكن ان تواجه تعامل الجيش مع المشهد السياسي المصري المتأزم:
يجب احترام الكتلة المؤيدة لبقاء الرئيس مدة ولايته الدستورية واشراكهم في البحث عن حلول للخروج من الازمة السياسية وعدم حصارهم سياسيا، لان هذه الكتلة تعبر عن تيار الاسلام السياسي وبعض فصائلها تأخذ بالبعد الديني في تفسير الاحداث، وتراها حربا على الشريعة وعلى استعداد ان تحول الاختلاف السياسي الى صراع ديني ترفع فيه راية الجهاد والفوز باحدى الحسنين الموت او القتل.
ـ يجب على الجيش ادراك ان عودة العسكر الى الحياة السياسية مبدأ مرفوض حتى من الذين يعملون على اسقاط مرسي، ولن يتنازلوا عن هذا المبدأ مقابل قيام الجيش بحماية الارادة الشعبية المطالبة بالتغيير .
ـ يجب على الجيش تجنب الصدام مع القوى الدولية التي تطالب بالتغيير في الاطار الديمقراطي، بما يعني ان يتم من خلال الآلية الدستورية القائمة التي اتى بها صندوق الانتخاب، وعلى الجيش الا يتجاوز دوره بطرح خارطة طريق لتفادي الاضرار الاقتصادية والامنية، التي تتشكل غيومها في سماء الوطن، ولا يعطي لنفسه الحق في الحديث نيابة عن اي قوة سياسية .
لقد اراد الجيش معالجة اوجاع وامراض الوطن وهذا يتطلب منه كل
الحرص على الا يتحول في يده مشرط الجراح لازالة العلة الى سكين جزار تقتل المريض .
كاتب مصري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الشحات شتا:

    الله يفتح عليك استاذ حسني رجب

إشترك في قائمتنا البريدية