تقول أخبار تونس إنّ الدائرة الجنائية بالمحكمة الابتدائية في تونس أصدرت حكماً غيابياً بالسجن ثمانية أشهر ضدّ النائب السابق في البرلمان الصحبي بن فرج، وذلك بناء على شكوى من عنصر أمن اتهم الأخير بـ«لإساءة إلى الغير عبر وسائل الاتصال السمعي والبصري»، و«نشر الأخبار الزائفة ونسبة أمور غير صحيحة إلى موظف عمومي». وبصرف النظر عن الملابسات القضائية خلف هذا الحكم، فإنّ المآل الذي بلغه بن فرج يصلح مثالاً بليغاً على مسارات نهج سياسي نشأ وتكاثر كالفطر، السامّ في نماذج كثيرة، بعد انتفاضة الشعب التونسي سنة 2011 ضدّ نظام زين العابدين بن علي.
ففي سنة 2017 كان الصحبي بمثابة الناطق الرسمي المنافح عن عريضة تقدّمت بها أربع كتل برلمانية، «مشروع تونس» و«الجبهة الشعبية» و«الاتحاد الوطني» و«آفاق تونس»، ينتمي إليها عدد من النواب التونسيين الذين زاروا دمشق في حينه، تحثّ تطالب بإعادة العلاقات مع النظام السوري. صحيح أنّ الرئيس يومذاك كان الباجي قايد السبسي، الذي لم يمتثل للطلب لأنّ العريضة لم تحصل أصلاً على أصوات كافية في البرلمان؛ ولكن قرار الرئيس التونسي الحالي قيس سعيّد برفع مستوى التمثيل الدبلوماسي مع نظام آل الأسد يستجيب، وإنِ بمفعول لاحق، لرغبات الصحبي وزملائه. المشكلة أنّ الأخير، المحكوم بالسجن غيابياً، هو اليوم في عداد معارضي سعيّد، ليس سياسياً واجتماعياً واقتصادياً فقط؛ بل يذهب إلى درجة التشكيك في الصوابية العقلية خلف ما يتخذ حاكم قرطاج من قرارات.
ففي التعليق على الانتخابات الأخيرة، التي كانت المشاركة فيها متدنية على نحو فاضح، غرّد الصحبي هكذا: «على مَن سيعلّق الرئيس هذا الفشل الذريع؟ على الهيئة؟ على المحتكرين؟ على الأحزاب؟ على السياسيين؟ على الغرف المظلمة؟ على الخارج؟ هل سيعترف الرئيس أنّ الخلل الأصلي يكمن في التشخيص من أساسه، في النظرية في كل ابعادها، في ‘المشروع’ بذاته، فضلاً عن المنهجية، والآليات والسياسات؟ يعني في كل شيء تقريباً». وفي التعليق على قرار سعيّد بالانفتاح على النظام السوري، وقبله اللقاء مع وزير خارجية النظام في الجزائر وتكليفه بنقل التحيات إلى بشار الأسد لأنّ «قوى الظلام والتخلف تتكامل مع بعضها لتحقيق الأهداف المشتركة للشعبين الشقيقين في سوريا وتونس»؛ يتوجب على الصحبي أن يغرّد مباركاً، وأن يفصل بين الاحتجاج على سعيّد «في كل شيء تقريباً»، ما خلا التهليل لقرار غسل يدَيْ مجرم حرب كيماوي من دماء مئات آلاف السوريين.
وكي لا ينفرد الصحبي وأقرانه أبطال تلك العريضة في هذه الخانة العجيبة من خلائط التأييد والمعارضة في آن معاً، للمرء أن يذهب إلى منظمة المجتمع المدني الأعرق في تونس، أي «الاتحاد العام التونسي للشغل»، التي سبق لها أن طالبت سعيّد بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري، والابتعاد عن سياسة المحاور. وفي رسالة، حافلة باللغة الوردية والصياغات المجازية المنافية لروحية الخطاب النقابي، قال الاتحاد: «ندعو إلى بلورة استراتيجية وطنية لعلاقات تونس الخارجية تقطع مع الاصطفاف وتتعامل بندية وتغلّب مصلحة البلاد وتعيد الحرارة لعمقها العربي الحقيقي وخاصة بإعادة العلاقات مع الشقيقة سوريا». ولا يُلام امرؤ، مناصر تاريخياً للاتحاد وسجلّه النضالي الحافل، إذا ربط بين الرسالة تلك ونظرية سعيّد الأقرب إلى الهرطقة والتخريف، في أنّ «السفير يُعتمد لدى الدولة وليس لدى النظام»؛ أو إذا عاب على قيادة الاتحاد تأخرها في إصدار بيان يهلل بخطوات سعيّد الانفتاحية على نظام البراميل، لسبب وجيه أوّل هو أنّ الأخير استجاب لواحد على الأقلّ من مطالب نور الدين الطبوبي ورفاقه.
وربما اعتمد الاتحاد شطراً ثانياً من نظرية سعيّد، يقول بـ«وجود فرق بين الدولة السورية والنظام السوري»؛ فاختار مثلاً الامتناع عن تنظيم إضراب مطلبي اتكاءً على الفارق بين الدولة التونسية و… قصر قرطاج!
بعد سقوط الاقنعة عن النظام البراميلي المجرم وحلفاؤه المومانعين الطائفيين، فلا يمكن فهم مواقف اليساريين في تونس وغيرها الا من طريقين: اما انهم قبضوا المعلوم، او انهم فرحون بجرائمه ضد الشعب السوري وثورته