لا أعرف الكثير عن طبيعة الحكام الجدد في تونس ولا عن ورثة الرئيس المخلوع غير المأسوف على شبابه وصاحب ‘ أغرب تسريحة شعر’ رأيتها في حياتي زين العابدين بن علي.
فوق ذلك أحتفل كغيري في هذه الأمة والعالم بزوال وسقوط أي طاغية وأي ديكتاتور في كل مكان.
لكن هذا الموقف لا ينبغي أن يعمي العين عن الحقيقة فقد عانينا جميعا من نصف أو ربع أو غياب الحقيقة في ظل الأنظمة الديكتاتورية العربية.
وأتوقع مثل كل من صفق للربيع العربي ورفض التشكيك به أن ينتبه ‘البدلاء’ عن الحكم الديكتاتوري تحديدا لتلك المساحات الضيقة التي يتسلل منها الظلم والتعسف والحكم الإعتباطي على الناس بدون ادلة وبراهين ووثائق وحتى محاكمات.
لا يجوز لمن ثار على الديكتاتور أن يتبع خطاه نفسها في الإنتقام والفضح.
ولا يجوز لمن ثار دفاعا عن شرعية القانون وحملات الإستهداف والتشويه أن يلجأ لنفس الأساليب القائمة على الحقد الشخصي والجبهوي غير المبرر في الحالات الوطنية.
أقول ذلك وقد قلبت صفحات ما سمي بـ’الكتاب الأسود’ وهو مؤلف إنتقامي ثأري لا ينتج شيئا لتونس ولا للأمة حفلت بالتحدث عنه والتصفيق له بعض صحف الحائط التي تدعي أنها إلكترونية والعشرات من صفحات الفيس بوك وبعضها لزملاء وأصدقاء كنت أعتقد أنهم وازنون ومن ضحايا التشهير والصحافة الرديئة.
قرأت ذلك الكتاب الأسود وأفترض مسبقا أن نشطاء في العهد التونسي الجديد خططوا لتقليب صفحات السجلات في وكالة الإتصال الخارجي التونسية أيام المخلوع بن علي بحثا عن معلومات مثيرة عن صحافيين ومثقفين وإعلاميين لم ينكروا يوما صداقتهم مع النظام المخلوع.
يضم الكتاب عشرات الأسماء العربية والتونسية والأجنبية.. ويعرض قصصا عن مبالغ دفعت لمجلات ومطبوعات ومؤلفات لا نعرف بوجودها من حيث المبدأ بدون توثيق حقيقي ومقنع.
لا تنطوي التفاصيل على وقائع علمية لان الأشخاص الوارد ذكرهم لم يسألوا ولم يقدموا روايتهم عن الأحداث حيث لا محكمة ولا قضية ولا قانون.
صفق البعض في عمان مثلا لواقعة وجود ثلاثة أسماء لزملاء أردنيين ضمن قوائم المساندين لنظام بن علي.
بعد الإطلاع تبين لي أن أسماء الزملاء الثلاثة نشرت بقائمة ضيوف إستضافتهم الحكومة التونسية دون أي إشارة من أي نوع لتلقي أموال أو هبات.
فقط مجرد ضيوف على مؤتمر أو مهرجان ومثل هذه الدعوات- على حد علمي- شملت المئات من الشخصيات الأردنية مما يدلل على ان كتاب النكاية الأسود لا ينطوي على أي قيمة ولا يقدم دليلا على شيء محدد مع العلم بأن ظاهرة الرشوة ليست حكرا على النظام التونسي المخلوع.
صديقان على الأقل عبرا علنا عن أسفهما لورود اسماء كبيرة في الكتاب الأسود..دققت في الأمر فوجدت أن الفقرات المعنية حصريا تشمل ذكرا عرضيا لأسماء شخصيات زارت تونس دون أي براهين على شيء من أي نوع.
للصدفة أحد الصديقين ينتمي للتيار الإسلامي مما يدفعه لتبني جرعة الإثارة في هذا الموضوع بدون تدقيق خلافا لعادته ما دام الأمر إحتفلت به جبهة النهضة أما الثاني فلا علاقة له بالإسلاميين ويخاصمهم لكنه صدق روايتهم.
بكل الأحوال لست معنيا بالدفاع عن أحد فألسنة الزملاء مليئة بالشعب ويستطيعون الدفاع عن أنفسهم لكن أنتقد ظاهرة تبني روايات النكاية البيضاء والسوداء والملونة بدون محاكمات وأعارض حصريا تلك السلوكيات الثأرية الصغيرة التي تدفع مجددا للتشكيك بالربيع العربي ومفرزاته.
الشعوب العربية ثارت على الأنظمة المتسلطة من أجل كرامتها وندين جميعا بالفضل للربيع العربي لانه ساعدنا في إستعادة تلك المساحة من الكرامة وأقلق ألنافذين والجنرالات لكن على من أسقطوا أنظمة وجلسوا فوق عروشها أن يظهروا للعالم ولنا ولشعوبهم الفارق بين معارض دفع كلفة الكلمة والموقف وبين نظام فاسد ديكتاتوري.
عدم وجود فارق لا يعني إلا أن المسألة للأسف- تتعلق بسعي نحو السلطة وليس نحو مصلحة الشعب ولا فائدة ترجى إطلاقا من وضع قوائم سوداء مرتبطة بالنظام السابق لان من ترد أسماؤهم في هذه القوائم سيضعون بدورهم قوائم أكثر سوادا بلا أدلة ولا براهين تلتهم مصداقية الأنظمة الجديدة وقوى الربيع العربي.
شاهدنا في ليبيا بعد إسقاط نظام القذافي ممارسات مخجلة لا تمت للشعب الليبي ولا لثورته المجيدة بصلة…رجال عصابات ادعوا أنهم ممثلون للثورة وحملوا السلاح نكلوا باعدائهم أو قتلوا في عرض البحر من أجل حفنة دولارات..هي نفس الممارسات غير الشرعية والإجرامية التي دفعت الليبيين للخروج إلى الشارع والثورة أصلا.
في سوريا يرتكب النظام مجازر بإسم الدولة السورية ضد الشعب وفي العراق يخطف الناس ويقتلون على الهوية وبدون مبرر لانهم يخفقون في تعداد عدد ركعات صلاة الفجر وفي مصر يحرق الأخوان المسلمون في الميادين العامة بإسم ‘الشرعية الشعبية’ التي تنتهي بقانون عرفي بإسم منع التظاهر يذكرنا بالحكم العثماني.
أنا مع القانون والقضاء ولست مع التشهير.. في حال حصول مخالفة للقانون التونسي من قبل أي مواطن أو زميل تونسي أو ضيف على الأخوة الحكام المبادرة فورا لإعداد ملفات قضائية وفتح تحقيقات ببيت العدالة يحصل بعدها كل مخالف على الجزاء الذي يستحقه بدلا من إصدار كتب سوداء أو بيضاء أو بنفسجية لا تسمن ولا تغني من جوع.
اللجوء للتشهير يقلص من نفوذ هيبة القانون في حياة المواطن العربي وأحسب أن شعوب الربيع العربي ثارت من أجل غياب قيمة وهيبة القانون ضد التسعف والظلم خصوصا في تونس الخضراء التي عانت الأمرين من النظام المخلوع.
وفي تقديري من يسعى للتشهير فقط عبر جهد إعلامي يسعى في الوقت نفسه لطمس الحقيقة ولا يتخذ القانون والقضاء مسربا منصفا لجميع الأطراف وأنا لا يقلقني أن تقدم أسماء صحافيين كبار في تونس وغيرها للقضاء بتهمة التعاون مع نظام بن علي لكن يقلقني جدا أن تسمح جهة ما لنفسها بالتشهير وإطلاق كتاب يتضمن هذه الاسماء دون طرح وجهة نظرهم وظروف تعاملهم مع النظام السابق.
‘ مدير مكتب ‘القدس العربي’ في الاردن
بعجبني فيك المهنية
عدرا ايها الاخ الكاتب. الشعب التونسى يعانى حاليا فى الامرين من جراء الثورة المضادة ومن ورائها اعلام العار او… البنفسجى نسبة لبن على…بل وصلت الجراة بمقدمى برامج تلفزية ان يعلنوا ولاءهم ودعوتهم لرجوع الطاغية بن على. هدا الكتاب السود لابد منه لوضع هؤلاء فى حجمهم الحقيقى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قد أجد عذرا للأستاذ بسّام البدارين من جهة كونه يدافع عن زملائه الصحافيين ولكن أقول كما قال أرسطو في أستاذه أفلاطون: ” أفلاطون صديقي والحق صديقي لكن الحق أفضل من صديقي”. أما فيما يتعلق بالبراهين والوثائق التي تورط هؤلاء المفسدين فهي متوفرة في أرشيف قصر الرئاسة بقرطاج ومقدّمة الكتاب أشارت إلى أن هذه الوثائق لا يمكن إيرادها في الكتاب اللّهم إلا إذا استدعى الأمر ذلك أمام المحاكم. ثم إن صدور هذا الكتاب سرّع في تونس بخروج قانون العدالة الانتقالية بعد أن كان هذا الملف مؤجلا بسبب قوى كلنا نعرفها في تونس.
الكتاب الأسود في حقيقته كتابا أبيضا يضيىء الطريق أمام كل من يريد ان يعرف كيف يعمل النظام العربي .