تونس وصندوق النقد الدولي المعادلة الصعبة

روعة قاسم
حجم الخط
0

بين مطالب الإصلاح الاقتصادي والاستقرار السياسي

تونس-»القدس العربي»: تخوض الحكومة التونسية مفاوضات جديدة مع صندوق النقد الدولي خلال هذا الشهر وسط تصاعد المخاوف من مآل هذه الجولة وماهية الشروط التي سيفرضها صندوق النقد وانعكاساتها وتأثيراتها على الوضع في البلاد .
فالخوف من المستقبل هو المخيم اليوم لدى جلّ التونسيين في ظل التدهور الكبير الذي عرفته البلاد خلال الشهور الماضية نتيجة التجاذبات السياسية والصراعات التي لم تنته بين مؤسسات الدولة. وزادت جائحة كورونا وانعكاساتها من تأزم الوضع وجعلت الاقتصاد يدخل في حالة انكماش غير مسبوقة في تاريخ البلاد.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو، ما هي السيناريوهات المحتملة في ظل المؤشرات الراهنة وكيف ستكون العلاقة بين تونس وصندوق النقد والمؤسسات المقرضة دوليا؟

مفاوضات صعبة

يقول الخبير الاقتصادي التونسي معز جودي لـ «القدس العربي» إن الشروط بين الحكومة التونسية وصندوق النقد الدولي باتت أصعب من السابق، مشيرا إلى ان سياسات الحكومات الاقتصادية المتعثرة هي التي أرغمت تونس على خيار الاقتراض الخارجي. ويضيف بالقول: «يحب التسريع بالإصلاح الاقتصادي وإرساء نوع من الاستقرار السياسي، ودون ذلك، فإن حالة الإفلاس ستتواصل وربما تجرّ البلاد إلى السيناريوهات الأبشع بما في ذلك السيناريو اليوناني في حال رفض صندوق النقد تمويل تونس».
وأوضح محدثنا بأن «الشروط باتت صعبة لأن العلاقة أصبحت معقدة نوعا ما. فصندوق النقد الدولي منح تونس عدة قروض وتمّ الإمضاء على برامج ومنح أقرّ خلالها الصندوق تقريبا 2.3 مليار دولار مقسمة على جزأين وقع صرف الجزء الأول لكن الجزء الثاني وقع تعليق العمل به لأن الحكومة التونسية لم تف بوعودها بالإصلاح التي وقع الإمضاء عليها والتعهد بها».

إصلاحات جوهرية

وبيّن محدثنا بأن «هناك إصلاحات جوهرية يجب تنفيذها بشكل عاجل في الاقتصاد الوطني التونسي مثل إصلاح المؤسسات العمومية والوظيفة العمومية وكل ما يهمّ الصناديق الاجتماعية. لكن الحكومات المتتالية تباطأت في عملية الإصلاح ولم تقم بها بل زادت الطين بلة في زيادة النفقات العمومية على حساب موارد الميزانية. وهذا ما جعل عجز الميزانية يحتد ويرتفع إلى معدلات خطيرة حتى وصل اليوم إلى 7 في المئة، يتم ترقيعه ببعض العمليات على مستوى الميزانية بتأجيل بعض الخلاصات أو بعض النفقات والمنح والدعم الذي يقدم للمؤسسات العمومية». وهذا -حسب محدثنا – يخلق مشاكل في صلب المؤسسات العمومية ويتسبب بنوع من العجز في ميزانيتها.
وقال إن هذه القرارات الاعتباطية من الحكومات المتتالية جعلت صندوق النقد الدولي يفقد الثقة نوعا ما في الحكومات التونسية ويقرر تعليق ما قيمته 1.2 مليار وقع الإمضاء عليها ولم يقع صرفها. لأن صندوق النقد الدولي لا يرغب في تواصل العلاقة من هذا النوع خاصة ان الحكومات تتعهد وتأخذ التمويلات ولا تفي بتعهداتها ولا تقوم بالإصلاحات المناسبة.
وأكد الخبير الاقتصادي بأن المفاوضات الجديدة ستكون صعبة لأن الصندوق سيفرض عدة شروط على الحكومة ولن يمنح أي دولار قبل ان تتحقق العملية الإصلاحية كما يجب. علاوة على ذلك فإن الصندوق اشترط عدم إمضاء الحكومة بمفردها على الاتفاق الجديد ولكن الإمضاء سيكون مشتركا مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب والاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد العام التونسي للصناعة والتجارة، بالنظر إلى انه يريد اشراك الجميع في المسؤولية لكي لا تتذرع الحكومة بتعطل الإصلاحات بسبب ضغوطات الاتحاد العام التونسي للشغل أو لأن رئيس الجمهورية لم يكن متعاونا أو أن مجلس النواب لم يقم بدوره التشريعي وغير ذلك. ويتابع: «الآن صندوق النقد يحدد الصلاحيات ويدفع الجميع للإمضاء حتى يعطي دفعة جديدة لتونس».
وهذا – حسب محدثنا- سياسيا شبه مستحيل لأن هناك تجاذبات وخلافات تجعل لإمضاء الأطراف مع بعضها البعض على القرارات شبه مستحيل لأنها ستتحمل المسؤولية وهي في صراعات متواصلة ويقول: «من الصعب جدا ان يقع التوافق خاصة انه في الاتفاق الجديد مع صندوق النقد ستكون الإصلاحات أكثر وجعا لأن الوضع المالي احتد والمصاعب تفاقمت وفي هذا الإطار فإن العملية الإصلاحية ستكون موجعة».

ضرورة أم توجه خاطئ؟

وعما إذا كان اللجوء إلى صندوق النقد ضرورة إم هو خيار خاطئ يجيب محدثنا: «صندوق النقد ليس خيارا بل هو ضرورة وهو ملجأ البلدان التي تمرّ بصعوبات مادية حادة. لأن الصندوق يقرض بنسب فائدة ضئيلة ويأخذ ضمانات أقل من السوق المالية العالمية أو من مقرضين آخرين. لكن حينما نصل إلى الهاوية ولا نقوم بالإصلاحات اللازمة وتنفق أكثر مما ننتج في خضم تواصل الاضرابات واحتدام حالة عدم الاستقرار السياسي وتواصل التجاذبات السياسية وكل ذلك يحصل مع وجود دستور هجين وقوانين هجينة، فكل هذه الظروف تفرض علينا اللجوء إلى صندوق النقد الدولي وهو لم يفرض نفسه على تونس بل نحن أرغمنا أنفسنا على اللجوء إليه». وأوضح الجودي بأن تونس منذ عام 1990 إلى عام 2016 لم تتجه لصندوق النقد ولم تكن مضطرة لذلك. فصندوق النقد لا يفرض نفسه على البلدان ولكن الحكومات الفاشلة هي التي تجبر بلادها على التوجه للصندوق الذي كان متسامحا في تونس لأنه طلب من الحكومات المتتالية نفسها ان تقترح هي الإصلاحات التي قادرة على تفعيلها ولم يفرض أي إملاء أو شرط. ولكنه الآن سيفرض إملاءات لأنه يموّل ويريد أن يسترجع تمويله وهو لا يمول بهدف الزيادة في حجم الأجور دون موارد تقابلها».
أما عن الحلول الممكنة والسيناريوهات المحتملة يجيب الجودي: «إذا عاد الإنتاج الوطني خاصة في مجال الفوسفات والبترول، ووقع التحكم أكثر في خطة الأجور وتمّ وقف الانتدابات العشوائية في المؤسسات العمومية وحصلت إصلاحات فعلية في المؤسسات التي هي في حالة عجز، ستكون حينها تونس قد اقتربت من شاطئ الأمان. ولكن في غياب كل ذلك فإن الوضع الاقتصادي سيكون على المحك في ظل استمرار عدم الاستقرار السياسي بكل ما يحمله من مخاوف وتداعيات سلبية على الوضع في البلاد».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية