دير الزور- «القدس العربي» : رغم مرور قرابة ثلاثة أسابيع على إعلان التحالف الدولي وقوات سوريا الديمقراطية الانتصار على تنظيم «الدولة» في سوريا، إلا أن الأخير على ما يبدو لا زال يتمتع بحركة عسكرية تخوله تنفيذ هجمات وتوجيه ضربات للقوتين الدولية والمحلية، وكان آخرها أمس – الثلاثاء، عندما استهدفت سيارة مفخخة دورية عسكرية للتحالف الدولي جنوب شرقي الحسكة السورية، والتي تشير إلى مرحلة جديدة من الحرب غير التقليدية بين الجانبين، وعودة الاشتباكات بشكل مختلف عن المألوف سابقاً.
باحث لـ «القدس العربي»: التنظيم ينتهج تكتيك «القاعدة» للتعايش مع الواقع الجديد
وفي تطور جديد، لعله الأبرز بعد انتزاع آخر معاقل تنظيم الدولة في الباغوز شرقي سوريا، استهدفت سيارة مفخخة قادها انتحاري، دورية للتحالف الدولي بالقرب من ناحية الشدادي جنوبي مدينة الحسكة، حسب وكالة «هاوار» الكردية. كما تبنى تنظيم «الدولة»، أمس الثلاثاء، ثلاث عمليات نفذها عبر «الخلايا النائمة» ضد قوات «قسد» المدعومة من التحالف الدولي شرقي سوريا، وذكرت وكالة «أعماق» الناطقة باسمه عن هجومين لعناصره في دير الزور والرقة مما أدى لمقتل ستة من قوات قسد، وإصابة آخرين، والعملية الثالثة في الحسكة، حيث استخدمت الأسلحة الرشاشة والعبوات الناسفة.
آلية جديدة
وكان متوقعاً حسب الخبير في الجماعات الجهادية حسن أبو هنية عودة تنظيم «الدولة» منذ أواخر عام 2017 بآلية جديدة تعتمد على حرب العصابات، ولكنه كان مقتصداً في استخدام هذه التكتيكات، ففي غالبية عملياته في 2018، شهدت أكثر من 1500 هجوم فقط في العراق، كان الأسلوب المستخدم فيها العبوات الناسفة ولقنص والكمائن، ولاحظنا أن التنظيم استبعد طيلة تلك الفترة العمليات الانتحارية إلا ما ندر. ولكن بعد كلمة الناطق الرسمي باسم التنظيم أبو الحسن المهاجر الأخيرة، والدعوة لاحياء ما يعرف بـ «الأيام الزرقاوية»، حدثت متغيرات في المشهد، وهذا يعد مؤشراً على انتهاء التنظيم من عمليات إعادة الهيكلة والتأقلم مع الوضع الجديد وامتلاك القدرة على التحرك واستخدام حرب العصابات. وتوقع الباحث خلال تصريحات أدلى بها لـ «القدس العربي»: ازدياد عمليات تنظيم الدولة خلال المرحلة المقبلة من العام الحالي، وعلى رأسها العمليات الانتحارية التي توقع تضاعف أعدادها نسبة لتلك المنفذة في عام 2018، وبذلك يكون التنظيم قد تحول بعد فقدان مراكز انتشاره كافة من الحروب الكلاسيكية «الدفاع عن المدن» إلى حرب وتكتيك العصابات، والتي تعني الـبدء بمواجـهات اسـتنزاف طـويلة الأمـد.
تنظيم «الدولة» يدرك وجود خلافات بين الدول المتحالفة لإنهاء وجوده بكافة الأشكال، خاصة أن الولايات المتحدة أعلنت قبل أشهر عن سحب قواتها من سوريا، وبالتالي القوات الكردية ستصبح مكشوفة أمام هجمات التنظيم، ومهما كان هنالك من دعم دولي للأكراد بطريقة أو أخرى، إلا أن انسحاب القوات الأمريكية والإبقاء على 200 جندي فقط، ستدخل المنطقة في مرحلة فوضى، خاصة بعد التنصيف الأمريكي الأخير للحرس الثوري الإيراني على قائمة الإرهاب الذي جعل وفق رؤية «أبو هنية» من مصلحة الأكراد التفاوض مع تركيا، وحتى التفاوض مع روسيا والنظام السوري، على اعتبار إقامة كيانهم غير ممكن بطريقة أو أخرى، وبالتالي مساعيهم هي فقط لتحسين شروط التفاوض، ولعل أبرز ما يمكنهم تحصيله هو إدارة حكم ذاتي، إلا أن تركيا تعتبر ذلك أمراً قد يهدد أمنها القومي.
وكانت قوات سوريا الديمقراطية قد أعلنت مؤخراً عن استعدادها لإجراء مفاوضات مع تركيا حول الخلافات في الداخل السوري، إلا أنها وضعت شرطين وصفهما القائد العام لها مظلوم كوباني بـ»الأساسيين لبدء عملية التفاوض»، وهما انسحاب الجيش التركي والمعارضة السورية من منطقة «عفرين» شمالي سوريا، وتخلي أنقرة عن أي عملية عسكرية ضد قواتهم شرقي سوريا، في حين لم يصدر عن الدولة التركية أي تعليق حول الموضوع.
لقاء في نقطة
ففي النهاية لا بد من لقاء في نقطة ما، خاصة مع وجود دعم أمريكي – أوروبي، والأكراد يحاولون استغلال ذلك قبل أن تبقى القوات الكردية وحيدة في الميدان، وحتى في حال عدم انسحاب القوى الدولية الداعمة للأكراد، ففي الخاتمة يصعب إبقاء المنطقة على ما هي عليه اليوم من قبل روسيا وإيران والنظام السوري، وكذلك تركيا الدولة الإقليمية الكبيرة القادرة على اتخاذ قرارات حتى لو ترتب عليها بعض الغضب الأمريكي، وهذا ما شاهدناه سابقاً في عمليتي «درع الفرات» و»غصن الزيتون».
ووفق الخبير «صحيح أن عملية شرق الفرات أكثر تعقيداً، ولكن الأطراف كافة في النهاية تريد حلاً وسطاً، كإقامة تركيا لمنطقة آمنة بحدود ثمانية كيلومترات، ولا نعتقد وجود حل صفري، ومع نهاية الشهر المقبل قد تتضح الصورة أكثر خاصة من قبل الجانب الأمريكي سواء في الانسحاب أو الإبقاء على قواتهم في سوريا».
وكان متوقعاً حدوث تغييرات في طبيعة عمليات تنظيم الدولة في المناطق الحضرية، إلا انها تواجده لا يمكن التعويل فيه على العمليات العسكرية فحسب، وإنما البدء بخطوات حقيقية لوضع حد للمظلوميات التي تعرض لها سكان تلك المناطق التي خضعت لسيطرة التنظيم فيما سبق. وقال الباحث المختص في شؤون شرق سوريا في مركز عمران للدراسات «بدر ملا رشيد»: من الواضح أن تنظيم الدولة أعاد بنيته للتأقلم مع الواقع الجديد، وعملياته الأخيرة وآخرها عودة العمليات الانتحارية، فهي اقتباس نهج تنظيم القاعدة في العراق سابقاً، ولاحقاً تنظيم «الـدولة» مع بداية تأسـيسه.
هنا لا بد من عمليات توعوية نوعية لمواجهة التطرف أو الأدوات التي يستغل عبرها المتطرفون احتياجات الأهالي وظروفهم القاسية، والعمل الفارق والمهم هذه المرة هو كمية الدمار الحاصل في البنى الوطنية، والمجتمعية والأمنية الإقليمية، والأهم هو ما حصل للمجتمعات المحلية من نزوح ودمار وتهجير وتفقير واختراق آيدولوجي، حسب الباحث المختص.