الجزائر- “القدس العربي”:
دعا يوسف أوشيش، السكرتير الأول لجبهة القوى الاشتراكية، والمرشح لرئاسيات 2024 في الجزائر، إلى إجراء انتخابات تشريعية مبكرة بحلول النصف الأول من عام 2025، وذلك في إطار “تعزيز المسار الديمقراطي وبناء دولة القانون”.
وأوضح أوشيش في ندوة صحافية بالعاصمة، لإبداء أول رد فعل له بعد نتائج الرئاسيات التي حل فيها ثالثا، أن هذه الخطوة تهدف إلى منح شرعية جديدة للمجالس المنتخبة، المحلية والوطنية، في ظل الحاجة الملحة لإصلاحات سياسية عميقة.
وفي معرض حديثه، شدد المرشح السابق على أهمية إجراء مراجعات قانونية شاملة تشمل قانون الأحزاب السياسية، وقوانين البلدية والولاية، والقانون الانتخابي. وأضاف أن هذه المراجعات ضرورية للسماح بظهور تمثيل ديمقراطي حقيقي في البلاد، والذي يُعد حسبه، شرطا أساسيا لضمان انتخابات نزيهة وشفافة.
وتعد هذه الدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة تأكيدا من قبل حزب جبهة القوى الاشتراكية على الاستمرار في نهج المشاركة بالانتخابات. وكان هذا الحزب سنة 2021 قد قاطع الانتخابات التشريعية، ما جعله يغيب عن المجلس الشعبي الوطني الحالي. ويقابل النهج الحالي الذي يسير عليه الحزب بمعارضة من قياديين سابقين يعتبرون هذا التوجه تراجعا عن أفكار الحزب التي عرفت براديكاليتها في السابق.
من جانب آخر، أبرز أوشيش أن نتائج الانتخابات التي أُعلنت، تبقى موضع تساؤل في ظل الشكوك التي تحوم حول ظروف تنظيمها. وكان المرشح قد حاز في النتائج النهائية على أكثر من نصف مليون صوت بنسبة تفوق 6%، بعدما أعطته النتائج الاولية نحو 120 ألف صوت، ما أدى إلى طعنه في النتائج أمام المحكمة الدستورية.
وأصر على ضرورة فتح تحقيق معمق للكشف عن الملابسات التي أحاطت بالعملية الانتخابية، مشيرا إلى التجاوزات التي تم رصدها في العديد من مراكز الاقتراع، والتي تمت بالتواطؤ مع الإدارة المحلية، مما أساء لمصداقية الانتخابات وأضر بصورة البلاد.
وطالب في السياق باتخاذ إجراءات صارمة لمحاسبة المسؤولين عن التلاعب الذي شاب العملية الانتخابية، مشيرا إلى أن هذا النوع من التجاوزات يمس بثقة المواطنين في المؤسسات ويعزز المطالب بضرورة إرساء دولة القانون.
وفي إطار رؤيته لتحسين العملية الانتخابية، طالب المتحدث بإصلاح عميق للسلطة الوطنية للانتخابات، بحيث تصبح هيئة مستقلة فعليا وقادرة على ضمان تكافؤ الفرص بين جميع المرشحين. واعتبر أن هذه الخطوة ضرورية لتعزيز المشاركة الانتخابية، خاصة في ظل العزوف عن التصويت الذي أصبح السمة البارزة للحياة السياسية في الجزائر.
وعاد أوشيش الذي يمثل أقدم حزب معارض في الجزائر، إلى أسباب وظروف مشاركته في الرئاسيات. وقال إنه بالرغم من عدم تحقيقها الفوز، فإن جبهة القوى الاشتراكية لم تخسر، بل حققت انتصارا من خلال ترسيخها كقوة سياسية معارضة وفاعلة، قادرة على تقديم حلول بديلة تسمح للجزائر بالتقدم على طريق الديمقراطية. وأكد أن الحملة الانتخابية التي قادها كانت نظيفة ونزيهة، وأن الحزب خرج منها أقوى وأكثر عزيمة لمواصلة النضال.
كما أكد أوشيش أن مشاركته في الانتخابات الرئاسية جاءت انطلاقا من واجب وطني، وأن هدفه الرئيسي كان تعزيز استقرار البلاد في ظل الظروف الجيوسياسية المحيطة. وأشار إلى أن جبهة القوى الاشتراكية كانت تسعى إلى توسيع قاعدتها النضالية لتشمل مناطق جديدة خارج المعقل التقليدي للحزب في ولايات وسط البلاد.
وفيما يتعلق بالتحالفات السياسية، أوضح أوشيش أن التيار الوطني التقدمي والحداثي الذي يعد حزبه جزءا منه، لا يزال حاضرا بقوة في المشهد السياسي الجزائري، وأن جبهة القوى الاشتراكية تسعى لإنشاء قطب وطني ديمقراطي واسع يشمل مختلف القوى الحية في البلاد، من الشباب والنساء إلى النقابيين والطلبة والعمال.
وحول دعوة الحوار التي أطلقها الرئيس تبون في خطاب التنصيب، قال أوشيش إن حزبه يرحب بهذه المبادرة، معتبرا أن “هذه اللحظة هي الأنسب لتجاوز خلافاتنا والتوافق على ما هو أساسي وجوهري، أي أن نتفق حول أرضية وطنية مشتركة وتوافقية، تكون قاعدة لإعادة بناء الدولة الوطنية على مبادئ الديمقراطية العدالة والحرية؛ دولة حديثة ومتفتحة، قادرة على مواجهة التحديات التي نقابلها على الأصعدة الأمنية، الاجتماعية، الاقتصادية وحتى الثقافية”.
ودعا في هذا السياق، الرئيس تبون مع اقتراب الذكرى السبعين لاندلاع ثورة نوفمبر المجيدة، لاتخاذ قرارات سياسية جريئة لإرساء مناخ من التهدئة و الانفتاح الديمقراطي، مؤكدا أن “هذا الجهد ضروري لتقوية البلاد في مواجهة التحديات الكبرى التي يجب أن نتغلب عليها جماعياً”.
وطالب تحديدا بإصدار عفو رئاسي عن المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي، وإلغاء المادة 87 مكرر من قانون العقوبات، التي تستخدم لتجريم العمل السياسي والحقوقي، وفق ما قال. كما دعا إلى إلغاء القوانين التي تعيق الحريات وتمس الحقوق، مشيرا إلى أن هذه الإجراءات أساسية لتحقيق تعددية سياسية حقيقية.
وشدد سكرتير جبهة القوى الاشتراكية، على ضرورة تجاوز الخلافات والتوافق على أرضية وطنية مشتركة لبناء دولة حديثة، ديمقراطية، وعادلة. وأكد أن الوقت قد حان لتحقيق توافق تاريخي يعزز التماسك الوطني ويؤهل البلاد لمواجهة التحديات المستقبلية على مختلف الأصعدة.
وكان الرئيس تبون في خطاب تنصيبه يوم الثلاثاء الماضي، قد أعلن أنه “سيعمل خلال عهدته الثانية على إطلاق حوار وطني مع كل الطاقات الوطنية الحية”، وذلك “تجسيداً للديمقراطية الحقة”. وأوضح أنه خلال عهدته الثانية “سيقوم باتصالات مكثفة واستشارات مع كل الطاقات الحية للوطن، السياسية منها والاقتصادية وكذلك الشبابية”، مضيفا أنه “سيتم مباشرة حوار وطني مفتوح لتخطيط المسيرة التي ستنتهجها البلاد في إطار الديمقراطية الحقة”.
وقوبلت دعوة تبون بردود فعل تترقب شكل ومضمون هذا الحوار. وذكر عثمان معزوز، رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية المعروف بتوجهه المعارض، في هذا المنحى أنه أخذ علما بدعوة رئيس الدولة لفتح حوار وطني، في انتظار أن تتضح معالم هذه المبادرة.
من جانبه، طالب حزب العمال الذي لم يشارك بدوره في الانتخابات، في بيان له بأن يشمل “هذا الحوار كل الشعب الجزائري دون إقصاء أو إبعاد في نقاش وطني حر وديمقراطي، حتى يتمكن في نهاية النقاش من تحديد شكل ومضمون المؤسسات والأدوات التي يحتاج إليها لممارسة سيادته الكاملة”. مبرزا أن “نجاح مثل هذا النقاش يتطلب رفع كل القيود على ممارسة حرية التعبير السياسي وحرية الصحافة، وبالتالي الانفتاح السياسي والإعلامي الفعلي وإنهاء كل تجريم لممارسة الحريات الديمقراطية”.