يأتي الإعلان عن تشكيل هذه الجبهة في وقت تتواصل فيه محاكمات المعارضين. واحيل عدد من قيادات حركة النهضة للدائرة الجنائية لمقاضاتهم بتهم طبق أحكام الفصلين 68 و72 من المجلة الجزائية.
تونس ـ «القدس العربي»: في خضم المناخ السياسي المعقد الذي تعيشه البلاد التونسية، ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية المزمع اجراؤها في خريف العام الجاري من دون تحديد موعد ثابت، بادر عدد من الأحزاب المعارضة والشخصيات الوطنية والجمعيات الأهلية إلى إطلاق جبهة «الميثاق الجمهوري». وهذه المبادرة تضم الأطراف المعارضة لمسار 25 تموز/يوليو وحملت توقيع أكثر من 100 شخصية في المجالات الحقوقية والأكاديمية إضافة إلى 4 أحزاب هي الحزب الاجتماعي التّحرّري وحزب المسار الدّيمقراطي والحزب الاشتراكي والاجتماعي وحزب آفاق تونس وائتلاف صمود و3 جمعيات.
والأهداف المعلنة لهذه الجبهة هي إصلاح المنظومة السياسية بما في ذلك الدستور والنظام الانتخابي وتعديل كل القوانين التي تعتبر معارضة للحريات وللمناخ الديمقراطي والحفاظ على حياد أجهزة الدولة والإدارة والقوات الحاملة للسلاح عن المشاكل السياسية. كما التزم الموقعون على البيان بنأي تونس عن سياسة المحاور وصون الحقوق الأساسية للشعب في الصحة والتربية والعمل والتعليم والثقافة وتعزيز موقع البلاد في محيطها الإقليمي والعربي والأفريقي والحفاظ على ثوابت الدبلوماسية التونسية من خلال الحفاظ على علاقات جيدة مع الشركاء التقليديين والانفتاح على الدول الصاعدة.
ويشكّل هذا البيان مشروعا انتخابيا متكاملا لمواجهة تحديات المرحلة المقبلة. ويبدو أن أهم أولويات المشاركين هو التوافق على مرشح رئاسي والعمل الدؤوب من أجل إيصاله ونجاحه في الاستحقاق الرئاسي المقبل. وهذه المبادرة تبقى مفتوحة لكل القوى الديمقراطية الحيّة من مجتمع مدني وأحزاب تتلاقى في رؤيتها مع رؤية هذا الميثاق الجمهوري.
ويرى البعض أن هذه المبادرة هي تكملة لمسار بدأته الأطراف المعارضة قبل أكثر من عام من خلال إطلاق مبادرة سياسية حينها ضد مسار 25 يوليو والداعمين له. فالبلاد تعيش على وقع موجات اعتقالات لا تتوقف طالت سياسيين وإعلاميين ومحامين ونشطاء مجتمع مدني استنادا على المرسوم عدد 54 المثير للجدل والذي أصبحت بطاقات الإيداع بالسجن تصدر بشكل مبالغ فيه من قبل قضاة التحقيق. كل ذلك دفع عديد المنظمات الحقوقية إلى مواصلة التحرك من أجل حماية آخر دروع الديمقراطية في تونس انطلاقا من ان الأصل هو حرية المظنون فيه أو المشتبه به، والإستثناء هو إيداعه بالسجن، في حين أصبح يحصل العكس خصوصا في السنوات الأخيرة وهو ما يتطلب مراجعة جذرية لهذا السلوك.
ويأتي الإعلان عن تشكيل هذه الجبهة في وقت تتواصل فيه محاكمات المعارضين. وخلال هذا الأسبوع قرّرت دائرة الاتّهام العاشرة لدى محكمة الاستئناف بتونس إحالة عدد من قيادات حركة النهضة للدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية لمقاضاتهم من أجل تهم طبق أحكام الفصلين 68 و72 من المجلة الجزائية.
استياء من الأداء الحكومي
وفي خضم هذه التطورات يبقى أداء عديد الوزراء في مرمى الانتقادات وعدم رضا أطياف هامة من التونسيين على أدائهم في المجالات التي يشرفون عليها وتم تعيينهم للنهوض بها وليس فقط لتسيير الشأن اليومي.
كما أثارت وزارة الداخلية جدلا كبيرا خلال الفترة الماضية بعد اقتحام رجال أمن لدار المحامي وذلك للقبض على محامية مطلوبة لدى العدالة وصادرة بحقها بطاقة جلب، وقيل أنه لم يقع احترام الإجراءات القانونية المتعلقة باعتقال المحامين في حال كانوا مطلوبين لدى العدالة والمتمثلة بالأساس في إعلام رئيس الفرع الجهوي الذي ينتمي إليه المحامي وهو ما جعل المحامين يدخلون في إضراب احتجاجا على هذا السلوك الأمني. ويرى البعض أن إقالة وزير الداخلية السابق تمت بسبب هذا الملف وبسبب الانتقادات الواسعة التي طالت السلطة نتيجة لهذا السلوك الأمني والقضائي خاصة وأن وزير الداخلية الجديد استقبل مباشرة بعد توليه لمهامه عميد الهيئة الوطنية للمحامين معربا عن رغبته في فتح صفحة جديدة مع المحاماة التونسية الشريكة في إقامة العدالة.
ومن الوزراء المباشرين الذين تعرضوا إلى انتقادات، وزير الشباب والرياضة الذي يرى البعض أن وزارته مقصّرة في ملف تجديد البنى التحتية الرياضية.
ولعل القطرة التي أفاضت الكأس هي العقوبة التي سلّطتها الوكالة الدولية لمكافحة المنشطات على تونس بسبب عدم امتثالها للمدونة العالمية لمكافحة المنشطات، وتتمثل العقوبة في الحرمان من استضافة أي بطولات رياضية وحظر رفع العلم التونسي في الألعاب الأولمبية والبارالمبية لسنة 2024 مع عدم السماح لأي ممثلين لتونس للعمل في الوكالة العالمية لمكافحة المنشطات. وكانت تونس قد مُنحت من قبل الوكالة مهلة أربعة أشهر بداية من تشرين الثاني/نوفمبر 2023 للقيام ببعض التنقيحات للنصوص التشريعية والتنظيمية لكن الأجل حل ولم يتم الإمتثال للتعليمات، وتم تبادل التهم بالتقصير بين وزارة الشباب الرياضة واللجنة الوطنية الأولمبية التونسية، كل يلقي اللوم على الآخر.
ومن الوزراء الذين يتعرضون إلى انتقادات وزيرة المالية، وذلك بسبب الزيادات المستمرة في الجباية بمناسبة كل قانون مالية، في رغبة محمومة لجمع أكبر قدر من الموارد لتغطية عجز الميزانية حتى وإن كان ذلك على حساب المواطن وهذا ما يثقل كاهله ويزيد من صعوبة الوضع المعيشي الذي يعيشه التونسيون. فالزيادة في المتطلبات الجبائية لهذا القطاع أو ذاك فيها مساس بمعيشة المواطن لأن كل قطاع مهني ينتمي إليه مواطنون بالنهاية، في وقت تراجعت فيه أعداد المنتمين إلى الطبقة الوسطى وازدادت نسبة الفقر وتراجعت نسبة النمو.
كما أن التأخير في إصدار قانون الصرف الجديد، أو مجلة الصرف، كما تسمى في تونس، يُحمل البعض مسؤوليته لوزارة المالية سواء مع الوزيرة الحالية أو مع من سبقها من الوزراء في السنوات الأخيرة في تسيير شؤون هذه الوزارة التي يطالب البعض موظفي الجمارك أو الديوانة كما تسمى، المنتمين إليها بمزيد اليقظة، شأنهم شأن قوات الأمن والجيش، فيما يتعلق بملف عبور المهاجرين من جنوب الصحراء الأفريقية إلى الأراضي التونسية عبر الحدود مع الجزائر وليبيا.