حكم نيرون روما القديمة بين 54 ق.م إلى 68 ق.م. وقد كان حاكما فاشلا وتنقصه الحكمة في إدارة شؤون الإمبراطورية الرومانية. وعرف عهده بالظلم والاستهتار بالشأن السياسي واهتم كثيرا بأهوائه ونزواته الشخصية. و شجعه على استهتاره وفشله ذلك مجموعة من المتملقين والانتهازيين للحصول على مناصب في الإمبراطورية. وأدى تدهور الوضع السياسي تحت حكمه إلى غضب وسخط الشعب. ولتغطية فشله وإعادة بنائها قام بحرق روما وبقي يشاهد الحريق الذي استمر قرابة أسبوع من برج عال. ودمر الحريق أحياء روما وحرق آلاف الأشخاص. و مثل نيرون، فإن الحكومات المنتخبة والطبقة السياسية التي حكمت تونس بعد 2011 لم تفعل سوى اللامبالاة والجلوس على الربوة لمشاهدة تونس تحترق وتتهاوى تدريجيا بدون أن تقوم بخطوة ناجعة لإنقاذ تونس من الخطر. إذ كشف تقرير 31 لدائرة المحاسبات لسنة 2018 الاستهتار والفشل السياسي الكامل لكل حكومات ما بعد الثورة. فقد أكد التقرير على فقدان وغياب استراتيجية للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي عكس ما نادوا به في حملاتهم الانتخابية.
استفحال الفساد
استفحل الفساد في الكثير من القطاعات وهو ما كلف الدولة التونسية آلاف المليارات، مثلا خلال سنة 2016 وقع صرف ما يفوق 100 مليون دينار لأشخاص دون وجه حق بالصندوق الوطني للتقاعد والحيطة. إضافة إلى خسارة مئات المليارات الأخرى. ونظرا لضعف الحوكمة فإن عجز الصندوق تفاقم بين 2016 – 2017. كما شهدت المؤسسات العمومية الكبرى التي تمثل السيادة الوطنية عجزا متواصلا ولم يقع إصلاحها. وإنما سعت الحكومة الحلية للتفويت فيها للرأسمال الخاص والأجنبي. تواصل العجز السياسي والاقتصادي ليبلغ ذروته مع الحكومة الحالية التي باشرت الحكم في 2016 ولم يقع تقديم حلول ناجعة تمكن من وقف الانهيار الذي تشهده تونس. تواصل الدينار في انحدار كارثي غير مسبوق. وصل الى قيمة 3,4 مقابل اليورو الواحد. وحسب البنك المركزي فقد تراجع الاحتياطي من العملة من تمويل واردات لمدة 93 يوما في كانون الأول/ديسمبر 2017 الى 81 يوما في كانون الأول/ ديسمبر 2018. كما يتفاقم العجز التجاري التونسي. وارتفعت نسبة الدين الخارجي من مجمل الدين العمومي من 58 في المئة سنة 2011 الى 69 في المئة سنة 2017. وأمام هذا التدهور الاقتصادي والاجتماعي يواصل الفساد نخر اقتصاد تونس بدون توقف. وهو ما يدفع أغلبية التونسيين يرون لا ضرورة لوجود الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. فهذه الهيئة تتسلم ميزانية من المال العمومي دون أن تقوم بأي نتيجة ناجعة لمقاومة الفساد ولم يقع محاسبة المتورطين في ملفات الفساد. لم تقم الحكومة بمكافحة التهرب الضريبي وإرجاع حق الدولة بل أعطت امتيازات لمتهربين. وتعد مقاومة الفساد انتقائية في تونس وهو ما نبهت إليه منظمة الشفافية الدولية التي رفضت طلب رئيس الحكومة لرفع التجميد عن أموال مروان المبروك ،الصهر السابق لبن علي الرئيس السابق. واعتبرت أن هذا الطلب لرفع التجميد انتقائي من بين 48 ملفا. كما أن هناك وزراء تعلقت بهم شبهات فساد ولم يقع فتح ملفاتهم واستدعائهم للقضاء لأنهم مقربون من رئاسة الحكومة. إلى جانب الفساد، يعاني الشعب التونسي من معضلة التهريب والاحتكار عجزت الدولة عن القضاء عليها. أهم المواد الغذائية الأساسية مفقودة في السوق مثل الحليب والبيض والدقيق. هذا بالإضافة إلى النقص الفادح في مخزون الأدوية .
أزمة التعليم
وكشفت أزمة التعليم الثانوي عدم اهتمام الحكومة والطبقة السياسية بالتعليم ومستقبل الأجيال معرفيا. فكل المؤسسات التعليمية تشكو من انهيار البنية التحتية وصلت إلى احتراق مبيتات ووفاة تلميذتين السنة الماضية. وانتشرت المخدرات والعنف داخل الوسط المدرسي. كما لم تفتح ملفات فساد مالي وصل إلى 950 مليارا كان مخصصا للمدرسة الرقمية ولم يقع تنفيذه.
وقد اعترف وزير التربية الحالي بتبخر 40 مليارا من ميزانية وزارة التربية. الطبقة السياسية الحاكمة لم تطلب إصلاح التعليم وإنما شجعت رئيس الحكومة على سياسة لي الذراع مع نقابة التعليم والبحث عن البطولات الزائفة التي تزيد في تدمير التعليم العمومي. أما التعليم العالي فإنه أيضا يشكو من تدهور مستمر فالجميع يعترف بتدني مستوى التكوين وقيمة الشهادات العلمية المتحصل عليها من الجامعات العمومية التونسية. لكن لم تقم الحكومات بإصلاح التعليم العالي العمومي ولا تراقب التعليم العالي الخاص رغم تسجيل العديد من الاخلالات للقوانين المنظمة للتعليم العالي الخاص. كما لا توفر بعض الجامعات التكوين والتربص الكافي في بعض الاختصاصات. وكذلك لم تراقب وزارة التعليم العالي الامتحانات بالجامعات الخاصة.
أمام هذا الفشل السياسي والاجتماعي والاقتصادي فإنه في آخر إحصائية 90 في المئة من التونسيين يعانون من الإحباط و20 في المئة يستعملون أدوية لعلاج أمراض نفسية.
هذا مع تدهور القدرة الشرائية والتدهور الاقتصادي لكل التونسيين. كل ملاحظ يرى أن الأولوية القصوى التي يحتاجها المواطن التونسي هي تحسين مستوى عيشه وتوفير المواد الأساسية والدواء في السوق. في المقابل ،و ليكون المشهد عبثيا، فإن الانشغال الأهم للطبقة السياسية هو إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية نهاية 2019 يطمعون من ورائها الصعود لحكم تونس وتحقيق مصالحهم والهيئة العليا للانتخابات بلا رئيس إلى حد الآن.
السماسرة الإعلاميون
ومثلما كان نيرون محاطا برفاق السوء والمتملقين الذين يسعون إلى امتيازات سياسية فان حكومات ما بعد الثورة في تونس دائما تحيط نفسها بالسماسرة من السياسيين والإعلاميين الفاسدين. ومهمة هؤلاء الإعلاميين الأساسية تمرير خطاب في خدمة الحكومات وتشويه كل الاحتجاجات. وقد اعترفت سفارة بريطانيا بتونس تسليم رئيس الحكومة الحالية قرابة 20 مليارا كان قد طلبها لمساعدته إعلاميا أثناء الاحتجاجات. وأكدت نقابة الصحافيين التونسيين سيطرة الحكومة على الإعلام العمومي وتمويل قنوات تلفزية وإذاعات لتمرير أجندات سياسية تخدمها. كما تسعى الحكومة الى إيهام الشعب التونسي أن الوضع سيكون بخير وسيقع محاسبة الفاسدين وتحقيق نمو اقتصادي وبناء دولة العدالة الاجتماعية والاصلاحات الاقتصادية. وهو ما يذكر بضحك نيرون وهو يشاهد من برجه العالي احتراق روما لبنائها إمبراطورية عظيمة من جديد بعد حرقها. لكن ما يجب قوله لكل من ساهم في تدمير اقتصاد وتعليم تونس والاستهتار بحقوق الشعب التونسي، دون أن يستثنى من حاول الدفاع عنهم من سماسرة الإعلام والسياسيين ، كما قال محمود درويش :
»نيرون مات، ولم تمت (تونس) روما…
بعينيها تقاتلْ !
وحبوبُ سنبلةٍ تموت
ستملأُ الوادي سنابلْ..! «
يوما ما تونس ستنهض. أما أنتم مهما علت أسماؤكم فإنها لم تكن إلا كالدخان يصعد في الجو ويتلاشى مثل كل من لم يخدم وطنه .
٭كاتبة من تونس
نعم أختي العزيزة ،إني أصدقك القول.للأسف هذا ما آل إليه الوضع بسبب إستفحال الفساد لدى الساسة وأصحاب رؤوس الأموال،عديمي الأخلاق???
تشخيص دقيق للحالة الدقيقة التي تمر بها تونس ..