جائزة ساويرس للآداب

في يوم الاثنين الثامن من هذا الشهر يناير/كانون الثاني، لبيت الدعوة لحضور حفل توزيع جائزة ساويرس في الآداب في دورتها التاسعة عشرة. جائزة ساويرس في الآداب هي من أفكار المهندس سميح ساويرس. بدأت في الرواية والقصة القصيرة للكبار والشباب، ثم أضيفت إليها جائزة لأفضل سيناريو، وأفضل مسرحية، وللنقد الأدبي والسيرة، وأخيرا جائزة لأدب الطفل هذا العام. كما أضاف أخوه المهندس نجيب ساويرس جائزة للشعر العامي، تحمل اسم الشاعر أحمد فؤاد نجم، تقديرا له ولشعره. أضاف أيضا سميح ساويرس لجائزة الآداب، مهرجان الجونة السينمائي السنوي، وهو مهرجان عالمي يشارك فيه مبدعون من كل العالم، فضلا عن مصر والعالم العربي وله أيضا جوائز. هذا العام تم تأخير مهرجان الجونة بسبب الإبادة الجماعية في غزة، ثم تم عقده بعد شهر من التأخير كنوع من استمرار الحياة، ولم تغب غزة ولا فلسطين عن الحضور، ولا الأفلام المشاركة.
جاء احتفال جائزة الآداب في موعده وكانت الدقيقة الأولى وقفة حداد على أرواح ضحايا محرقة غزة. ذهبت إلى الحفل لأفرح للفائزين، وألتقي بأكبر عدد من الكتاب بعد أن صار خروجي قليلا، ومن أراهم أو يزورونني قليلين، ونكتفي بالوجود الهوائي على فيسبوك. قبل أن أتحدث عن الفائزين ومقابلتي لأكثرهم، أتحدث عن الدور العظيم للمجتمع الأهلي في الثقافة الذي أعادته لنا جائزة ساويرس منذ نشأتها وتوسعت فيه.
من يقرأ تاريخ النهضة المصرية بعد حكم محمد علي باشا وأثناء حكم أبنائه، يعرف دور المجتمع الأهلي في النهضة بكل تجلياتها الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. راجع تاريخ البعثات العلمية إلى أوروبا، لتعرف أنه بدأ بالدولة مع محمد علي ثم أبنائه، ومع بداية القرن العشرين كان عدد كبير من الباشوات يتحملون تكلفة سفر المبعوثين من الفنانين والطلاب، أكثر مما تتحمله الدولة، بل صاروا في المقدمة. ابحث تاريخ أهم المستشفيات في بلادنا، تجد وراءها المجتمع الأهلي، مثل مستشفى العجوزة في القاهرة، أو مستشفى المواساة، أو مستشفى الرمد، أو المستشفى اليوناني، أو الإيطالي في الإسكندرية أو غيرها، فضلا عن مستشفيات الدولة مثل الحميّات أو المستشفى الأميري. لم تكن المستشفيات التي أنشأها رجال المال الأجانب لجالياتهم وقفا عليهم فقط، لكن كانت مفتوحة للمصريين. ولم تكن استثمارا لهم، بل أوكلوا مهمة إدارتها لوزارة الصحة، كذلك الأمر في المدارس، فما أكثر المدارس التي أقامها رجال المال أو الباشوات، وكانوا يعهدون بها بعد قيامها إلى وزارة المعارف، حتى الجامعة المصرية أقامها المجتمع الأهلي وجامعة الإسكندرية.. الأمثلة كثيرة جدا ستشغل صفحات وكتبا، ويمكن لمن يريد أن يقرأ كتابا مثل «سبع خواجات» لمصطفى عبيد وغيره من الكتب، لتعرف هذا الدور للمجتمع الأهلي في الاقتصاد أيضا، ويتسع الحديث. من التناقضات مثلا وجود تمثال طلعت حرب أبو الاقتصاد المصري وسط القاهرة، لكن أممت الدولة الشركات التي أقامها في الغزل والنسيج وغيره، ثم انتهى الزمن ببيع هذه الشركات، وتم هدم واختفاء أكثرها.
كان المجتمع الأهلي هو صانع النهضة، وانظر إلى تاريخ الصحف والمجلات، وكيف كانت بعيدة عن أموال الدولة، وعددها كبير جدا والمعروف منها قليل، مثل «الأهرام» و»الأخبار» ومجلات دار الهلال وروزا اليوسف في الصحافة، و»المقتطف» و»الرسالة» و»الكاتب المصري» وغيرها في الأدب والفلسفة. وهناك أيضا عشرات الصحف والمجلات وبكل لغات الجاليات. أما الجمعيات فتحدث عن جمعيات مثل الجمعية الجغرافية المصرية، وجمعية محبي الفنون الجميلة، وجمعية أنصار التمثيل، ومعهد الموسيقى العربية. الأمر نفسه في السينما والمسرح. لقد قام عدد من رجال المال في السنوات الأخيرة لحكم الرئيس مبارك بإنشاء قنوات تلفزيونية وصحف بعيدا عن الدولة، انتهت أخيرا للأسف إلى الدولة نفسها وفقدت كثيرا جدا من حريتها. تجد الآن مساهمات من بعض رجال المال في مشروعات مثل المستشفيات، لكن عائلة ساويرس التي تساهم في ذلك أيضا، تضيف إليها الثقافة والفنون.
أعود إلى الجائزة والحفل الجميل الذي تم في قاعة إيوارت في الجامعة الأمريكية. كنت جالسا مع زوجتي سندي في الطريق، ومعنا السيدة الفاضلة أميرة أبو المجد زوجة إبراهيم المعلم صاحب دار الشروق، وقابلت في طريقي للجلوس كثيرين من الكتاب تصافحنا في سعادة، مثل الكاتبة سحر الموجي وإبراهيم داوود وأنور مغيث وليلى الراعي وشعبان يوسف ومنة أبو زهرة وهند بكر وهبة خميس والوزير السابق فخري عبد النور وعماد أبو غازي والمخرج مجدي أحمد علي وخالد عزت الفائز بجائزة السيناريو لكبار الكتاب، وفنانين شاركوا في تقديم الحفل أو توزيع الجوائز، مثل حسين فهمي وهنا شيحة وسلوى محمد علي ومريم نعوم، ووزيرة الثقافة نيفين الكيلاني، وكتاب وصحافيين مثل محمد شعير وحسن عبد الموجود، وهدى الصدة عضو مجلس أمناء الجائزة، والأسماء كثيرة، فأعداد المدعوين للحفل مهولة، وأعداد المساهمين في التحكيم في الجائزة فضلا عن الفائزين.
بدأ الحفل بالوقوف دقيقة صمت حدادا على أهلنا في غزة، ثم كالعادة بموسيقى ونشيد بلادي بلادي العابر للزمن، الذي معه في كل مرة تكاد تقفز دموعي وتاريخ النضال الوطني يقفز أمامي. ربما الدموع تخصني أو تخص من تقدموا في العمر، لكن ماذا أفعل وقد انفقت عمري في قراءة وحب الوطن. التقيت بنجيب ساويرس الذي قدم الحفل بكلمته ومحمد أبو الغار عضو مجلس أمناء الجائزة، فهما لا يغيبان عني في فضاء السوشيال ميديا، وبسميح ساويرس الذي وراء كل هذا الجمال وغيره كثير. كانت سعادتي كبيرة بالأسماء الفائزة، وأكثرهم، إن لم يكن كلهم، قرأت لهم أو أعرفهم من كل الأجيال. بعد الحفل وقفت أنظر حولي وأمامي أبحث عن الفائزين اهنئهم. كثيرون منهم رأوني وصافحوني وهنأتهم، لكني من فرط اللهفة لتهنئتهم بعد أن عدت إلى البيت أرسلت رسالة على الماسينجر للكاتبة هبة الله أحمد ابنة مدينتي الإسكندرية التي فازت مجموعتها القصصية الرائعة فئة الشباب «ثورة الفانيليا» أقول لها كيف يا هبة كنت موجودا ولم أرك وكنت أبحث عنك لتهنئتك. جاءني الرد مفرحا أني قابلتها وصافحتها وهنأتها. كيف نسيت ذلك. هي اللهفة لتهنئة الفائزين من كل الأجيال، كان من أجمل الصدف مقابلة الكاتب فتحي إمبابي الفائز بجائزة الرواية لكبار الكتاب. وجدته مثلي مرهقا يمشي مستندا إلى عكاز، وشغلني سؤال أقوله هنا، وهو كيف لم يفز فتحي إمبابي حتى الآن بجائزة كبرى من وزارة الثقافة المصرية، وهو يستحق كل الجوائز. هي فقط جائزة الدولة التشجيعية عام 1995. عندما أعلنوا أسماء عدد من الفائزين مثل الفنان أحمد عز العرب عن كتابه «حكايات طائر الطباشير» أو سامية محرز عن كتابها «إبراهيم ناجي.. زيارة حميمة تأخرت كثيرا» سعدت بأني سأراهما لكنهما لم يحضرا لوجود سامية في الخارج، كما أرسل أحمد عز العرب ابنه. للإثنين معي تاريخ طويل من المحبة وكتبت من قبل عن كتابيهما الرائعين. تمنيت أن التقي أحمد ناجي الذي فازت روايته» النهايات السعيدة « عن فئة شباب الكتاب، ونسيت أنه غادر مصر إلى أمريكا بعد أن قضي أكثر من عام في السجن بسبب روايته «استخدام الحياة» وكان قد نشر منها فصلا في جريدة «أخبار الأدب» فتم توجيه تهمة خدش الحياء العام إليه، حتى خرج بحكم محكمة النقض.
أنهي المقال بعد أن فتحت الباب واسعا لمشاعري وأهنئ كل من فاز في كل مجال، وعلى من لم يفز أن ينسى، فالأعوام مقبلة والجميل في الفنون والآداب لا يضيع، ولا توجد جائزة تكفي الجميع، ومعذرة لمن لم يتسع المقال لأسمائهم من الحاضرين أو لجان التحكيم أو الفائزين، أو نسيت أسماءهم، وسؤالي الأخير هو كيف لا تقيم وزارة الثقافة احتفالا سنويا لتوزيع جوائزها. هل سيكلفها ذلك شيئا ولديها قاعات مجانية في الأوبرا أو المجلس الأعلى للثقافة؟

كاتب مصري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية