تونس-“القدس العربي”: الحدث الأبرز في الساحة السياسية التونسية هو بدون شك تسلم ساكن قرطاج الجديد مهامه بعد أدائه اليمين الدستورية يوم الإربعاء في مجلس النواب في جلسة خارقة للعادة. وبذلك يصبح قيس سعيد الرئيس الثامن للجمهورية التونسية منذ تأسيسها في 25 تموز/يوليو 1957 بعد إطاحة الرئيس الحبيب بورقيبة ورفاقه بالملك محمد الأمين باي ونظامه وإعلانهم قيام الجمهورية ليكون بورقيبة أول رئيس لها.
ولعل ما أثلج صدور التونسيين هو هذا التسليم السلس للسلطة من قبل القائم بأعمال رئيس الجمهورية محمد الناصر للرئيس المنتخب الجديد قيس سعيد في مشهد مهيب ومشرف لاحق لانتقال سلس آخر للسلطة حصل بعد وفاة الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي. حيث تم تطبيق الدستور منذ أشهر معدودة وتسلم محمد الناصر رئاسة البلاد باعتباره رئيس مجلس النواب وتعهد بتنظيم الانتخابات في آجالها وتسليم السلطة لرئيس منتخب وهو ما حصل فعلا يوم الإربعاء.
وإذا استثنينا جمهورية قرطاج، التي كان نظامها ديمقراطيا وأشاد به وبدستورها الفيلسوف الإغريقي أرسطو في كتابه “السياسة”حيث بدا له نظام قرطاج الأقرب في عصره من النظام المثالي الذي يتصوره، وهو ما ساعد قرطاج على أن لا تعرف أبدا من الانتفاضات والنظم الاستبدادية ما يستحق الذكر، فإن التونسيين يشهدون هذا التداول السلمي على السلطة للمرة الثالثة. فقد سبق أن تسلم الرئيس المنصف المرزوقي مفاتيح قصر قرطاج من فواد المبزع ثم سلمها سلميا للباجي قايد السبسي الذي وافته المنية ليسلم خلفه محمد الناصر الأمانة لقيس سعيد.
خطاب متوازن
وقد حصل شبه إجماع على أن خطاب أداء اليمين للرئيس التونسي الجديد كان معتدلا ومتوازنا وتحدث فيه قيس سعيد عن حدود صلاحياته الدستورية وأهمها الدفاع والسياسة الخارجية وفقا للدستور التونسي الجديد الذي يعطي أغلب الصلاحيات التنفيذية لرئيس الحكومة. كما اتفق جل الطيف السياسي على أن المهم هو أن تتجسد الأقوال التي جاءت في خطابه أفعالا خصوصا في مجال محاربة الإرهاب وفي مجال تطوير علاقات تونس الخارجية مع محيطها المغاربي والعربي والافريقي وحتى الأوروبي.
ولعل ما جاء في خطاب الرئيس عن القضية الفلسطينية يعتبر مطمئنا لعموم الشعب التونسي الذي عرفت عنه مساندته للقضية وساهم حديث سعيد عنها بحماس في مناظرته التلفزيونية التي سبقت اختياره رئيسا في ارتفاع شعبيته. ويؤكد البعض على أن سعيد انتصر لخيارات دولة الاستقلال في تونس التي تميزت، إضافة إلى الاهتمام بالصحة والتعليم، بمساندة حركات التحرر في العالم وعلى رأسها القضية الفلسطينية، من دون أن تخشى لومة لائم.
محاربة الفساد
ولعل ما أثار الجدل في خطاب قيس سعيد هو اقتراحه على المواطنين التبرع بيوم عمل مدة خمس سنوات وذلك في ظل عدم توفر مناخ الثقة بين المواطن والمسؤول في تونس نتيجة لتراكمات سابقة. فتساءل البعض في هذا الإطار كيف يتبرع المواطن عن طيب خاطر والنهب والفساد مستشريان في البلاد؟ هل يتبرع التونسي للتغطية على نهب النهابين؟ وتم التأكيد في هذا الإطار على أن محاربة الفساد هو الأولوية وبعدها سيتبرع التونسيون عن طيب خاطر لدولتهم باعتبار أن الوطنية لا تعوزهم.
لقد رفع أحدهم في وقت سابق شعار محاربة الفساد لكنه بقي محاطا بالفاسدين فلم تلق دعواته آذانا صاغية، كما اختصر كل فساد البلاد في رجل أعمال ومهرب أو اثنين، لذر الرماد في العيون وترك البقية يرتعون بلا رقيب أو حسيب وأثقل كاهل المواطنين بالجباية. ويريد التونسيون اليوم حربا حقيقية على الفساد ولذلك ولأسباب أخرى انتخبوا قيس سعيد قاطعين مع الماضي الذي لم يلب رغباتهم، وبالتالي فإنه يتمتع بتفويض شعبي يفوق كل الأحزاب السياسية وفي إمكانه أن يدفع قدما في اتجاه محاربة الفساد.
تشكيل الحكومة
ويبقى أي نجاح لعهد قيس سعيد مرتبطا بشكل كبير بنجاح الحكومة التي ستدير شؤون البلاد وبمدى اتفاقه مع رئيسها الذي في يده صلاحيات تنفيذية كبيرة منحه إياها الدستور التونسي الجديد وهي الآن محل جدل للحد منها. إذ يرى البعض أن من غير الجائز أن ينتخب الرئيس بالاقتراع العام والمباشر من الشعب وينال تفويضا شعبيا يفوق ما تناله الأحزاب لكنه في النهاية لا يحكم أو يكاد مقارنة برئيس الحكومة.
وللإشارة فإن وزيري الدفاع والخارجية يقترحهما رئيس الجمهورية باعتبار صلاحياته في هذين الميدانين في حين يختار رئيس الحكومة بقية التشكيلة الحكومية. وتدفع بعض الأحزاب باتجاه أن يقترح رئيس الجمهورية رئيسا للحكومة من خارج الأحزاب في ما يعرف بـ”حكومة الرئيس” باعتبار صعوبة تشكيل الحكومة وصعوبة سير عملها وتشكيلها للقوانين نظرا إلى أن أيا من الأحزاب لم يتحصل على نسبة مريحة من الأصوات تجعله قادرا على الحكم بنجاعة.