ثلاثية سؤال «ورشة الاقتصاد» الأردنية: الوثيقة «عابرة» إلى أين؟ فريق وطني… متى؟ تحرير «إمكانات» غير موجودة… كيف؟

بسام البدارين
حجم الخط
2

عمان – «القدس العربي»: مرة أخرى، المسافة قد لا تكون فاصلة حقاً بين أجندة حوار مع مستثمري وأركان السوق لأغراض معالجة مشكلاتهم واحتياجاتهم، وتشخيص وطني يخص الاقتصاد والاستثمار.
يشعر هنا كل من يراقب بعض تفاصيل ورشة العمل الاقتصادية التي يستضيفها الديوان الملكي الأردني بأمل توفير فرصة للتحاور مع الذات وتحرير الإمكانات بالمفارقة المتجددة.
الوزراء المشاركون في النقاش والحوار يتم تهميشهم، وحائرون على الأرجح، وإدارة العصف الذهني تعتمد على شريحتين: الأولى تمثل شركات وليس خبرات، والأخرى وزراء سابقون وجدوا أن لديهم فرصة في إدارة نقاشات لإيجاد حلول لمشكلات كانوا سبباً في إنتاجها وتراكمها أصلاً.
الوصفات الاسترشادية الغربية المترجمة لم تفلح في تقديم وظيفتها بصورة منتجة.
والحكومة، وهي بانتظار ولادة وثيقة باسم تحديث المنظومة الاقتصادية للبلاد، تترقب وتنتظر وتعلم مسبقاً بأن صفة الوثيقة باعتبارها عابرة للحكومات لا تعني شيئاً في الاحتكام الدستوري والقانوني والواقع البيروقراطي، إلا أن فلترة التوصيات وترسيم الإجراءات وظيفة تتطلب حكومة في الواقع.
ثمة فوضى في الأولويات خلال النقاشات تزحف كلما ظهرت مسافة فارقة ما بين جلسات عصف ذهني المطلوب منها التخطيط للمستقبل أو نقاشات يتضح للمراقبين لاحقاً بأنها تمثل رؤوس أموال أو شركات في السوق.
وتلك مجدداً مفارقة كبيرة ستؤدي، إذا لم يحصل استدراك فوري، إلى تهميش الوطني في التخطيط الاقتصادي لصالح الشخصي وما يجره ذلك لاحقاً من تهميش للمواطن.
تحميل مؤسسة الديوان الملكي مسؤولية هذا العبء في ورشة العمل الشهيرة هو خطأ كبير في رأي خبير اقتصادي مثل الدكتور أنور الخفش، الذي يصر وعبر «القدس العربي» على أن ورشة العمل تلك لا يجوز أن تبقى في مؤسسة القصر وينبغي أن تنتقل وفوراً إلى الحكومة والسلطة التنفيذية.
يتحدث الخفش عن تفكيك الارتباط بين المشروع الذي تمثل الورشة مصالحه، والمرجعيات التي تعتبر ثوابت الأردنيين، فيما يجدد الخبير الاقتصادي والبرلماني السابق الدكتور هيثم العبادي عبر «القدس العربي» أيضاً، التأكيد على أن قطاعات المال والأعمال طرف ولاعب أساسي في الواقع، لكن ينبغي التأسيس لمقاربة وطنية أفقية لا تقف عند التشخيص فقط، بل تضع توصيات أفقية تمثل جميع الأردنيين، معتبراً أن القطاعات المصرفية مثلاً طبيعي أن تسعى للحفاظ على مصالحها وتخفيف العبء الضريبي عليها، لكن سلم الضرائب الحالي منصف وحيوي، والمقاربات تنتج عن حوارات فعالة وليست شكلية.
لا يبدو عموماً أن الحكومة مرتاحة لكيفية إدارة جلسات العصف الذهني، فبعض من تسبب بالمشكلات البيروقراطية وأعاق التخطيط الصحيح في الماضي عندما كان في الحكومة، وجد نفسه اليوم تحت خيمة الديوان الملكي، والمطلوب منه وضع حل وتصويب الأمر أو إصلاحه.
وهو وضع مختل، في رأي وتقدير الدكتور الخفش، الذي يحذر مجدداً من كلفة البقاء مطولاً في الانتظار ومنطقة التردد، مطالباً بالعودة إلى عصف ذهني جماعي ووطني وعملية إصلاح هيكلية في الملف الاقتصادي، فكرتها أساساً «الوطن والمواطن»، ومن الواضح أنها لن تبدأ قبل إقرار الخطوة الأجرأ التي تتمثل في تشكيل فريق وطني يدير الأزمة، ليس من حيث القدرة فقط على إدارتها، لا بل من حيث توفير الإمكانية لتحويل الأزمة إلى فرصة والمحنة إلى منحة.
يعترض الخفش وغيره على عدم واقعية وعلمية مفهوم «تحرير الإمكانات، ويعبر عن الخشية من توريط القرار بمصطلحات وعبارات خارج نطاق العصف الذهني العميق، ويرى بأنه لا يوجد إمكانات أصلاً بالمعني الحرفي والحقيقي حتى يتم تحريرها.
والواجب هو التخطيط لوجود تلك الإمكانات قبل أي شيء آخر، وقبل التحدث عن تحريرها أو تحديث منظومتها لاحقاً، وذلك عبر قراءة الممكنات والميكانيزمات المتوفرة مع الإقرار بأن تحالف الأوتوقراط مع رموز السلطة والمال لا يمكنه قراءة التفاصيل خارج مصالحه المباشرة، وبالتالي ضمن رؤية وطنية عميقة حقاً.
المحظور الذي تبناه الخفش علناً يحصل في الواقع.. هذا ما تشير إليه معطيات الاشتباك في عدة مفاصل ومحطات داخل اللجان القطاعية في ورشة العمل التي تقترب من صياغة ورقتها الأخيرة.
لاحظ الجميع أن من يمثل في الحوارات الذهنية قطاع تجارة السيارات مثلاً يتحدث حصراً عن مصالح القطاع وبصفة تاجر سيارات وليس بصفة مخطط اقتصادي، ومن يدير نقاشات قطاع النقل والشحن البري يمثل واحدة من الشركات النافذة في السياق.
ولاحظ الجمـيع أن ممثلي البنوك في النقاشات يديرون بوضـوح القرص إلى مساحات مصالحهم، لا بل يدفع بعضهم في اتجاه إعادة البــلاد والــعباد إلى مــربع خفض الضريبة على البــنوك مرة أخرى، فيما لا يمكن توجيه اللوم لأبناء شركات أو مؤسسات تجارية أو لتــجار في السوق أو لموظفي شركات كبيرة وبنوك جمعوا تحت ظل خيمة واحــدة وطلب منهم تحرير إمكانات الاقتصاد الوطني التي يشكك بعض الخــبراء بوجــودها أسـاساً.
هندسة المسألة أصلاً فيها عيوب لا أمل في تجاوزها إلا عبر الفلتر المركزي في رئاسة الوزراء والحكومة الذي يمكنه التقاط ما هو جوهري فقط في توصيات الورشة ووثيقتها وإعادة تموضعها وفقاً للأصول الدستورية. وبين تلك العيوب، بوضوح، غياب مفكرين اقتصاديين وخبراء بيروقراطيين عن تلك الحوارات ولأسباب غير مفهومة بعد، وتكاثف بالأغلبية لممثلي الأعمال والشركات.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول S.S.Abdullah:

    من وجهة نظري ما كتبه (الوزير مروان المعشر) تحت عنوان (انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية على المنطقة العربية) مهم جداً في إجابة ما ورد تحت عنوان (ثلاثية سؤال «ورشة الاقتصاد» الأردنية: الوثيقة «عابرة» إلى أين؟ فريق وطني… متى؟ تحرير «إمكانات» غير موجودة… كيف؟)،

    ولكن الأهم في خلق أي إقتصاد، هو هل هناك قانون أو دولة، وليس عقلية (اللا دولة) من خلال الشفاعة والمحسوبية أو الواسطة مسيطرة في الدولة، أم لا؟!

    فلذلك هربت الأميرة (هيا بنت الحسين) وكذلك هرب (كارلوس غصن)، والفضيحة الأكبر كانت ما كشفته تفاصيل قضية الطلاق، في المحاكم (البريطانية)،

    ولكن بالنسبة لي، المهم معرفة، لماذا أختار الموظف (الوزير مروان المعشر) زاوية رؤية، تختلف عن زاوية رؤية الموظف (د فيصل القاسم)، في نفس السياق الزمني والمكاني، في عدد واحد من جريدة القدس العربي، البريطانية بالذات؟!

    لأن الثاني نشر عنوان به إسم فلسطين (هل احتلال فلسطين حرام واحتلال أوكرانيا حلال؟) ومفهوم الحلال والحرام، بينما الثاني نشر عنوان به إسم منطقة العرب (انعكاسات الحرب الروسية الأوكرانية على المنطقة العربية)،

  2. يقول S.S.Abdullah:

    فمن فيهم لديه ثقافة (دولة المسلم)، ومن فيهم لديه ثقافة (دولة العلماني)، مع أن الأول نشأ في دولة جمهورية، والثاني نشأ في دولة ملكية، من ضمن كيانات سايكس وبيكو، ووسيلة الإعلام بريطانية تستخدم لغة القرآن وإسلام الشهادتين، سبحان الله؟!

    هذا من جانب، ومن جانب آخر زاوية رؤية (د ماجد التركي)، في موضوع ما يجري لإسقاط (حلف الناتو)

    https://youtu.be/GBiVwzK-25U

    بعد سقوط (حلف وارسو)

    https://youtu.be/fZUeOjsf0oM

    هل هو وجهة نظر، الدولة أو مجلس التعاون في الخليج، أم إعلام MBC، هنا؟!??
    ??????

إشترك في قائمتنا البريدية