مسكينة شجرة التين التي تضرب جذورها منذ عقدين ونيف في ساحة بيتي، أوراقها صفراء وثمارها صغيرة جافة تتساقط قبل نضوجها، تبدو هذه كمقدِّمات لانهيارها، ربما سأضطر إلى قطعها من أسفل الجذع، كي أسمح لخلوفها أن تتجدّد، فهي تينة فريدة من نوعها، أكوازها كبيرة مُشهية، فيها أكثر من لون ومذاق، ولن أفرَّط بها.
خطر في بالي تساؤل أكثر من مرة إذا ما كانت الأشجار تشعر بالألم!
الحمد لله أنه ليس لها جهاز عصبي مثل الحيوانات، وإلا لهزَّ صراخها أركان الأرض، تخيّلوا كيف سيكون الحال مع الحرائق التي تكتسح عشرات ملايين الأشجار في المنطقة والعالم.
الشَّجرة لا تشعر بألم أو بتوتِّر، لا بِحرٍ ولا ببرد، لكنها تمرض وتذبل وتتوقف عن العطاء.
ينتابني شعور حقيقي بالأسف على شجرة أطعمتني لأكثر من عقدين، أعطت بسخاء، فتلذذت بثمارها وأهديتُ منها إلى من أحبُّهم.
صارت تبدو شبه عارية، كأنها ممزقة الثياب، أشعر بالذنب، فلا بدَّ أنني قصَّرت تجاهها، وأهملت صحتها، أنا المذنب إذ تركت الحشرات والدود والسُّوس يفتك بها دون أن أنتبه، وربما لم أقدِّم لها ما تحتاجه من ماء ودواء في الوقت المناسب، وربما أصبحت تربتها فقيرة في العناصر الضرورية وكان علي أن أسمِّدها، وأن لا أبخل أمام عطائها اللامحدود، العناية والاهتمام هما ما تحتاجه الشَّجرة كي تعطي أقصى وأفضل ما لديها.
في الموسم الماضي أعطتْ بصورة عجيبة، كانت في أوج عنفوانها غزارةً ونوعية، بهجة للنظر، ومتعة في المذاق، قطفت منها في كل صباح مئات الأكواز، وكانت متعتي أن أوزعها على القريبين من أصدقاء وجيران وأقرباء.
بحثتُ عن أسباب هذه الأعراض، فوجدت عدة احتمالات، ولكن يبدو أن أقربها إلى وضعها هي الحشرات والسّوس الذي فتك بجذعها وجذورها.
رأى قريب لي ما أصاب تينتي، فأخبرني بأن لديه شجرتين أصيبتا بهذه الأعراض نفسها، ويبدو أن أكثر أشجار التين في البلدة مريضة، اصفرار وثمار صغيرة تتساقط قبل نضوجها، إنه مرض جماعي، وباء يضرب معظم الأشجار.
عدد أشجار التين ينحسر عاماً بعد عام، هذه الثمرة التي كانت مرادفاً لاسم بلدتنا، تراجعت كثيراً، صار أكثر الناس يشتريها من دكاكين الخضار، بعدما كنا نزوِّد منها حيفا وعكا ومنطقتها.
كل من زارني في هذه الفترة قدّم ملاحظته وخِبرته أو ما سمعه من معلومات حول شجرة التين ورعايتها، والفترة التي تعيشها وأمراضها، وعن كيفية وموعد تقليمها، وضرورة تعريضها أكثر ما يمكن للشَّمس.
كذلك تحدّث البعض عن التغيُّرات المناخية التي تؤثر على الأشجار المثمرة، والأمراض الغريبة التي صارت تضرب المحاصيل الزراعية في كل مكان، وتنذر بمشكلة للبشرية، وللشعوب الضعيفة بشكل خاص.
حاولت رشَّ مبيدات على جذعها وحولها، لكن يبدو أن هذه الإجراءات باتت متأخِّرة.
أكثر من واحد ممن عرفوا فضلها عبَّر عن زعله على تينتي.
سألني بعض من عوّدتهم على زيارة مفاجئة في الموسم: شو مع تينتك السِّنة؟ هل هي بخير؟
أشرحُ ما الذي أصابها، ولكل واحد نصيحة مختلفة، وهذا يجرّنا إلى أحاديث التِّين، حيث كانت هذه الشجرة قبل عقود مصدر دخل إضافي لأسرٍ كثيرة، ولكنه تلاشى، بسبب ما طرأ من تغييرات اجتماعية وسياسية واقتصادية على الناس والأرض وشقِّ الطرق الحديثة والبنيان، فقد أُهمل ما تبقى من التين، والشَّجرة التي تنهار لا يزرعون مكانها، الأكثرية صاروا يفضِّلون الزيتون عليها لأنه لا يحتاج إلى حراسة، ثم إن مساحات الأرض الزراعية تقلصت بحيث لم تعد الأرض مصدراً للدخل.
كلما تذكَّرتُ قصيدة «التينة الحمقاء» لإيليا أبو ماضي، استنكرت هذه التهمة الموجهة لشجرةٍ حكم عليها الشاعر بالإعدام لتوقفها عن العطاء، هذا ربما ينطبق على بني البشر الذين يرفضون أن يعطوا وتقتلهم أنانيتهم وجشعهم، أما في حالة التينة، فالمذنب هو صاحبها الذي أوصلها إلى هذا الوضع، بحيث باتت عاجزة عن العطاء، وأمست مجرَّد وتد يابس في الأرض، وبدلاً من التينة الحمقاء كان أكثر صدقاً نظم قصيدة الفلاح المُهمِل، أو الفلاح الكسول وحتى الفلاح الأحمق.
تينتي أعطت الكثير بلا حساب وبلا تذمُّر، ولو كانت قادرة على التعبير لشكت بعبرة وتحمحم وأسفت لعدم قدرتها على مزيد من العطاء، ويبدو أنني لم أبادلها عطاءها بالعناية اللازمة.
ما حدث بيني وبين تينتي ممكن تطبيقه على الجماعة على مستوى البلدة، وحتى عالمياً، فكوكب الأرض كله مريض، والأشجار تمرض، والتي لم تمرض تحترق، والمياه تزداد تلوُّثاً وحرارة، والأوبئة تفتك بالأحياء بحراً وبراً وجواً وبالنباتات في كل مكان بسبب حماقة بني البشر وجشعهم وتحولهم إلى آلات استهلاكية بدون وعي، حتى باتت البشرية عاجزة عن إصلاح ما أفسدته في الطبيعة.
ما أعظم سلفنا الذي أوصى جنوده بأن لا يقطعوا شجرة… وما أتفه وأحقر أولئك الذين يحللون قطع أشجار الأغيار ونهب محاصيلهم، وكأن إلههم رئيس عصابة من اللصوص وقطاع الطُّرق!
يوم الجمعة الأخير، أعدم ديدان الأرض ولصوصها في قرية جبعة جنوب غرب بيت لحم، عشرات أشجار الزيتون التي تبلغ أعمارها أكثر من ستة عقود.
يدرك المجرمون الألم الذي يسببونه للأب الشرعي لهذه الأرض ولهذه الأشجار، ويتلذّذون بالألم الذي يسببونه لفلاح يذرف دموعه حرقة على أشجاره، لكنهم في الوقت ذاته، يثبتون أنهم غرباء عن هذه الأرض وأشجارها، يبرهنون ويفضحون ادعاءاتهم بالنسب إلى هذه الأرض، فمن ينتسب إلى الأرض لا يقتل أشجارها.
تينتي العزيزة، أنا آسف، أعتذر إذ أهملتك وتركت فرصة للسوس والديدان والحشرات والمرض أن يفتكوا بجمالك، ولكن قصَّتنا لن تنتهي، وعزائي هو بخلوفك الخضراء التي سوف تواصل وتستأنف مسيرتك المشرفة إلى الأبد…
كانت لنا في طفولتي شجرة تين ثمارها صفراء وطعم ثمارها أطيب من العسل!
كان العدو الأول لها هو النمل, ولهذا كان والدي رحمه الله يرش بودرة حوالي جذع التينة حتى لا يصل النمل لثمارها!! ولا جول ولا قوة الا بالله
والتين والزيتون وطور سنين التين مازال يشغل حيز في حياتنا ومن اطيب الفاكهه الصيفيه ..احييك اخي على معاملتك للتينه في ساحة بيتك وحزنك عليها بسبب مرضها واهتمامك بعلاجها والمحافظه عليها..ولنا حصه في تينتك وثمارها،،نتمنى لها استعادة عافيتها وخضرتها وثمارها..الرسول الكريم وصانا بالمحافظه على الاشجار وعدم قطعها وهذه سنه من سننه
الف سلامه على تينتك عافاها الله
جميل
كتبت فأبدعت
من الأعمال الصالحة عمل يغفل عنه كثير من الناس وهو غرس الشجر, فقد حثّ الإسلام على الغرس ورغَّب فيه, قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا، أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ”
كلام جميل معبر. بالفعل، تراكم الإساءة الى الارض وجشع الانسان المعاصر أدى الى ما نعيشه الان. تذكرت حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ” تحفظوا من الأرض ، فإنها أمكم ، وإنه ليس من أحد عامل عليها خيرا أو شرا ، إلا وهي مخبرة “.
فتحت نفسنا ع التين
من اطيب الثمار التين وورد ذكرها في القرآن الكريم
لتعظيم شأنها
سبحان الله العلي العظيم هالشجرة فيها سحر
حلوة المذاق وحلوة المنظر . قلب وقالب لذيذة
في هذا المقال شعرت باني امام روح . ابدعت الوصف استاذ سهيل . صدق المشاعر والانتماء والوفاء مشاعر انسانية متجذرة في كل ابن بلد اصيل يعشق الارض والشجر والبشر
لكل كائن على وجه الأرض عمر افتراضي
يعيش العمر ويرحل . مافي شي ثابت ولا يدوم الا وجه الكريم. الله سبحانه وتعالى
الاشجار التي تعطي الفاكهة الحلوة غالبيتها تتعرض للغزو من باطن التربة تستمتع الحشرات بالتهام جذورها . نحن نأكل الثمر الحشرات تأكل الجذور . حياة وبدها تستمر
وانا ايضا اعاني هذا الموسم من جفاف شجرتين من التين رغم وافر العطاء في السنة الماضية..المناخ يتغير واعتقد ان درجة الحرارة العالية ايضا تضر
السلام عليكم
تحية طيبة للجميع قرّاء ومعلقين وإليك “سي سهيل” وإلى طاقم الجريدة الذين بدل الإستمتاع بعطلتهم جعلوا لنا وقتا للإستمرارية في مواصلة الإتصال والتواصل شكرا لهم جميعا .
قبل التعليق بودي ان أسأل عن رفيقة دربنا بالقدس العربي الأخت والبنت “غادة الشاويش” نسأل الله غيابها أن يكون خيرا إن شاء الله
إنّ شجرتك التي أصابها المرض ربما حان أجلها …”تعددت الأسباب والموت واحد” لكن الأمر المفزع هو لمّا تكون يد البسر المفسد في الأرض هي السبب وتسعى بكل الطرق لتجريف الأرض من نضرتها وحضرتها بالقطع كما هو الحال في فلسطين بقطع كل ما يشير للحياة من شجر وبشر ويدّعون أنّهم من صنّاع الحياة وهم أعداؤها …لو كان فعلا يحبون هذه الأرض ما سعوا في خرابها وتدميرها لأنهم يعرفون حق المعرفة أنّها ليست لهم ورحيلهم عنها عاجلا أم أجلا لذلك يسارعون في زرع الفساد والدمار والخراب…
من المفروض أن نكون دعاة “زرعوا فأكلنا ونزرع ليأكلوا” وصنّاع إستمرار الحياة في ظل “من أجل حياة أفضل”
ولله في خلقه شؤون
وسبحان الله.
مقال جميل بورك هذا الصوت الداخلي الذي يخاطب النفس بصمت ويحثها على التفكير مليًا في اصلاح ما أفسد أو ما ينوي إفساده في زمن اصبح فيه خدش الضمير يستهوي استنزاف الإنسانية بكل حماقتها وجشعها دون وعي أو إدراك للعواقب الوخيمة التي تطال الانسان نفسه قبل اي مخلوقات أخرى على كوكب الأرض لأنه من يصلح الانسان إذا الانسان فسد وإن فسد الإنسان فعلى الدنيا السلام …