توصيات ورسائل وأسئلة: ماذا أعد المغرب لما بعد الزلزال؟

عبد العزيز بنعبو
حجم الخط
0

الرباط ـ «القدس العربي»: لم يكن المغرب لينتظر حدوث كارثة طبيعية ليفكر ويعمل على توفير البنيات التحتية واللوجستيكية للمناطق النائية خاصة الأرياف، سواء تلك التي تضررت جراء الزلزال الأخير أو الأخرى التي تعيش يومياتها بشكل عادي، هناك المتوفر فعلا والبقية تترقب الإنجاز.

لكن ما حدث أن الطرق المقطوعة وتلك الجبال المرتفعة التي صعبت مهام الإنقاذ والوصول إلى المناطق المنكوبة، وبعض الصور للجرافات وهي عاجزة أمام كتل الصخور الضخمة التي سدت السبيل نحو سكان ينتظرون الغيث والدعم، ناهيك عن مناطق غاب عنها الكهرباء، كل تلك المعالم أعادت إلى واجهة سؤال: ماذا أعد المغرب لمواجهة ما بعد الزلزال؟
السؤال يستنبط ما سبق ويستشرف ما لحق وما هو آت، وبالنظر إلى حجم ما تم إنجازه فإن ما ينتظر كبير أيضا، والكارثة عجلت بالنقاش ولم تخلقه، فقد كانت اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي سباقة إلى التوصية بذلك، بعد قيام رئيسها وأعضائها بزيارات ميدانية للعديد من المناطق النائية والاستماع إلى حاجيات ومطالب الساكنة.
النبض جاء من هناك من عين المكان، حيث المواطن يلمس عن قرب حاجياته من خلال يومياته المعيشية، وفي المرض كما في الصحة، والتعليم أيضا كان حاضرا وبقوة، وتبقى تلك التوصيات قيد الاشتغال لكن يبدو أنه لا وقت للانتظار أكثر، فالكارثة حملت رسالة واضحة تفيد بضرورة التعجيل بما يمكن أن يخدم ساكنة الأرياف والمناطق الجبلية.
تقرير اللجنة المذكورة الذي صدر بعد مشاورات طويلة مع مختلف الفاعلين وعموم المواطنين، جاء مفصلا شاملا لكل مناحي الحياة المغربية ومتطلبات بناء نموذج تنموي جديد، لكن ما يهم هنا هو تلك التوصيات التي شملت المجال الترابي أي الجهات والأقاليم.
وقد أوصت اللجنة على إعطاء قيمة للجهات وتعزيز قدرات الفاعلين الجهويين، مع «إعادة تنظيم متجدد للمستويات الترابية وتشجيع ترابطها» إلى جانب تيسير تهيئة مندمجة للمجالات الترابية وتحسين السكن، و«تعزيز الربط بالشبكات والتنقل» وإجمالا أوصت بـ «مراجعة عميقة لمنظومة التراب الوطني».
من خلال تلك الزيارات الميدانية، ناقشت اللجنة مع المواطنين في إحدى البلدات بأعالي جبال الاطلس المتوسط، وهي مجرد نموذج لسلسلة اللقاءات التواصلية، فك العزلة ورفع التهميش عن المناطق الجبلية والقروية (الأرياف).
وأكدت اللجنة، على أهمية إنشاء مناطق ذات مناعة قوية، كفيلة بترسيخ مقومات التنمية، ومحاربة الفوارق والهشاشة على الصعيد الجهوي، مشددة على أن إحدى أسس ذلك يتمثل في فك العزلة عن المناطق النائية وصعبة الولوج.
هذا الحديث يعود إلى عام 2021 واليوم بعد الكارثة الطبيعية المتمثلة في زلزال منطقة الحوز، وهي مناطق جلها أرياف جبلية نائية، أصبح من الضروري المواصلة لكن بسرعة في تنفيذ وتطوير أوراش الجهوية الموسعة والتي تعد أحد المشاريع الكبرى التي أطلقها المغرب لتعزيز تنميته الترابية والمجالية.

طبيعة الأرض وطبيعة السكان

الحديث عن الزلزال وإصابته لمناطق جبلية، يطرح مسألة الطبيعة الربانية للأرض، وأيضا طبيعة السكان الذين يتشبثون بأصولهم ولا يفارقون موطنهم ويشدون البنيان وفق المتوارث من جيل إلى جيل وليس وفق المتعارف عليه لدى المدن، تلك ملامح من حياة أخرى يفضلها سكان تلك المناطق وعلى غرارهم مجموعة من المناطق الريفية حتى تلك التي توجد في السهول، لذلك حسب المتتبعين، فإن تغيير نمط وطريقة عيش الناس غير ممكن، لكن الممكن هو تغيير سرعة الاشتغال على توفير وسائل التواصل الحديثة من صحة وطرقات واتصالات وإنارة وتنقل، ذلك هو الممكن والمتاح مع الحفاظ على الوجه النقي لتلك البقاع التي لا تريد من الحداثة إلا ما ظهر أما الباطن فهو جوهر وجودهم.
تلك الطبيعة الإنسانية لدى ساكنة المناطق المتضررة، ظهرت في مقطع فيديو مثلا، عندما لوح السكان للطائرة التابعة للقوات المسلحة الملكية وهي تمدهم بالمساعدات الغذائية وغيرها، قالوا لها بالإشارة يكفي وصلنا منكم ما نحتاجه، طالبين التوجه إلى مناطق أخرى، تلك هي الفطرة النبيلة التي برزت، كما هو حال المغاربة الذين هبوا جميعا للدعم والمساندة والمساعدة بكل ما تأتى أمامهم من أكل وشرب وكساء وغطاء وأفرشة.
إلى هنا يبقى أمر الزلزال كما قال أحدهم، هو لحظة مكاشفة مع الحقيقة الناصعة، وهي أن المغاربة يحبون وطنهم ويحبون بعضهم، ذلك أمر لا نقاش فيه، لكن في المقابل نفس المغاربة الذين لم يتأخروا عن إخوانهم في المناطق المنكوبة عابوا على الحكومة تأخر أعضائها في التفاعل مع الكارثة، وذلك شأن آخر.
وهنا نعود إلى تحركات اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، والتي كان رئيسها، شكيب بنموسى، قد أشار وفق ما ذكرته ورقة في الموضوع نشرتها وكالة الأنباء الرسمية، إلى أن اللقاءات والمشاورات التي عقدت على المستوى الجهوي كشفت عن انزعاج عميق يكتنف سكان المدن الصغيرة والقرى من شعورهم بالتهميش جراء التفاوتات وبالتالي تنامي مشاعر الإحباط وفقدان البعض للثقة في عمل الإدارات، كما أن المشاكل التي يعبر عنها سكان القرى تتعلق أساسا بالتعليم والصحة وفك العزلة وتحرير طاقات المرأة القروية والشغل وتحسين الدخل والوصول لخدمات عمومية ذات جودة وتقليل الفوارق المجالية.

توصيات لجنة علمية لما بعد الزلزال

الطارئ الآن، هو الزلزال وما خلفه وما يمكن القيام به، لكم علميا نصل لجنة علمية من وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، والتي أوصت بـ «مراجعة خريطة توزيع المناطق الزلزالية الخاصة بالقانون المتعلق بالبناء المضاد للزلازل»، و«إعداد خرائط دقيقة للمناطق التي تعرضت لتشوهات على السطح».
إضافة إلى «تعميق البحث عن آثار واضحة لمختلف الصدوع من طرف خبراء جيولوجيين عبر الصور الجوية»، و«تحديد نوعية التحركات التي شهدتها أصناف الصدوع الثلاثة المشار إليها سالفا عبر القياسات البنيوية».
وأوصت اللجنة العلمية أيضا، بـ «إدراح المعطيات الجيوعلمية المتوفرة عند عمليات اتخاذ القرار خلال مختلف مراحل إعادة البناء بالمناطق المتضررة» مع الأخذ «بعين الاعتبار هذه المعطيات أثناء اختيار مواقع محطات قياس الزلازل التي سيقوم بها المركز الوطني للبحث العلمي والتقني».
توصيات اللجنة المذكورة، جاءت عقب اجتماع لها بادرت إلى عقده وزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، الثلاثاء 12 أيلول/سبتمبر، بمقر مديرية الجيولوجيا بصفتها المصلحة الوطنية للجيولوجيا.
تحالف الحاجة العلمية والعملية، يدفع رأسا إلى حديث التوقع والتتبع في الشق العلمي، وإلى العمل الدؤوب من أجل تمكين الأرياف والمناطق الجبلية من اللحاق بركب التنمية التي تشهدها مختلف الحواضر المغربية، في الشق العملي.
وبالنسبة للتتبعين، فإن ما يجب أن يخلفه الزلزال، هو الطرقات والصحة والتعليم، وعموما فك العزلة عن المناطق الجبلية والأرياف، ووصول الساكنة إلى الخدمات العمومية والنهوض بأوضاع الساكنة اجتماعيا واقتصاديا، وتلك هي أهم توصيات الزلزال التي لا يجب أن تنظر.

ضرورة استلهام جهود الإنقاذ

عديد من المغاربة وعبر تدوينات كثيرة، توقفوا بإجلال عند الجهود الكبيرة والسرعة المتناهية التي قامت بها السلطات العمومية المغربية من خلال مختلف قواتها للتدخل والإنقاذ، وبعضهم قام بالمقارنة بين سرعتها ونفعها المباشر، وسرعة الاشتغال على مشاريع تنموية في المناطق المنكوبة، من طرف الحكومة، أو المجالس البلدية المنتخبة.
تلك المقارنة لا تستقيم لكنها تحيل على أن الزمن هو معيار الجودة والجدية، ومع اختلاف في الدافع، حيث أن دافع فرق الإنقاذ هو إغاثة المتضررين، فإن دافع الحكومة أو الجهات هو البناء، إلا أن المغاربة بعضهم أصر على ضرورة استلهام الجدية التي هي عليها كل السلطات القوات المغربية من جنود وأمن وطني ودرك ملكي وحماية مدنية وقوات مساعدة، بل استلهام حتى روح التضامن الشعبي.
طبيعي أن ظرف الحزن والمحنة يخلق التلاحم، يؤكد مغاربة في منصات التواصل الاجتماعي، لكن في الحالة المغربية يجب على المسؤولين في الحكومة ومختلف الإدارات المشرفة على المشاريع، أن يستلهموا هذا التلاحم وتلك الجدية والأخذ بعين الاعتبار الزمن كعامل يجب التسابق معه.
وبالحديث عن التلاحم المغربي، تحضر هنا مقالة كتبها رجل القانون والنائب الشيلي السابق، روبرتو ليون، ونشرها في يومية «إل بيريوديستا» الشيلية، وأوردت مقاطع منها وكالة أنباء المغرب العربي (رسمية).
صاحب المقال، أشار إلى أن التعليمات التي أصدرها العاهل المغربي محمد السادس، منذ الساعات الأولى التي أعقبت الزلزال، كانت حاسمة في تعبئة مختلف القطاعات من فرق مدنية وعسكرية للبحث عن الضحايا وإجلاء المصابين، حيث تم نشر موارد بشرية ولوجستية هامة، جوية وبرية، وإنشاء مستشفيات ميدانية في منطقة الحوز، مركز الزلزال.
كاتب المقال تطرق إلى أن قيام الملك بزيارة المركز الاستشفائي الجامعي «محمد السادس» بمراكش، لتفقد الحالة الصحية للمصابين، والتبرع بالدم، يعكس تضامن العاهل المغربي الكامل واهتمامه ومتابعته الدقيقة لحالة الضحايا وأسر المنكوبين، مبرزا أن أن المغرب يعيش حاليا واحدة من أكثر المشاهد الإنسانية المؤثرة والعميقة للغاية، وأن الفاجعة أبرزت قيم التضامن المتأصلة لدى الشعب المغربي، مسلطا الضوء على تعبئة المواطنين المتطوعين وفاعلي المجتمع المدني لجمع المساعدات من مواد غذائية وأفرشة وخيام ومختلف الإمدادات، وإيصالها إلى المناطق المتضررة، مسجلا أنه في المدن المغربية، تشكلت طوابير طويلة بالقرب من المستشفيات للتبرع بالدم.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية