غزة ـ «القدس العربي»: مر اليوم الثاني لعيد الفطر على سكان غزة، بغصة كبيرة، بسبب الظروف التي خلفها العدوان المتواصل منذ أكثر من 6 أشهر.
يونس أبو جبل، نزح إلى مدينة رفح، جنوبي قطاع غزة، بعد أن فرّقت الحرب بينه وبين أسرته، التي نجح في تسفيرها إلى مصر، وتجنيبها ويلات الحرب.
قال لـ«القدس العربي»: «أنه واحد من المحظوظين بعد نجاحه في إخراج زوجته وأولاده من قطاع غزة» لكنه يتذكر أن معبر رفح البري يحول بينه وأولاده في العيد، ولا يستطيع الوصول إليهم في تلك المناسبة السعيدة: «كيف تحكي لي أنه يوجد عيد، أي عيد وأولادي ليس بجانبي؟ وأنا لست السبب في بعدهم عني. القهر والموت والقصف اللي خلاني أبعدهم عني».
وزاد: «أي عيد، ونحن أطفالنا تُيتموا ونساؤنا تُرمّل وبيوتنا تُهدم؟! ليس هناك شيء يوحي بالعيد. ما نراه، موت وقصف وقتل وتشريد ونزوح وخوف وتوتر وقلق.، وهذه ليست نظرة تشاؤمية، حسب تعبيره، «فحتى لو صارت هدنة فلن يشعر أهل غزة بالعيد في العام 2024 مثل الأعياد السابقة التي مرت».
نفوس تتألم
ألم نفسي شديد يشعر به يونس حزناً على سكان غزة الغائبة فرحتهم بالعيد هذا العام، متسائلاً: «كيف سيفرحون وعائلات بأكملها أبيدت وأخرى شُردت وأطفال قُتلت؟ نفسيتنا في الحضيض».
كما يعتبر أن «الاحتفال بالعيد خيانة لدماء الشهداء وكذلك الأحياء الذين يعيشون حالة من التيه، فليست هناك فرحة وسط كل هذا الألم».
في الموازاة، يسترجع النازح عبد الخالق دولة، (45 عاماً) طقوس عيد الفطر المبارك في قطاع غزة قبل الحرب: «كانت فرحة العيد تظهر علينا قبل حلوله بأسبوعين، نشتري الملابس لأولادنا وننظف الشوارع ونعد الكعك. رائحة الكعك كانت تملأ الشوارع».
ويقارن الأعياد السابقة بالعيد الحالي فلا يجد وجهًا للمقارنة بقوله: «البيوت التي كانت تؤوينا دمرها الاحتلال، الشوارع الشاهدة على فرحتنا أُزيلت، الأطفال الذين كنا نراهم في الشوارع ونهنئهم بالعيد قُتلوا، وكذلك الأقارب».
مهموماً يستقبل عبد الخالق عيد الفطر هذا العام في ظل الحرب يقول بألم لـ«القدس العربي» خلال حديثه: «كلما أتخيل حلول العيد أشعر بغصة في حلقي، وتزداد همومي وآلامي عندما أتذكر الشوارع والبيوت والناس الذين اختفوا من على ظهر الأرض، نحن أعدم الاحتلال فرحتنا وسرق منّا المناسبات الدينية والاجتماعية» لكنه رغم الألم وجه التهنئة بحلول عيد الفطر المبارك للعالم بأسرِه.
عيد وسط الدمار
وأظهر تحليل بيانات لصور التقطتها الأقمار الصناعية، حجم الدمار الذي لحق بالمباني في قطاع غزة، إذ تضرر أو دمر ما بين 144 ألف مبنى و175 ألفاً في القطاع بفعل الغارات التي تشنها الطائرات الحربية الإسرائيلية، وهذا ما يعادل بين 50% و61% من مباني غزة.
اختفاء مظاهر العيد
ويأتي عيد الفطر على قطاع غزة في ظل حالة اقتصادية سيئة واختفاء للسلع وارتفاع في الأسعار، وفقاً لمدير المكتب الإعلامي اسماعيل الثوابتة، والذي يؤكد انعدام التحضيرات لأجواء العيد، بسبب ظروف الحرب والأوضاع الاقتصادية الصعبة جداً على الأسر والأهالي: «لا مجال على الصعيد الاقتصادي أن يتجهز الناس لتلك المناسبة الدينية والاجتماعية العظيمة».
ويوضح سليمان طوباسي، أن أهل غزة يملكون الأموال ويريدون التبضع من أجل الاحتفال بالعيد لكنهم غير مرتاحين نفسياً.
وأرجع ذلك خلال حديثه لـ«القدس العربي» لأن «فرحة العيد سرقها الاحتلال، فليست هناك أسرة إلا وربها أصبح شهيدًا، وغالبية السكان إن لم يكن كلهم باتوا نازحين، وكذلك الجيران الذين كنا نصلي معهم العيد فقدناهم، فهذه المشاعر أصبحت شبه ميتة».
واشار إلى استشهاد والده، الذي كان يوقظه وإخوته لصلاة العيد.
وتشير أم علاء حجازي إلى حالة القلق التي تعيشها الأسر الغزية لتوفير الوجبات الرئيسية في ظل الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، وما يفرضه من جوع على السكان وشُح في المواد الغذائية.
وتقول لـ«القدس العربي» خلال حديثها: «الكل يفكر في كيفية توفير الطعام لأطفاله، وهو ما يجعلنا نفتقد أجواء العيد، والحياة كلها ضوضاء وتعب وفراق. فرحة العيد أصبحت منقوصة بسبب الفقد».
وعن سؤالنا كيف قضيتم أيام العيد؟! تجيب بوجع: «كل المتنزهات شوهتها الغارات الإسرائيلية، فلا مجال للخروج من الخيام والتنزه».
ليس الأكل والشرب والملبس والأشخاص فقط ما سيفقده الغزيون في أول وثاني أيام عيد الفطر السعيد بل صادر الاحتلال حقهم في التجمع من أجل أداء صلاة العيد، فمعظم المساجد دمرها القصف الإسرائيلي.
لا ملابس جديدة
اختفاء مظاهر الاحتفال بالعيد الذي تحدثت عنه أن علاء حجازي، تعيشه النازحة إكرام عبد السلام، 36 عاماً، التي لم تستطع تدبير أي ملابس جديدة لطفليها، اللذين تتراوح أعمارهما بين 9 و7 سنوات.
وتقول لـ«القدس العربي» خلال حديثها: «لم أحضر أي شيء للعيد، أبنائي الاثنين يرتديان الملابس مبتلة بعد غسلها، لأنهم لا يملكون أي ملابس جديدة، لا توجد ملابس في الأسواق».
تتذكر النازحة عيد الفطر الماضي قبل الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، عندما كانت تعد صواني الكعك وتجهز الرنجة والترمس والفسيخ استعدادًا لأول أيام العيد.
وتضيف «كل هذا أصبح غير موجود في أيام القصف والحصار والنزوح. في هذا العيد جلسنا في الخيام مع أهل غير الأهل وجيران غير الجيران، نأمل ألا يصيبنا صاروخًا أو قذيفة دبابة أو رصاصة قناص إسرائيلي».
أطفال حزانى
الطفلة الفلسطينية، سلمى لأكريم، رغم حداثة سنها البالغ 9 أعوام، لا تشعر أيضاً بفرحة العيد: تقول: «لا يوجد عيد، ولا ملابس، أصلاً لا توجد فرحة. أتى العيد وانتهى وما لمسنا فرحة العيد، ما فيه بيت للزينة، ولا لعب، نحن نموت فقط».
وتشير الطفلة التي نزحت مع أسرتها إلى مستشفى غزة الأوروبي، إلى تدمير الاحتلال منزلهم في شمال قطاع غزة: «العيد كان في المنزل حلو. كنا نلعب كنا نتعيّد، كنا نعمل كل حاجة».
وتتساءل: «كيف يقضي العيد الأطفال الأيتام الذين فقدوا أهاليهم أو الطفل الذي خسر عضوًا من جسمه أو الذي شُرد في الشارع بعد قصف داره؟! الكل حزين. لا يوجد عيد!».