تنمر سعودي على باكستان… دبلوماسية كسر الباب المفتوح

حجم الخط
16

بينما كان العالم مغمورا بضجيج التطبيع الإماراتي الإسرائيلي، كان هناك تنمّر دبلوماسي صامت يحدث في الجوار وتمارسه دولة عربية كبرى وغنيّة على دولة إسلامية كبرى، لكن فقيرة ومأزومة.
في الساعات التي سبقت إعلان واشنطن وأبوظبي وتل أبيب ميلاد التطبيع الإماراتي الإسرائيلي للعالم، كانت السلطات السعودية تصد أبواب قصورها في وجه ضيف غير مرحَّب به، هو قائد الجيش الباكستاني، العميد قمر جاويد باجوا.
جاء باجوا إلى الرياض يبحث عن حل يلطّف الأجواء الملبدة بين البلدين، إثر موقف دبلوماسي غير محسوب اتُهم به وزير الخارجية الباكستاني. لكنه عاد خائبا بعد أن رفض الملك سلمان استقباله، وكذلك ولي العهد.
كل شيء بدأ عندما أحسَّت باكستان بالمرارة من تكاسل الدول الإسلامية في الوقوف معها في أزمتها المستجدّة مع الهند بسبب كشمير. راهنت إسلام آباد على منظمة التعاون الإسلامي، ومقرها في السعودية، لتتخذ موقفا داعما لها. طال انتظارها ولم يصدر الموقف المأمول.
لم يحتج الباكستانيون، وهم العارفون بخبايا اللعب الدبلوماسي والاستخباراتي المعقّد في هذا الجزء من العالم، إلى جهد خارق ليعرفوا أن منظمة التعاون تحت السيطرة المطلقة للسعودية، وأن الأخيرة مرتبطة بمصالح تجارية واستراتيجية، بعضها حديث العهد، مع الهند تمنعها من اتخاذ موقف علني معاد لها.
في تلك الأثناء نُسب إلى وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قرشي، تلويحه بالدعوة إلى قمة إسلامية خارج مظلة المنظمة النائمة في الرياض.
صدر كلام الوزير قرشي، امتعاضا وغضبا، بعد أن امتنع مَن في رأس السلطة بالرياض عن الرد على اتصالات رئيس الوزراء الباكستاني، عمران خان.
كان خان يريد أن يشتكي لقادة المملكة قرار الهند إلغاء مادة دستورية (عمرها 66 سنة) تمنح كشمير وجامو وضعا خاصا، وشنِّها حملة قمع استهدفت الرافضين للقرار، وحجتهم أنه يكرس قبضة الهند على الإقليم المتنازع عليه.
لو خذلت السعودية باكستان في أي موضوع آخر غير الهند، لمرَّ الأمر بلا ضجيج. لكن المزاج الباكستاني يختلف عندما يتعلق الأمر بالهند.
لم يخطر ربما ببال وزير الخارجية الباكستاني أنه تجاوز الخطط الحمراء ووضع العلاقات الهشّة التي تربط بلاده بالسعودية في مأزق. ولم يحسب حساب أن كلامه قد ينسف جهود رئيسه عمران خان في الحفاظ على توازنات إقليمية معقّدة تحاصر من كل زاوية بلاده المنهكة بالأزمات.

ليس لدى المسؤولين السعوديين ما يقارعون به باكستان سوى القروض والعمالة الباكستانية في المملكة. لذا استعملوا سلاح الغني على الفقير، ووظّفوا أسوأ نقاط ضعف حكومة خان

مثلما فهِمَ الباكستانيون بسرعة أن السعودية لا تكتفي بالتخلي عنهم، بل تمنع الآخرين من مساعدتهم، فهمَ السعوديون بسرعة أن تلويح باكستان بقمة إسلامية دولية خارج منظمة التعاون الإسلامي، يعني التهديد بقطر وتركيا وإندونيسيا وماليزيا وإيران. وهي مجموعة دول إسلامية تجتمع فيها القوة والتأثير الاستراتيجي والثروة، وتوحدها الخلافات مع الرياض بسبب دبلوماسيتها الهوجاء.
وأدرك السعوديون كذلك أن استنجاد باكستان بهذه الدول، إذا ما أثمر شيئا على الأرض، سيكون سابقة خطيرة قد تشكّل بداية نهاية منظمة التعاون الإسلامي، إحدى الأذرع الدبلوماسية للرياض.
لهذا ردّت السعودية بسرعة وقوة، وبإصرار على إهانة باكستان، لتلقّن الآخرين درسا من خلالها.
لجأت الرياض فورا إلى سلاحها المفضل: المال، فأمرت باكستان بردّ قرابة ثلاثة مليارات دولار كانت قد استلمتها من المملكة قبل وقت قريب، وجمّدت عقودا تتضمن تسهيلات نفطية قيمتها 3.2 مليار دولار جرى الاتفاق عليها في 2018.
ليس لدى المسؤولين السعوديين ما يقارعون به باكستان سوى القروض والعمالة الباكستانية في المملكة. لذا استعملوا سلاح الغني على الفقير، ووظّفوا أسوأ نقاط ضعف حكومة خان وأكبرها: حاجتها لدعم مالي ضروري لقوت الباكستانيين وبقائهم على قيد الحياة (موضوع العمالة الباكستانية كان سيُستغل لاحقا لو ذهبت الأزمة أبعد).
في يوم صدور القرار السعودي، كان الاحتياطي القومي في البنك المركزي الباكستاني أكثر قليلا من 12 مليار دولار، أي ما يكفي واردات ثلاثة أشهر.
لا تخلو طريقة الانتقام السعودية من صبيانية وتهوّر يحملان بصمات وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان. هناك طرق أخرى لـ«معاقبة» باكستان، لكن المسؤولين في الرياض فضّلوا كسر باب مفتوح، وسارعوا إلى سياسة العصا الغليظة في شكل العقاب (رفض استقبال مبعوث باكستاني موشح بالنياشين والأوسمة العسكرية) ومضمونه (الإصرار على دفع القروض فورا).
تناسى المسؤولون السعوديون، في فورة غضبهم، أن باكستان لن تكون الخاسر الوحيد.
في الساعات التي أعقبت إعلان صدور «العقاب» السعودي، قفزت الصين لتعبئة الفراغ. مدّت بكين خط حياة باتجاه إسلام آباد، واقترحت دفع القروض المترتبة على إسلام آباد.
اغتنمت الصين الفرصة كعادتها منذ أن احترفت سياسة ملء الفراغ الذي تتركه العقوبات الغربية على دول العالم، أو الذي يترتب عن أزمات طارئة.
مثلما حدث مع قطر ودول عربية وإفريقية، سيدفع الغضب السعودي المبالغ فيه باكستان بسرعة إلى أحضان الصين. ليس لأن المسؤولين الباكستانيين يريدون ذلك، وإنما لأنهم بلا خيارات قوية أخرى تساعدهم على تجاوز الضائقة الاقتصادية التي تخنق بلادهم.
وإلى جانب الصين، هناك تركيا التي تعلمت هي الأخرى اقتناص الفرص وملء الفراغات. فلا غرابة أن الأتراك موجودون في باكستان وقريبون منها دبلوماسيا في أزمة كشمير. كان الوجود التركي بباكستان متواضعا، لكن التهور السعودي منحه فرصة ليتسع أكثر.

كاتب صحافي جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سعيد:

    على باكستان مساعدة ايران نوويا حتى تعيش السعودية في رعب

  2. يقول _خليل_@ عين باء:

    لا اذكر ان الساسة السعوديين افلحوا في شيء غير التخريب

  3. يقول ابو السعد:

    ليس غريبا أن بطش الحكومة الهندية المتطرفة بالمسلمين انما يأتي بمباركة و تأييد من حكومة خادم الحرمين الشريفين عظم الله سره

  4. يقول خالد الزناتي:

    السعودية بعجرفة أميرها محمد بن سلمان ورعونته ستفقد تباعا كل حلفائها من حكومات البلدان الإسلامية ليليها بعد ذلك كره الشعوب المسلمة لحكام بلاد الحرمين. ستفقد السعودية ذلك الإجماع بأنها خط أحمر لا يحق لأحد التطاول عليها. أعتقد بعد الإعلان الرسمي لتطبيع السعودية علاقاتها مع الكيان الغاصب في المستقبل القريب ستكون الظروف مواتية للتخلي عن السعودية كقطب في العالم الإسلامي وتهميشها وتكوين حلف جديد يضم في بداياته البلدان السنية الوازنة كتركيا باكستان الجزائر ماليزيا وأندونيسيا, ليفتح الباب بعدها لباقي البلدان للإنضمام. الرهان على يقظة ظمير من طرف الحاكم الفعلي في السعودية المنفلت وحاشيته الفاقدة للأهلية هو رهان خاسر لذلك وجب منذ اليوم بحث رهانات أخرى أكثر موضوعية وواقعية.

  5. يقول عربي اصيل:

    شكرا للكاتب وان شاء المولى ان نرى السعوديه على ابواب الهلاك حتى ننشر الحلوى للقاصي والداني

  6. يقول الكروي داود النرويج:

    الخاسر الوحيد هم المسلمين! باكستان دولة نووية!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  7. يقول محمد:

    العرب هم الذين اهدوا فلسطين للانجليز في الحرب العالمية الاولى طبعا في ؟ ويطبعون اليوم طمعا في ؟ ويبيعون كشمير طمعا في ؟ اين المسلم اخ المسلم ؟

  8. يقول عبد الوهاب عليوات:

    نشمر الكاتب لاجل تسليطه الضوء على ما يحدث في بقعة مهمة من العالم الاسلامي تم اهمالها اعلاميا بشكل غريب ومقلق رغم انها مركز ثقل بشري اسلامي وعسكري وحضاري مهم للغاية..
    ما يحدث لباكستان لا بختلف عن ما يحدث لكل الدول الاسسلامية التي تزفض الدخول تحت عباءة الصهيو دولار.. ولا نستبعد في قادم الأيام ان يتم شيطنة باكستان اذا ما تحولت نحو الصين استراتيجيا.. فليس غريبا عن من يبيع القدس ان يبيع غيرها ولو بلعبة بلاي ستيشن هندية لان بسلامته م ب س يعشق البلاي ستيشن.. وهو لا يختلف عن اخوته في المنطقة المنبطحة كلها والتي للاسف اصبحت ترسم انهيار العربي المسلم قيمة ودينا وحضارة..

  9. يقول سامح //الأردن:

    *أي دولة تعتمد على (السعودية والإمارات)
    خسرانة لا محالة..
    حسبنا الله ونعم الوكيل.

  10. يقول لقمان:

    لم يسجل في التاريخ غباء سياسياً أكثر مما هو موجود في السعودية .

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية