الرباط ـ ‘القدس العربي’: تبلورت المواقف المغربية من مبادرة الجيش المصري بعزل الرئيس محمد مرسي وابعاد جماعة الاخوان المسلمين من الحكم، دون ان تظهر ضبابية او ارتباك في تبني هذا الموقف او ذاك من موقع اسقاط ما يجري بمصر على المشهد السياسي المغربي وكيف يراه كل طرف من اطرافه.
فإذا كانت التيارات الاسلامية المغربية، وان وجهت انتقادات لاداء مرسي وجماعته طوال سنة من الحكم، فانها عبرت بشكل واضح عن رفضها لمبادرة الجيش المصري ووصفتها بالانقلاب العسكري على الشرعية، فان التيارات الاخرى دافعت عن ما جرى وقالت انه انقذ مصر من حرب اهلية.
الملك محمد السادس، وبعد يومين من اداء عدلي منصور اليمين امام المحكمة الدستورية كرئيس مؤقت لمصر بعث له برقية تهنئة عبر العاهل المغربي فيها عن تهانيه الخالصة للرئيس المصري المؤقت وتمنياته له بالتوفيق والسداد في الاضطلاع بهذه المهمة السامية والجسيمة، لتحقيق تطلعات وطموحات الشعب المصري العريق في غد أفضل، سمته الاستقرار والازدهار والنماء، والوصول ببلاده إلى أعلى مراتب الرفعة والتقدم’.
وعبر الملك المغربي عن ثقته بان الرئيس منصور لن يدخر جهدا ‘بالتعاون مع باقي القيادات الوطنية الحكيمة، لإدارة شؤون البلاد خلال هذه المرحلة الانتقالية الحاسمة، وفق خارطة الطريق المعلنة، بما يستجيب لانتظارات شعب مصر الأصيل، ولطموحاته المشروعة إلى الحرية والديمقراطية والتنمية، والعيش الكريم، في ظل الوحدة والأمن والاستقرار، ولاسيما عبر تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية’.
ودعا الى تضافر جهود كل القوى الحية لمصر الشقيقة من أجل تعزيز دولة القانون والمؤسسات،وتثبيت روح الوئام والمصالحة والطمأنينة’ مذكرا ما يجمع المغرب ومصر ، البلدين الشقيقين، من علاقات وثيقة ،تميزت على الدوام بروح التضامن الأخوي والتعاون المثمر البناء، مؤكدا للرئيس المصري المؤقت حرص الملك القوي على الدفع بهذه العلاقات إلى أعلى المستويات،بما يخدم المصالح العليا للشعبين الشقيقين، ويساهم في دعم العمل العربي المشترك’.
برقية العاهل المغربي تحمل تأييدا واضحا لمبادرة الجيش المصري بعكس بيان الخارجية المغربية الذي حمل الكثير من الحيادية او مواقف حزب العدالة والتنمية الحزب الرئيسي بالحكومة الذي ندد واعتبر ما جرى انقلابا.
ويعتقد عبد العزيز النويضي المحامي وعضو لجنة إصلاح العدالة ومؤسس جمعية عدالة لحقوق الانسان أن الواقعية السياسية هي السبب الرئيس، الذي يقف وراء تهنئة الملك محمد السادس للرئيس المصري.
وأضاف ان تصور الملك محمد السادس لمصالح المغرب كما يرسمها، هي التي تفسر هذه التهنئة وأنه إذا كانت الحكومة قد أصدرت موقفا لا ينحاز لهذا الطرف أو الآخر وهو الموقف الذي بقي رهين العموميات والتمني بتحقيق الوحدة الوطنية والاستقرار، فإن مصالح المغرب والواقعية السياسية تقفان وراء التهنئة الملكية.
وقال موقع لكم ان القصر المغربي فضل مسايرة المواقف التي سارعت إلى تهنئة الرئيس المؤقت لمصر على غرار السعودية والإمارات العربية رغم أن جميع المؤشرات تدل على أنها دعمت الانقلاب على مرسي خاصة وأنها تستضيف المرشح الخاسر في الانتخابات التي قادت مرسي للحكم.
وابدى الموقع ملاحظات حول هذا الموقف الرسمي المغربي الذي ‘أيَّد التدخل الفرنسي في مالي من أجل الحفاظ على ما أسماه النظام الشرعي ومواجهة التمرّد، ولعب دورا بارزا في القضية السورية من أجل إقامة الحكم الديمقراطي ورفض الحكم التوارثي والان يؤيد تمرد العسكر على رئيس انتُخب ديمقراطيا ولم يتمم سنته الأولى في الحكم’
وتناقض برقية القصر مواقف الحزب الذي يقود الحكومة، وتماهيه مع موقف حزب الأصالة والمعاصرة الذي يعارض حكومة بن كيران، وان كان من الصواب أن تُحرج البرقية رئيس الحكومة المسؤول دستوريا عن السياسة الخارجية، وهل كان حريا بالقصر أن يتخذ موقفا مثل هذا في ظل انقسام الشعب المغربي بين مؤيد ومعارض للانقلاب بغض النظر عن الأحجام العددية؟
واضاف إنه جيِّد أن يتمنى ملك المغرب الاستقرار لبلد كبير كمصر، وأن يتمنى للشعب المصري الحرية والديمقراطية والتنمية، لكن لابد من طرح مجموعة من الأسئلة: فهل الانقلاب العسكري ينتج حرية؟ وهل عزل وسجن رئيس منتخب ديمقراطيا لم يتجاوز مدة ولايته ولم يخرق الدستور ولم يصادر الحريات، يحقق الديمقراطية؟ وهل الوضع الذي سيخلف الانقلاب من أحداث عنف وعدم استقرار سيخدم التنمية؟ وإذا كان النظام الذي انقلب عليه العسكر المصري لم يحقق الحرية والديمقراطية والتنمية، فهل هذا سيحققه الجيش، بل وهل حققته الأنظمة الاستبدادية التي تتوارث الحكم في أكثر من دولة عربية وإسلامية؟
ويواصل حزب العدالة والتنمية وجناحه الدعوي حركة التوحيد والاصلاح ومنظماته الشبابية والطلابية التنديد بما اطلق عليه ‘الانقلاب العسكري’ كما واصل رموز السلفية المغربية نفس الموقف وتمسكت جماعة العدل والاحسان شبه المحظورة واقوى التيارات الاسلامية المغربيه برفض ما حدث في مصر ووصفته بأنه موجة ثانية للثورة، وتقول انه انقلاب عسكري بلباس مدني’.
واعتبر فتح الله أرسلان نائب الامين العام والناطق الرسمي باسم الجماعة أن أخطاء الرئيس المصري المقال محمد مرسي لا تبرر الانقلاب عليه ولن هذا الأمر ‘كان مهيئا له منذ انتخابه رئيسا لمصر من خلال التضييق على مشاريع للإصلاح’ وتم استدعاء شخصيات مدنية ودينية لإضفاء الشرعية على هذا الانقلاب.
وقال ارسلان أنه ‘لا يمكن إنكار أن مرسي وقع في عدد من الأخطاء، ولكنها عادية بحكم طبيعة المرحلة الانتقالية التي تعيشها مصر، بعد أن تخلصت من حكم راكم عقودا من الاستبداد’.
ولفت إلى أن هذه الأخطاء ‘إن وجدت لا تصل درجة التعامل معها إلى الانقلاب على الشرعية، بل يجب الرجوع إلى صناديق الاقتراع، فهي الكفيلة بمعاقبة كل من أخل بالعهود والالتزامات أمام الشعب’.
ودعا نائب الأمين العام لجماعة العدل والإحسان، الفرقاء السياسيين في مصر إلى بذل كل الجهود من أجل تحقيق التوافق وفتح الحوار، معتبرا أن الأطراف الحاكمة في مصر (سابقا) كانت تود أن تتحمل مسؤولية تغيير واقع تكرس طوال أكثر من 30 سنة من الاستبداد وحدها، بينما يحمل الطرف الآخر الجهات الحاكمة مسؤوليات الخروج من الأزمة التي تعيشها البلاد رغم قصر مدة توليها للسلطة.
حزب الأصالة والمعاصرة الليبرالي والمناهض للتيارات الاسلامية اعتبر أن ما قام به ‘الجيش المصري لحماية المؤسسات والديمقراطية، وإن كان يبدو منافيا للقانون، فإنه يكشف عن حقيقة أن أي نظام سياسي يظل في حاجة إلى صمام أمان لتحصين الخيارات الكبرى للشعب من كل أنواع الانزلاق أو الهيمنة أو التسلط أو الإقصاء السياسي أو معاكسة إرادة الشعب’.
ودعا الحزب الذي يختصر بـ’البام’ المصريين إلى الإقتداء بالتجربة المغربية عبر صياغة دستور منبثق عن استفتاء شعبي، ‘يشكل التعاقد الأساس بين الدولة والمجتمع، والمرجعية الوطنية المتقاسمة المتضمنة لخيارات البلاد دون سلوك حكومي هيمني أو شمولي أو استفرادي، مع الانكباب على إعمال مقتضيات هذا الدستور وفق مقاربة تشاركية ، تفضي إلى عمل تشريعي تعاقدي’.
وفيما لا زالت الهيئات والجمعيات الحقوقية تلتزم الصمت وصفت العصبة المغربية لحقوق الانسان المقربة من حزب الاستقلال ما وقع في مصر بانه ‘انقلاب واضح على الشرعية الديمقراطية’، مستنكرة ‘كل استلاء بالقوة’ على السلطة، مؤكدة على ‘ضرورة أن يبقى الجيش بعيدا عن الصراعات السياسية والقيام بأدواره الأساسية في الحفاظ على الأمن الداخلي والخارجي لمصر، وأن الشعب المصري هو الذي يمتلك الإرادة لتصحيح أي اختلالات تهم تدبير الشأن العام بالرجوع إلى الآلياــت الديمقراطية المتـعارف عليها، والاحتكــام إلى صناديق الاقتــراع كـحل وحيد يحترم المبـادئ السامية لحقــوق الإنسان المدنية والسياسية’.