«ثلاث ملكات من مصر» هي رواية لمنى زكي، صدرت في 2022 ووقعت في أكثر من 400 صفحة، وهي تتناول ثلاث شخصيات ينتمين لعنصر النساء، تعاهدن منذ البداية على الوفاء والحب مهما كانت ظروفهن. وقد تقلبت بهن الحياة عبر سنوات طويلة ممتدة منذ الطفولة وحتى الشيخوخة. وأخذت كل شخصية منهن لقبا ينتمي لملكة من ملكات مصر، فهدى يصبح لقبها حتشبسوت، لقوة شخصيتها الطاغية، وجي جي لجمالها الفائق، يصبح لقبها الملكة نفرتيتي، ونانا ذات الأصول المختلطة بين مصر واليونان يصبح لقبها كليوباترا. تأخذ هذه الرواية قطاعا زمنيا ممتدا لهذه الشخصيات الثلاث، وما يتعلق بهن من أحداث وشخصيات، ومن هنا فإن سمة القطع والوصل سمة مهيمنة على هذه الرواية بسبب تعدد البطلات، وبسبب طول الفترة الزمنية. فما إن يأخذ الحكي مسارا مع الدكتورة هدى حتى ينقطع الحكي، ويأخذنا مع جي جي، ثم ينقطع ليجعلنا نعيش مع نانا، وهكذا. ومن هنا نجد سمة المونتاج تحقق حضورا واضحا.
واللافت للنظر هو المعاناة الرهيبة للشخصيات الثلاث، ففشلهن في الحب والزواج يأخذ حيزا كبيرا جدا من الحكي، على الرغم من جمالهن الفائق وقيمتهن العالية، ولكنهن جميعا وقعن في يد من لا يقدرهن، وكأنهن اللآلئ في يد من لا يعرف قيمتهن. فالدكتورة هدى ذات الجمال والمال والحسب والنسب والشخصية القوية تتزوج من طبيب زميل لأخيها من أصول بسيطة، يجعل نصب عينيه منافستها في كل شيء، وليس التكامل معها واحتواءها، فتكون النتيجة ضياع قلبها منه وتصميمها على الطلاق، رغم وجود ابنة لهما في سن الزواج وابن شاب، فيتدخل القدر ليموت الزوج في حادث مروع وهو في قمة تألقه وشهرته.
وجي جي الملقبة بنفرتيتي لجمالها اللافت تنجب أربعة أولاد من زوجها الذي يمتلك شركة سياحة، وتعرف أنه يخونها مع السائحات وموظفات هذه الشركة فتكون النتيجة أن يفقد حبها، لتقع في حب الطيار الذي يسوق الطائرة، وهي راجعة من باريس، ويصل الأمر إلى إنجابها لطفل غير شرعي من هذا الطيار الذي يحبها بجنون، وتعزم على الطلاق ولكنها تتراجع عنه عندما تتغير معاملة زوجها لها بعد أحداث ثورة يناير/كانون الثاني، وما سببته له من خسائر فادحة، ويمرض طفلها غير الشرعي وتذهب به إلى أمريكا للعلاج فيموت هناك.
ونانا الشخصية المسيحية والملقبة بكليوباترا بسبب وجود أصل من أصولها ينتمي لليونان، تتزوج من زميلها وتقف بجانبه حتى تطبق شهرته الفنية الآفاق بسبب وقوفها إلى جانبه، ولكنها لا تنجب منه رغم طول فترة زواجهما وتكتشف في النهاية ميوله غير السوية فتصر على الطلاق ويساعدها الأب في الكنيسة، وتموت في حادث كنيسة الإسكندرية الإرهابي.
ومن هنا فإن التخلص من الشخصية بالموت يكون حلا سهلا بسبب في الرواية.
وقد حدث ذلك مع أربع شخصيات، على نحو ما نجد من موت زوج الدكتورة هدى حينما عزمت عزما أكيدا على الطلاق منه. وعلى نحو ما نجد من موت نانا نفسها التي كانت حياتها عقبة في طريق زواج العاشقين: الدكتورة هدى والمهندس عمر، حيث كانت هدى متحرجة جدا من إتمام زواجها من عمر لإحساسها بأن صديقتها نانا تحبه، فكانت النتيجة أن تخلصت الرواية من نانا في حادث تفجير كنيسة الإسكندرية الإرهابي، فيتزوج العاشقان. وموت الطالب خالد الذي عشق الدكتورة هدى التي تكبره بحوالي عشرين عاما، كي يفسح المجال لأبيه ليتزوج من الدكتورة هدى، وتنجب منه خالدا ونانا. كما أن هادي الابن غير الشرعي للشخصية الملقبة بنفرتيتي يموت أيضا في أمريكا متأثرا بمرضه المميت. تبدو البنية الزمنية في هذه الرواية شديدة الطول، لأنها تتبعت هؤلاء الصديقات على مدار شريحة طولية كبيرة جدا من حياتهن، بدأت معهن من مرحلة الطفولة في المدرسة، وانتهت إلى فترة متقدمة جدا من عمر الدكتورة هدى الملقبة بحتشبسوت وجي جي الملقبة بنفرتيتي لشدة جمالها، في الوقت الذي ماتت فيه نانا الشخصية الثالثة الملقبة بكليوباترا موتا عنيفا قاسيا.
ولم يمنع هذا القطاع الطولي الكبير من ظهور ملامح خاصة بالبنية الزمنية، وأهم هذه الملامح القطع والوصل، أي قطع التسلسل السردي الخاص بإحدى هذه الشخصيات، وما يتعلق بها، من أجل التفاعل السردي مع الشخصية الثانية، أو الشخصية الثالثة، ثم العودة لوصل ما انقطع، وكأننا أمام ثلاث روايات متداخلة، وقد كان لذلك أبلغ الأثر في وجود عنصر التشويق، بسبب تداخل القطاع العرضي للزمن مع القطاع الطولي. كما سجلت الرواية ارتدادات كثيرة داخل ذهن كل شخصية من الشخصيات الثلاث، وكان لهذه الارتدادات دور كبير في التراسل السردي بين الحاضر والماضي، حيث كان ماضي الشخصية يترك بصمته على حاضرها، والعكس. كما سجلت الاستباقات حضورها الواضح في هذه الرواية، وكأننا في غابة من السرد. أما البنية المكانية فقد اتسعت بصورة واضحة جدا، ولكن معظم الكتل السردية كانت تدور في القاهرة، في أحياء راقية تتناسب مع مستوى الشخصيات الثلاث الاجتماعي، وتراوحت بين الأماكن الخاصة والأماكن العامة، وكانت حركة التنقل السردي عبر الأماكن من الوضوح بمكان، فرأينا كتلا سردية خاصة بالأقصر في معبد حتشبسوت، حيث تاهت الشخصيات الثلاث، وهن في رحلة مدرسية، ورأينا كتلا سردية كثيرة جدا في القاهرة، حيث كانت إقامة الشخصيات الثلاث مع أزواجهن، وفي تونس حيث سافرت الدكتورة هدى وخالد وفي الإسكندرية، حيث تم رصد حادث الكنيسة الإرهابي الذي تفجرت فيه نانا وأمها، وفي باريس حيث تم التعرف بين الطيار هادي وجي جي، وفي موسكو حيث شهدت ليلة رأس السنة العلاقة الحميمة بين هادي وجي جي، كان من نتيجتها حملها سفاحا بالطفل هادي، وكتمانها الأمر عن زوجها صاحب شركة السياحة، الذي يخونها ليل نهار مع السائحات والموظفات لديه. وتراوحت الأمكنة بين البيت والشركة والجامعة والفندق والطائرة، وكان لكل مكان طبيعته الخاصة في رسم ملامح سردية تتواءم مع هذه الطبيعة.
تلمس هذه الرواية بحرفية الفنان واقعا نفسيا واجتماعيا شديد التفسخ، فالشخصيات الثلاث، رغم نجاحهن الباهر وقيمتهن العالية، فشلن فشلا ذريعا في حياتهن الزوجية، وقد بذلن الجهود المضنية من أجل إنجاح شركاء حيواتهن، على الرغم من تمتعهن بالجمال والمال والحسب والنسب، فالشخصية الثالثة نانا الملقبة بكليوباترا تقف بقوة مع زوجها وحبيبها، حتى تتحقق شهرته، ولكنها بعد أعوام طويلة معه تتخذ قرارها بالانفصال عنه، رغم أنها وزوجها مسيحيان، ولكنها ترى عشرتها معه مستحيلة، فقد تحملته في صبر ينوء بالجبال، حيث عاشت معه حوالي عشرين عاما لم يقربها أبدا ملقيا اللوم عليها، وقد اكتشفت مصادفة ميوله الجنسية غير السوية.
والشخصية الثانية جي جي الملقبة بنفرتيتي، التي تزوجت هي الأخرى عن حب، وأنجبت أربعة أولاد من زوجها، أحست بتعاسة كبيرة جدا معه، بعد خياناته المتكررة لها مع السائحات ومع موظفاته حتى سئمت هذه العيشة معه، ووقعت في حب الطيار هادي بسبب أسلوبه اللافت في المعاملة، وكان من نتيجة هذا الحب بينهما أن حملت منه سفاحا في لحظة ضعف أمام الحب في ليلة رأس السنة في فندق من فنادق روسيا ذات الجليد. ولكن زوجها بعد أن تأثرت شركته السياحية بأثر من أحداث ثورة يناير يعود قلبه لها ويعاملها بلطف.
أما الشخصية الأولى الدكتورة هدى والملقبة بحتشبسوت لقوة شخصيتها الإدارية حين تزوجت من طبيب عظام عمل في مستشفى والدها وأنجبت منه ابنة وابنا كانت الحياة معه جحيما لا يطاق بسبب غيرته الشديدة منها، وإحساسه الدائم بالنقص أمامها، فاعتبر الحياة معها منافسة علمية دائمة، وكانت النتيجة تصميمها على الطلاق منه، ولكن موته سبقها لتحقيق أمنيتها، وتتزوج من المهندس عمر، والد الطالب خالد الذي كان يحبها رغم فارق السن معها الذي يصل إلى عشرين عاما، وتنجح في هذا الزواج وتنجب منه توأما: هما خالد ونانا.
كشفت هذه الرواية عن سياق اجتماعي مرت به مصر في الفترة الأخيرة، حيث صعدت أفكار وشخصيات وانهارت مع الثورة وصعد بعضها مرة أخرى، فتنفس القارئ أجواء ما قبل ثورة يناير وأثناء الثورة وبعدها.
٭ أكاديمي مصري