لندن ـ «القدس العربي»: تعرض ريال مدريد للإذلال الكروي للمرة الثانية في غضون أقل من عام على يد غريمه التقليدي برشلونة، بهزيمة محرجة لشعب اللوس بلانكوس، بثلاثية كانت قابلة للمضاعفة مقابل هدف يتيم، وذلك في المباراة النهائية للكأس السوبر الاسباني، التي جمعتهما على الأراضي السعودية في العاصمة الرياض في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، لتتبدل الأوضاع من النقيض إلى النقيض في كلا المعسكرين، من هدوء واستقرار في غرفة خلع الملابس الملكي الأبيض، إلى هزة عنيفة خلعت قلب المدرب الإيطالي كارلو أنشيلوتي، وهو يُحاول تبرير الهزيمة الثقيلة الثانية أمام تشافي هيرنانديز، في حديثه مع الصحافيين بعد الكلاسيكو في ملعب «الملك فهد»، والعكس 180 درجة، بالنسبة للمايسترو، الذي تنفس الصعداء وضرب عصافير بالجملة بحجر واحد، بعد تتويجه بأول بطولة في مغامرته التدريبية مع الكتالان.
فقر وإفلاس كروي
من السهل، التسليم بأن الميستر كارليتو، هو المسؤول الأول عن التفاوت الكبير بين الأداء والنتائج الموسم الماضي وبين ما يحدث مع الفريق، لكن من الواضح، أنها أشبه بخيبة الأمل الجماعية، وبالعربي البسيط «مسؤولية مشتركة» بين الإدارة والجهاز الفني وبدرجة أقل بعض اللاعبين بأعينهم، بدأت بالإصرار على سياسة التقشف، بالاكتفاء بصفقة مجانية، أثبتت التجارب، أنها لم تكن من اختيار أنشيلوتي، والحديث عن المدافع الألماني أنتونيو روديغر، الذي جاء من تشلسي بموجب قانون بوسمان، ليكون الخيار الثالث في «سانتياغو بيرنابيو»، بعد البرازيلي إيدير ميليتاو والنمساوي ديفيد آلابا، حتى بعد ضم تشواميني من موناكو، سارع ببيع القلب النابض كاسيميرو الى مانشستر يونايتد، مقابل نفس المبلغ تقريبا، الذي استثمره في الشاب الفرنسي. هذا في الوقت، الذي يعرف فيه أصغر مشجع للنادي قبل خبراء النقد والتحليل، أن الفريق بحاجة لظهيرين من الطراز العالمي، بعد الوصول الى مرحلة اليأس من تحسن فيرلاند ميندي أو ظهوره بالمستوى والجودة المطلوبة في نادي القرن الماضي، ونفس الأمر بالنسبة للمنتهي داني كاربخال، مع وصوله الى قاع الحضيض والإفلاس الكروي، كما وضح في كوارثه الكروية مع الصغير غافي، في مباراتهما الخاصة في الرواق الأيمن، التي كانت مؤثرة في أحداث ونتيجة كلاسيكو السوبر الإسباني، بذاك التفوق المذهل لأفضل لاعب شاب في أوروبا على ظهير الميرينغي الأيمن، والذي وصل لحد صناعة هدفين والتكفل بتسجيل الثالث من نفس الجهة. وما ضاعف مشاكل أنشيلوتي، ليس فقط في ليلة الرياض المحرجة، بل منذ عودة اللاعبين من مونديال كأس العالم، التراجع الملموس سواء في المعدلات البدنية أو اللمسة الإبداعية والفنية للمخضرمين والكبار في السن، في مقدمتهم موزارت الشرق لوكا مودريتش، المُستنفذ أكثر من أي وقت مضى في حياته من ضغط المباريات، بعد مجهوده الكبير مع منتخب بلاده في المونديال القطري، من دون حصوله على الراحة الكافية، مع اقترابه من كسر حاجز الـ38 عاما، وكذلك مهندس الوسط توني كروس، هو الآخر لا يعيش أفضل أيامه، بهبوط وتراجع صادم في عطائه وإنتاجيته داخل المستطيل الأخضر. وكل ما سبق أدى في النهاية، إلى ظهور الفريق بالصورة البائسة التي كان عليها في مباراة الأحد الماضي، كأنها مؤشرات نهاية ما تبقى من الجيل الذهبي للعملاق المدريدي.
صداع جديد
ما ينذر بعواقب وخيمة على المدرب كارلو أنشيلوتي، ذاك الصداع الجديد، الناتج عن الطابع الفردي المبالغ فيه لُجل رجاله المخلصين في الولاية الثانية، على رأسهم سهم الموسم الماضي فينيسيوس جونيور، الذي على ما يبدو، أنه نسى النسخة المرعبة التي كان عليها في حملة الرابعة عشرة، والعودة إلى سنوات الظلم تحت قيادة طيب الذكر زين الدين زيدان، بإصرار غير مبرر، على الاعتماد على الحل الفردي كلما أتيحت له فرصة الانطلاق من الرواق الأيسر، رافعا شعار «الاستعراض قبل مصلحة الفريق»، بالطريقة التي تفنن بها، في إثارة غضب واستياء الجماهير، في مشاهد بحثه عن أراوخو والمدافعين، لإظهار قدراته في المراوغة والمرور بدون فائدة، أو بعبارة محسنة، مجهود مهدر في أماكن غير مؤثرة في الملعب، وذلك، لم يكن أمام البلو غرانا فحسب، بل من قبل حتى مشاركته مع البرازيل في كأس العالم، بسلسلة من العروض التي يصعب مقارنتها، بالنسخة الساحرة التي كان عليها الموسم الماضي، التي ساهمت في تشكيل الشراكة النارية مع القائد كريم بنزيمة، الذي يبحث هو الآخر، عن استعادة لحظاته الخارقة، التي قادته لتحقيق حلم الطفولة، بالفوز بجائزة «الكرة الذهبية»، كأفضل لاعب في العالم، وذلك بطبيعة الحال، لتأثره بلعنة الانتكاسات التي أبعدته عن الملاعب في أغلب مباريات ما قبل المونديال، بجانب صراعه مع مدرب الديكة ديدييه ديشان، الذي عجل بانتهاء رحلته الدولية، وأمور أخرى، ما زالت تحتاج الى مزيد من الوقت للتعافي منها. وبالتبعية الخاسر الأكبر، هو الميستر كارليتو، وذلك وفقا للأعراف والتقاليد المتعارف عليها عالميا في كوكب الساحرة المستديرة، بوضع المدرب في إطار أو صورة «كبش الفداء»، بعد كل هزيمة أو خسارة بطولة، لكن الأمر اللافت، أن أنشيلوتي، تخلى عن دبلوماسيته المعهودة، بتحويل دفة الهجوم وسهم النقد الجارح، تجاه اللاعبين، وبالأخص رباعي الدفاع وبينهم قلبا الدفاع، لاعتقاده بأن الأخطاء الفردية الكارثية، هي ما أهدت المنافس الأهداف الثلاثة واللقب.
الضريبة الملعونة
ربما يكون أنشيلوتي محقا في انتقاده لأخطاء الدفاع، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: من يا ترى كان المسؤول الأول عن الثغرات والمشاكل الفنية التي عانى منها الفريق أمام برشلونة، الى درجة أن البعض صنفها كمباراة من طرف واحد، بسبب هيمنة البلوغرانا على مجريات الأمور، مستغلا ضعف تمركز الخصم وتباعد خطوطه الثلاثة، بالطريقة التي كنا نشاهد بها فينيسيوس محاصرا بأكثر من ثلاثة لاعبين، لعزله على بنزيمة، ونفس الأمر بالنسبة لفيديريكو في انعزاله في الرواق الأيمن، حتى ثلاثية مودريتش وكروس وكامافينغا، راحت ضحية الاجتياح الكتالوني الرباعي في وسط الملعب، المتمثل في رجل المباراة غافي وشريكيه المستقبليين بيدري وفرينكي دي يونغ، بجانب خبرة سيرجيو بوسكيتس، الذي كان في أفضل حالاته منذ زمن بعيد، والأمر لا يتعلق بالفوارق الشاسعة بين المعدلات البدنية لصغار البارسا والوسط ونظرائهم الشيوخ في الوسط المدريدي، ولا حتى بالزيادة العددية، برؤية اكتساح لاعبي برشلونة وتفوقهم عدديا على رجال أنشيلوتي في كل أرجاء الملعب، كأن الريال خاض المباراة بتسعة أو عشرة لاعبين أمام 11 رجلاً، لكن في حقيقة الأمر، جزء كبير يرجع الى التحضير الفني المتواضع من قبل المدرب، الذي يسير بخطى سريعة إلى الوراء، بهزائم وعروض غير مقنعة على مستوى الليغا، على إثرها أزاحه برشلونة من صدارة الدوري الاسباني، قبل أن يأتي موعد انكشاف المساوئ، بالفوز المسكن على فالنسيا بمساعدة ركلات الترجيح، ثم بالليلة الظلماء أمام مشروع تشافي الجديد، كجرس إنذار، بأن القادم لا يبشر بنهاية سعيدة، في ظل المشاكل التي يعاني منها الوسط، بسبب غياب لاعب الارتكاز الوحيد تشواميني، بداعي الانتكاسة التي ستعيقه عن ركل الكرة لنهاية الشهر الجاري، ومثله آلابا. هذا ولم نتحدث، عن الاتهام الموجهة للمعد البدني أنتونيو بينتوس، بوضعه كشريك لأنشيلوتي في انهيار الفريق، وذلك من الناحية البدنية، مقارنة بالحالة البدنية التي كان عليها اللاعبون بعد عودته إلى بيته القديم، تزامنا مع عودة كارليتو في الولاية الثانية، بجانب إلقاء اللوم عليه في انفجار لعنة الإصابات، بطريقة تحاكي السيناريو المرعب في موسم زيدان الأخير في ولايته الثانية. والسؤال الذي يفرض نفسه الآن، هل سينجح عراب العاشرة والرابعة عشرة، في تصحيح الأوضاع ويوقف سيل الشكوك، التي بدأت تحوم حول مستقبله في مدينة «فالديبيباس»؟ أم سيدفع الضريبة الملعونة، التي تلاحقه كظله في جُل تجاربه مع كبار القوم بعد طلاقه عن ميلان، بالعودة إلى نقطة الصفر بعد الوصول إلى هرم القمة في الموسم الأول، على غرار ثنائيته الشهيرة مع تشلسي باحرازه كأس الاتحاد الإنكليزي والبريميرليغ في عام 2010، والموسم التالي للعاشرة مع الريال، والأسوأ ما حدث معه في رحلته العابرة مع بايرن ميونيخ وعلامات استفهام أخرى سيتعين على المدرب اللطيف الإجابة عليها، لتجنب مواجهة المصير الذي يعرفه أكثر من غيره على هذا الكوكب.
لقب الأمان
لا يخفى على أحد، أن تشافي هيرنانديز، تعرض لواحدة من أشرس حملات الهجوم عليه، منذ توليه الدفة الفنية أواخر العام قبل المنقضي، خلفا للهولندي رونالد كومان، بدأت بردود الأفعال الغاضبة على الخروج المبكر من دوري أبطال أوروبا للموسم الثاني على التوالي، وبلغت الذروة بعد تخطي الفريق المغمور، إنتر سيتي، الذي نحتاج دوما التأكد من اسمه قبل كتابته، في كأس ملك إسبانيا، لدرجة أن قطاعا كبيرا من أنصار النادي، طالب الرئيس لابورتا بضرورة التخلص من المدرب، بسبب إدمان الفصول الباردة، بتلك النتائج المخيبة للآمال التي يحققها من حين الى آخر، لكن بعد الظفر بأول لقب في عهده، وبالأحرى بعدما قاد الكيان الى أول لقب في عصر ما بعد أعظم لاعب في تاريخ النادي ليونيل ميسي، وبانتصار أقل ما يُقال عنه جدارة واستحقاق أمام العدو الأزلي، وربما لولا تألق الاخطبوط تيبو كورتوا، في بعض الفرص المحققة، بجانب سيل المحاولات السهلة الضائعة، لانتهى الكلاسيكو بنتيجة تندرج تحت مسمى «فضيحة كروية»، لكن الشيء الأكثر أهمية، أنه حقق الهدف المنشود، آخذا النفس العميق، بعد فترة من الضغوط والشكوك حول كفاءته وقدرته على المضي قدما بمشروع إعادة «إرث» برشلونة القديم، تاركا المعارض قبل المؤيد، يضرب أخماسا بأسداس، لاستيعاب وحشية وشراسة فريقه، كمنظومة جماعية تجمع بين الأناقة والخيال العلمي الكروي وبين الحدة والذعر على حراس المرمى والمدافعين، مراهنا على ما أشرنا إليه أعلاه، ثنائية بيدري وغافي، كأن الزمن عاد إلى الوراء الى عصر بيب غوارديولا الذهبية، برؤية، ولو قليلا، ما هو قريب من سحر الثنائي الأعظم الرسام أندريس إنييستا ومعاونه على دائرة الوسط تشافي هيرنانديز، من خلال ما يقدمه الثنائي الشاب من محتوى وجودة، على مستوى طموحات وآمال المشجعين، الذين يحلمون بعودة البلو غرانا إلى وضعه ومكانته الطبيعيتين، كمنافس يخشاه الكبير قبل الصغير في كل أرجاء المعمورة، بسلاح «التيكي تاكا»، أو بالفلسفة التي يريدها المشجع البسيط للفريق منذ القضاء عليها في حقبة الرئيس السابق بارتوميو، بالاعتماد على مدربين بأفكار لا تتناسب مع الحد الأدنى لما يريده الجمهور، ونعرف جميعا، أن الأغلبية الكاسحة من عشاق النادي، لا تقبل بأقل من العروض السينمائية وتحقيق الانتصارات العريضة، كما جرت العادة منذ أن تحول اسم برشلونة، إلى نموذج يُحتذى به في المتعة والجمال في عالم كرة القدم.
وبصرف النظر عن الانتصار العريض على الريال والتتويج بالكأس السوبر، وقبلها حملات المطالبة بإقالة تشافي، فمن الواضح أنه يقوم بعمله على أكمل وجه، ويُحسب له، صموده وعدم انهياره نفسيا ومعنويا أمام هذه الحملات، ومن يتابع أغلب مباريات البارسا في عهد المايسترو، يلاحظ أن بصمته الإيجابية تفوق سلبياته، ودوما يتعلم ويستفيد من أخطائه، خاصة التخفيف من التطرف الهجومي، الذي كان يسبب له مشاكل بالجملة في التعامل مع الهجمات المعاكسة، فقط كانت مشكلته الأكثر وضوحا، تكمن في حجم تأثير غياب اللاعبين الأساسيين، خاصة فترة حمى غياب طاقم الدفاع بأكمله في أسابيع ضغط المباريات قبل كأس العالم، لكن الآن، تظهر المؤشرات، أنه في حال استمر هذا التقدم والتطور، أو بالأحرى إذا نجح في البناء على الدفعة المعنوية الهائلة بعد حصوله على اللقب الأول، ففي الغالب، سنكون أمام مشروع في منتهى القوة والشراسة في المستقبل المنظور، مع اكتمال نضوج الشباب ووصولهم إلى قمة الانسجام والتفاهم مع روبرت ليفاندوسكي وباقي أصحاب الخبرات، الذين استعادوا جزءا كبيرا من مستواهم وحالتهم المعروفة عنهم، والحديث عن بوسكيتس، بالإطلالة المحدّثة التي يبدو عليها، منذ عودته من كأس العالم، ومن قبله الحارس تير شتيغن، الذي لا يتوقف عن الرد على كل من شكك في انتهاء سنوات ذروته في حراسة المرمى، بظهوره بصورة أعادت إلى الأذهان مستواه وتصدياته شبه الخارقة مع النادي، ضمن مكاسب أو عائد التحسن الجماعي في منظومة الفريق بوجه عام، والدفاع على وجه الخصوص، فهل ستكون الكاس السوبر الإسباني هي بطولة السلام والطمأنينة التي كان يبحث عنها تشافي، ليبني عليها قواعد مجده كمدرب في «كامب نو»؟ أو كما يقول عشاق النادي «بداية العهد الجديد»؟ أم سيفرط في الفرصة ويعود إلى الفصول الباردة والنتائج المثيرة للقلق قبل الدخول في الأشهر والأسابيع الحاسمة في الموسم؟ هذا ما ستكشف عنه عروض ونتائج الفريق في المرحلة القادمة.